الاخبار
البحث عن مقاتلي داعش يستمر رغم إعلان النصر الكبير في الموصل م تحقيق لصحيفة الغارديان
2017/07/14
بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي النصر على قوات الدولة الإسلامية في الموصل إلا أننا ما زلنا نشهد إنقاذ المسنين والضعفاء. يخرجون من الأنفاق والسراديب في هذه المدينة المحطمة. رجال مسنون يحملهم أبناؤهم على ظهورهم، ونساءٌ يرتدين العباءات السوداء المتسخة والممزقة يسحبن وراءهن أطفالهن العطاشى.
ومن قلب حطام ما كان يدعى يومًا جامع النوري الذي دمره مقاتلو تنظيم داعش في الأيام الأخيرة من المعركة أشار ضابطٌ من القوات الخاصة إلى النساء اللاتي كن يخرجن من تحت الأنقاض دون رجالهنّ قائلًا: “هؤلاء جميعهم من تنظيم داعش ولكن المدينة القديمة هي المكان الذي جاء المقاتلين فيه بالعائلات الموالية، فما الذي يمكننا فعله؟”
وقد تم اعتقال شابين مصابين، كلاهما في سنّ الجيش، بالرغم من توسلات أُسَرهم، إذ أشارت إحدى النسوة إلى أحدهم وكانت له ندبة جديدة في بطنه وقالت أن رصاصة قناص أصابته حين حاول جلب الماء من النهر.
وبعد ثلاث سنوات من إعلان داعش لخلافة أبو بكر البغدادي في هذه المدينة الشمالية من هذا الجامع المحطّم، انهارت “الدولة الإرهابية” أخيرًا، هذا ما قاله العبادي في زيارته الأخيرة للموصل بعد تحريرها يوم الأحد.
لكن حتى بعد ذلك استمر القتال في عدة أحياء في المدينة القديمة في الموصل، وتمت محاصرة بقايا داعش وفلوله التي تقاوم بيأس. وعلى مدى تسعة أشهر كان الجنود العراقيون والقوات الخاصة يخوضون معارك شرسة لاستعادة المدينة ولكن الأسابيع الأخيرة في الأحياء القديمة بأزفتها الضيقة ومنازلها الحجرية وسراديبها وأنفاقها المتصلة أثبتت أنها أصعب ما في المعركة.
وقال العميد الركن فلاح رئيس أركان القوات الخاصة العراقية: “خلال ثلاث سنوات من قتال داعش رأينا الكثير وتكبدنا خسائر كبرى لكن لا شيء يقارن بما رأيناه في الأسبوعين الماضيين هنا في المدينة القديمة”.
في هذه الأزقة المتشابكة لم يكن هناك خط للمواجهة ولا مناطق آمنـة وتحمل المدنيون العبء الأكبر إذ أن الاحتياطات التي اتخذها الجنود لحماية المدنيين في المناطق الأخرى لم يتمكنوا من اتخاذها في هذه الأزقة وتمّ استدعاء الدعم الجوّي حينما واجهوا مقاومة العدو وأدى القصف الجوي إلى تحطيم أجزاء كبيرة من المدينة، بما في ذلك السكان.
واتهم تقريرٌ صادر عن منظمة العفو الدولية نشر يوم الثلاثاء داعش بإلقاء القبض على المدنيين واستخدامهم كدروعٍ بشرية واتهم كذلك القوات العراقية وحلفائها باستخدام أسلحة متفجرة وارتكاب جرائم حرب. وردًا على ذلك رفض البريطاني نائب قائد التحالف المناهض لداعش التقرير واصفًا إياه “غير دقيق ومسؤول إلى حدّ كبير”.
وداخل إحدى الكنائس استراح الجنود المرهقون إلى جانب الأعمدة الكبيرة حيث يسطع ضوء الشمس من خلال الأسقف المنهارة والأنقاض، وقد جمع بعض الجنود معداتهم وأسلحتهم وتوجهوا للبحث عن الجهاديين الذي لا يزالون يختبئون في الأقبية والأنفاق. وللقيام بذلك اضطر الجنود إلى تسلق الكتل الخرسانية والمباني الحجرية فقد خلّفت الغارات حفرًا عميقة وأنقاضًا كثيرة من الحطام حتى أن بعض هياكل السيارات قد تجدها على الأسطح. ولم يتبق من المباني إلا آثارًا قليلة: باب أو إطار نافذة أو أريكة مكسورة بلون الرماد والحطام. كل شيء يحمل رائحة من الجثث المتحللة والطعام التالف.
ومن خلال فتحة صغيرة في الجدار استطاع الجنود التسلق إلى غرفة مليئة بالملابس فيها جثة لأحد مقاتلي التنظيم وعبروا شارعًا صغيرًا يعج بالمباني المهدمة وجثث أخرى لمقاتلي التنظيم.
في الأسبوع الأخير من القتال كان التقدم اليومي يُقاسُ بالأمتـار وكان الجهاديون والجنود في بعض الأحيان في نفس المباني يتبادلون إطلاق النار ورمي القنابل اليدوية من خلال فتحات بالجدران. وأشار الرقيب ولاء إلى أحد البيوت التي لم يتبق منها إلا غرفة واحدة: “هاجمنا انتحاريان هناك، أحدهما جاء على عكازين، أربعة آخرين فجروا أنفسهم في مكانٍ قريب، في حربٍ لم يتم فيها اعتقال سجناء، جند الجهاديون المحاصرون أنفسهم بستراتٍ انتحارية وانتظروا الجنود القادمين”.
وأضاف أن أحد مقاتلي التنظيم المصابين فجر نفسه قبل يومين في مبنى كان إلى ذلك الوقت يعدّ مستشفى ميدانيًا. وفي الطابق الأرضي المحترق للمشفى تتمدد جثته المتفحمة. غرفة سوداء بالأكمل لا يظهر فيها إلا أسنانه التي لا تزال بيضاء.
ألقى الجنود قنابل يدوية على مداخل القبو قبل إغلاقها ثم صعدوا إلى مبنى لا يزال قائمًا في أطراف المدينة القديمة ومن خلال واجهته المحطمة نظروا إلى منظر الموصل البانورامي، شوارع جارية محطمة، حطام الجسر الحديدي العتيق، والنهر الأزرق المتدفق دجلة.
قام أحد قناصي داعش بإطلاق النار على أحد فصائل الشرطة الفيدرالية عند الجسر حيث احتمى الجنود خلف مدرعاتهم واصطدمت الرصاصات بالمدرعات محدثة صوتًا مدويًا.
بعد ذلك هبطت طائرة مقاتلة وانطلق صاروخ محدثًا انفجارًا له دويٌ هائل. وارتفعت سحب الدخان. وصمت مقاتلٌ آخر.

غيث عبد الأحد (صحيفة الغارديان) /ترجمة زينب الحكيم