أدب فتوى الدفاع المقدسة
قصة شهيد أنا والمَنية ، مطاردة حتى الموت ! .
2017/10/06
(وددت أن يميلوا علينا الساعة فنميل عليهم فنعانق الحور العين ) .
هذا ما قاله برير بن خضير الهمداني في ليلة عاشوراء أو يومه سنة 61 للهجرة في العراق في منطقة كربلاء ، وهو يتشوق في ذهابهِ الى المَنية أكثر من اشتياقها له .
ولكن دعونا من عاشوراء فلها خواصها العجيبة والغريبة ، و سأروي لكم قصة حصلت في العراق أيضا ، وهي مطاردة بين شخص ومَنيته , طاردها وهي تهرب منه لكنه أصر على اللحاق بها .
بدأت المطاردة بعدما أعلن الجهاد الكفائي من مرجعية النجف الأشرف ، في الخامس عشر من شهر شعبان المعظم ، من عام1436 للهجرة . فهبت الناس زرافات زرافات على ساحات القتال ، ومن بين هذه الجموع ، شخص أسمه (خليل ابراهيم الجليحاوي) ، لكن خليل ما أن وصل الى ساحات الجهاد حتى وجه خطابه للمَنية قائلا لها :
يا مَنية ، سوف لن أدعك تفرين من يدي مهما حاولتِ ..!
التفت المَنية بغرابة ، ومن يجرأ على هذا القول أمامي ؟ فقالت له :
هل انت متأكد ؟ أنا اطارد الناس وألحق بهم وهم يهربون مني ، وليس العكس ، فمَ الذي تقوله يا خليل ..!؟
الشهيد خليل : دعكِ من الناس ولست أعرف ما في قلوبهم ،لكن أمري مختص معكِ فقط ، فاستعدي ..!
المَنية : حسن ، ولكن هذه المرة سيختلف أسلوبي معك يا خليل ، لأنك تحديتني ..!
الشهيد خليل : افعلي ما يحلو لكِ ، وأجلبي معكِ كل سلاح ممكن، عسى أن يُسعفكِ مني ، فإني لستُ بتارككِ إطلاقا ..!
المَنية : يا خليل ، إعلم أني قاسية مع من يعاندني ، وسوف لن أرحمك إطلاقا ففكر فما تقول يا رجل ..!
الشهيد خليل : نعم ؛ سمعت عن قسوتكِ وشدةِ ضربكِ ، لكني جهزتُ نفسي بكل شيء لمواجهتكِ ، والواقعُ سيثبت ذلك ..!
هنا بدأ الصِراع بين المَنية والشهيد خليل إبراهيم بصورة عجيبة ، وكأن إبراهيم أسداً لا ينفك عن ضرب المَنية بقسوة وهو يهجم عليها ، وعندما يضيق بها الخِناق تهرب وتختفي عنه ، وتحاول أن تكسر من عزيمته من خلال باب آخر ، وأن تأتيه حِيلة وغيلة .
غابت عن عينه لكنها لم تغب عن فكره وتفكيره ، حتى وجدها في إحدى المعارك قد نالت من أخيه وهو مخضب بدمه ، جاء خليل الى أخيه وهو يهنئه بالشهادة ، هذا والمَنية تنظر الى الموقف بعين حادة وتقول :
يا خليل ، هذا أول الغيث ، أخذت منك أعز ما تملك ، وهنا في ساحة القتال ، كسرت ظهرك يا خليل ، فلن تقوم لك قائمة .
أجابها خليل ودمعة في طرف عينه :
ما حزنت لرفضي فقدان أخي ، بل أغبطه لأنه سبقني لما يحب ويرضى ..! أما انتِ فكوني واثقة ، لن تُثنيني عن عزيمتي ، ولن أُخذل أبدا ، أو اتراجع .!
المَنية : يا خليل ، سوف تتجرع ألماً قَلَ نظيره ..!
الشهيد خليل : دعك من الوعيد وهاتي ما عندكِ .
كُسر ظهر خليل عبد الأمير بأستشهاد أخيه بين يديه في إحدى المعارك ، لكن سرعان من أنتهى مجلس العزاء ، حتى شدَ الرحال لجبهات القتال مرة أخرى ، وهو كله أمل أن يظفر بالمَنية ويمسك بها ، ما أن وصل والتقت المَنية به قالت له :
أها ، لقد رجعت يا خليل ، ولم تتعض !؟ ، لعل الدرس لم يكن قاسيا كفاية !؟
الشهيد : نعم رجعت ، وكلي ثقة بان الله سوف يحقق مبتغاي في الإمساك بكِ .
تعاركا واشتد الوطيس في كثير من المعارك والجبهات ، وثار الكثير من الغبار المتناثر في وجه خليل ، وهو يبحث جاهدا عن المَنية ، لعله يوفق ويمسك بها ، وحرارة استشياقه لأخيه بدأت تسعر عنده .
ومرة أخرى هربت المَنية ، لكنها أخذت معه يده اليمنى هذه المرة، قُطعت يد
خليل في إحدى المعارك ، وكادت أن تخرج نفسه من بدنه من كثرة نزف الدم !
وبينما هو يصارع مع نزف دمه ، وإذا بالمَنية واقفة أمامه وبضحكة صفراء ، خليل ، كيف حالك آلان ؟ هل ستجاهد وتقاتل وأنت بيد واحدة ؟
تأثر خليل قليلا من ضحكتها الصفراء وقال :
هي فداء لأبي الفضل العباس ، الذي قطعت يداه معا !
صُدمت المَنية بهكذا جواب ، وقالت له :
أنت فعلا عنيد ، و اعترف لك بشجاعتك وعنادك ، لكن هذه الشجاعة وهذا العناد لهما ثمن كبير حتى تحصل على ما تريد ؟
الشهيد خليل : لن ترهبينني بهكذا تهديد ، وكأنكِ كنتِ تعتقدين مني أن أتراجع بقولك هذا ؟ لا والله . إعلمي ، إنما نحن شيعة أهل البيت نفحة من نفحات عاشوراء ، نراها ببصيرتنا ؛ فتصير قلوبنا كزبر الحديد .
ومرة أخرى عاد خليل الى القتال بعدما شفيت يده المقطوعة !
جاء خليل عبد الأمير مهرولا لساحة الميدان والقتال ، لعله يظفر بما يريده ويصادف المنية أمامه ليمسك بها ، لكن سرعان ما التفت عليه بحيلة أخرى ، فأصيب في عينه فكاد لا يبصر من شدة الضربة ، خَرَ خليل على الأرض مغشيا عليه والدم أخذ مأخذه ، وإذا بعينه عُميت تماماً !.

