المرجعية الدينية العليا تؤكّد أنّ فتوى الوجوب الكفائي للدفاع عن الوطن تشمل كلّ العراقيين بغضّ النظر عن طوائفهم ودياناتهم وقومياتهم..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
أكّدت المرجعية الدينية العُليا في النجف الأشرف وعلى لسان ممثّلها الأمين العام للعتبة العباسية المقدسة السيد أحمد الصافي، أنّ فتوى الوجوب الكفائي للدفاع عن الوطن تشمل كلّ العراقيين بغضّ النظر عن طوائفهم ودياناتهم وقومياتهم، وجاء ذلك خلال الخطبة الثانية لصلاة يوم الجمعة (21شعبان 1435هـ) الموافق لـ(20حزيران 2014م) والتي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف.
حيث دعت المرجعية الدينية العليا في الجمعة الماضية الى التطوّع للانخراط في القوات الأمنية للدفاع عن العراق في ظلّ أوضاع صعبة يمرّ بها البلد، وقال الصافي أنّ هناك نقاطاً ينبغي بيانها:
الأولى: أنّ هذه الدعوة كانت موجّهة الى جميع المواطنين من غير اختصاص بطائفة دون أخرى، إذ كان الهدف منها هو الاستعداد والتهيّؤ لمواجهة الجماعة التكفيرية المسماة بـ(داعش) التي أصبح لها اليد العليا والحضور الأقوى فيما يجري في عدة محافظات، وقد أعلنت بكلّ صراحة ووضوح أنّها تستهدف بقية المحافظات العراقية حتى في مثل النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، كما أعلنت بكلّ صراحة أنّها تستهدف كلّ ما تصل اليه يدها من مراقد الأنبياء والأئمة والصحابة والصالحين، فضلاً عن معابد غير المسلمين من الكنائس وغيرها، فهي إذن تستهدف مقدّسات جميع العراقيين بلا اختلاف بين أديانهم ومذاهبهم، كما تستهدف بالقتل والتنكيل كلّ من لا يوافقها في الرأي ولا يخضع لسلطتها، حتى من يشترك معها في الدين والمذهب، هذه الجماعة التكفيرية بلاءٌ عظيم ابتُليت به منطقتنا، والدعوة الى التطوّع كانت بهدف حثّ الشعب العراقي بجميع مكوناته وطوائفه على مقابلة هذه الجماعة، التي إن لم تتمّ اليوم مواجهتها وطردها من العراق فسيندم الجميع على ترك ذلك غداً ولا ينفع الندم عندئذٍ، ولم يكن للدعوة الى التطوع أيُّ منطلق طائفي ولا يمكن أن تكون كذلك، فإنّ المرجعية الدينية قد برهنت خلال السنوات الماضية وفي أشدّ الظروف قساوة أنّها بعيدة كلّ البعد عن أي ممارسة طائفية، وهي صاحبة المقولة الشهيرة عن أهل السنة: (لا تقولوا إخواننا بل قولوا أنفسنا)، مؤكّدة مراراً وتكراراً على جميع السياسيين ومن بيدهم الأمر ضرورة أن تراعى حقوق كافة العراقيين من جميع الطوائف والمكونات على قدم المواساة، ولا يمكن في حال من الأحوال أن تحرّض المرجعية على الاحتراب بين أبناء الشعب الواحد، بل هي تحثّ الجميع على العمل لشدّ أواصر الألفة والمحبة بينهم وتوحيد كلمتهم في مواجهة التكفيريين الغرباء.
الثانية: إنّ دعوة المرجعية الدينية إنّما كانت للانخراط في القوات الأمنية الرسمية، وليس لتشكيل مليشيات مسلّحة خارج إطار القانون، فإنّ موقفها المبدئي من ضرورة حصر السلاح بيد الحكومة واضحاً، ومنذ سقوط النظام السابق، فلا يتوهّم أحد أنّها تؤيد أيّ تنظيم مسلح غير مرخّص به بموجب القانون، وعلى الجهات ذات العلاقة أن تمنع المظاهر المسلحة غير القانونية، وأن تبادر الى تنظيم عملية التطوع وتعلن عن ضوابط محدّدة لمن تحتاج اليهم القوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى، حتى تتّضح الصورة للمواطنين الراغبين في التطوّع فلا يزدحم على مراكز التطوّع إلّا من تتوفّر فيه الشروط، والمرجعية الدينية إذ توجّه بالغ شكرها وتقديرها لمئات الآلاف من المواطنين الأعزّاء الذين استجابوا لدعوتها وراجعوا مراكز التطوع في مختلف أنحاء العراق خلال الأسبوع المنصرم، فإنّها تأسف عمّا حصل للكثيرين منهم من الأذى نتيجة عدم توفّر الاستعدادات الكافية لقبول تطوّعهم، وهي تأمل أن تتحسّن الأمور في المستقبل القريب.
الثالثة: إنّ المحكمة الاتحادية قد صادقت على نتائج الانتخابات النيابية، وهناك توقيتات دستورية لانعقاد مجلس النواب الجديد واختيار رئيسه ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة، ومن المهمّ جداً الالتزام بهذه التوقيتات وعدم تجاوزها، كما أنّ من الضروري أن تتحاور الكتل الفائزة ليتمخّض عن ذلك تشكيل حكومة فاعلة تحظى بقبولٍ وطنيٍّ واسع تتدارك الأخطاء السابقة وتفتح آفاقاً جديدة أمام جميع العراقيين لمستقبل أفضل.
الرابعة: إنّ الأوضاع الراهنة تحتّم على العراقيين مزيداً من التكاتف والتلاحم فيما بينهم، ومن هذا المنطلق يتعيّن التعاون في التخفيف من معاناة النازحين والمهجرين وإيصال المساعدات الضرورية اليهم، كما يتعيّن على تجّار المواد الغذائية وغيرها ممّا يحتاج اليها عامّةُ الشعب أن يراعوا الإنصاف ولا يعمدوا الى رفع الأسعار ولا يحتكروا الأطعمة التي تشكّل قوت الناس، فإنّ الاحتكار بالإضافة الى كونه غير جائزٍ شرعاً فهو ممّا لا ينسجم مع مكارم أخلاق العراقيين.
نسأل الله سبحانه وتعالى -أيّها الإخوة- أن يأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه الخير والصلاح، إنّه أرحم الراحمين، اللهم مُنّ علينا وعلى الجميع بالعزّة والرفعة، وارحمنا برحمتك واحفظ بلدنا من كلّ سوء ورُدّ كيد الأعادي الى نحورهم، إنّك قويٌّ عزيز، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.