نظرت المَنية له وقالت : يا خليل ، أما آن لك ان تتعلم من دروسي القاسية ، ومن ضرباتي الموجعة لك ، لقد أتعبتني كثيرا ، ما أنت يا هذا ؟ ومن أنت ؟ ، كسرت ظهرك عندما أخذت منك أخيه بين يديك ، وبعدها قطعت لك يدك اليمنى ، والآن ها هي عينك قد ذهب بصرها ، قل لي بربك ، هل ما زالت تعاند وتصر على مواجهتي ..؟!
الشهيد خليل : وهو مبتسم ، ما زالت عندي عين واحدة أبصر بها ، فلن أتوقف عن اللحاق بكِ ما دمت أُبصر، وكلما وجهتي ضرباتك علي أكثر ، كلما زاد شوقي وحنيني لأخي ولما أبتغي .
بقت المَنية مذهولة ومتحيرة ، ماذا تصنع مع خليل هذا ، وهو بكل هذه العزيمة والعِناد ، فاتخذت أسلوبا مغايرا ، ذهبت إلى أقاربه وأهله وقالت لهم :
أمنعوه من الذهاب الى الجبهة مرة أخرى ، فماذا عساه أن يفقد بعد كل هذا ؟ .
استجابوا لها وقالوا لخليل : يا أخانا قد قدمت الكثير ، وجزاك الله عن الإسلام خير الجزاء ، أما آن لك أن تقضي بقيت أيامك في بيتك ومع أولادك ، فهم في غاية الشوق إليك ، من كثرة ما تتواجد في الجبهات ؟
أجابهم خليل : إني أبحث عن غاية وهدف منذ أن التحقت بركب المجاهدين ، ومنذ أن سمعت بفتوى نائب الإمام ، وإلى الان لم أحصل على مرادي ، ولن أترك المعركة حتى أحصل على ما أريد ، فلا تتعبوا أنفسكم في منعي .
رجع خليل الى المعركة مرة أخرى ، وبالتحديد في منطقة (الحويجة) ، حيث أخر أمل كان لخليل في ان يحوز على ما يتمناه ، بينما هو يقاتل وإذا بالمَنية وقفت أمامه ، وقالت له :
خليل ، إني خجلت منك ، وفخورة بنفس الوقت ، خجلت لأني أتعبتك وقسوت عليك كثيرا بفقد أخيك ويدك وعينك ، وفخورة أني سأكون بين يدي شخص قل نظيره في التأريخ ، يا خليل ها أنا بين يدك فأمسك بيدي لنذهب الى عليين .
هنا بانت الفرحة المفقودة من وجه خليل منذ زمن طويل ، وقال لها :
ألم أقل لك أني سوف لن أقبل إلا بهذا الكلام ، هيا بنا معا الى جِنان الخُلد .
أستشهد خليل عبد الأمير الجليحاوي في قاطع الحويجة ، وأخذته المَنية بعيدا عن دار الدنيا ، وتمسك بها خليل جيدا هذه المرة ، في اليوم الرابع من أكتوبر عام 2017 وذهبت مع المَنية روح خليل الى عِنان السماء تدعوا الله تعالى أن يجعله في عليين ، مع محمد وأهل بيته الطاهرين .

باقر جميل / كتابات في الميزان

صور من الخبر