المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا: إقرارُ الموازنة المالية العامة خطوةٌ صحيحة، ويجب على مجلس النوّاب أن يكثّف جهوده لتشريع القوانين التي تخدم مصلحة الناس..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
أكّدت المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا بأنّ إقرار الموازنة لهذه السنة من قِبَل مجلس النوّاب هي خطوةٌ صحيحةٌ تتناسب مع المسؤولية الملقاة على عاتق هذا المجلس الموقّر الذي نأمل منه أن يكثّف جهوده أيضاً لتشريع القوانين التي تخدم مصلحة الناس عموماً، كما طالبت الحكومةَ العراقيةَ بتوفير رعايةٍ خاصة للقوّات المسلحة وقوّات الحشد الشعبي تثميناً لجهودهم الكبيرة في محاربة الإرهاب، كما شدّدت على ضرورة تجنّب إطلاق العيارات النارية في بعض المناسبات معتبرةً إيّاها تصرّفات غير مسؤولة وغير حضارية.
جاء هذا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (9ربيع الثاني 1436هـ) الموافق لـ(30كانون الثاني 2015م)، والتي أُقيمت في الصحن الحسيني الشريف بإمامة السيد أحمد الصافي، وجاء فيها:
"إخوتي أخواتي أعرض بخدمتكم الأمور التالية:
الأمر الأوّل: لقد تمّ يوم أمس إقرار الموازنة لهذه السنة من قِبَل مجلس النوّاب، وهي خطوةٌ صحيحةٌ تتناسب مع المسؤولية المُلقاة على هذا المجلس الموقّر الذي نأمل منه أن يكثّف جهوده أيضاً لتشريع القوانين التي تخدم مصلحة الناس عموماً أو لتعديل القوانين الأخرى التي تحتاج الى ذلك، إنّ هذه الخطوة -إقرار الميزانية- لم تكن لتحصل لولا وجود الرغبة عند الأغلب لإقرارها، ومن الطبيعي أنّ المرحلة التي يمرّ بها البلد تقتضي أن يفكّر أبناؤه -أي مجلس النوّاب بكتله وأعضائه- أن يفكّروا بصورةٍ مستمرّةٍ ودائمة في مصلحته -مصلحة البلد- ورصّ الصفوف موحّدةً لمواجهة التحدّيات الكثيرة التي نعيشها، إذ من الطبيعي أن يواجه أيّ بلدٍ خصوصاً إذا كان مهمّاً كالعراق عوائق كثيرة وتحدّيات متنوّعة، فكيف به وهو يواجه تحدّياً أمنياً خطيراً من قِبَل الإرهابيّين وآخر اقتصادياً ومالياً، لابدّ أن يسعى الجميع بكلّ وسائلهم لحماية هذا البلد من جميع المخاطر الأمنية والاقتصادية فالكلّ في مركبٍ واحدٍ عليهم أن يحافظوا عليه.
إنّ المجلس الموقّر مدعوٌّ اليوم أن يقف بحزمٍ أمام مشاكل نخرت في جسم البلد وهو قادرٌ على ذلك، فإنّ المجلس الذي يستمدّ قوّته وإرادته من شعبه قادرٌ على أن يُبقي هذه الإرادة حاضرةً في كلّ ظرفٍ وفي كلّ أوان، ولعلّ الوقت مناسبٌ الآن لتطهير جميع مؤسّسات الدولة من الآفة السرطانية -آفة الفساد المالي- فإنّ الشعور بخطر هذه الآفة قادرٌ على أن يوحّد الجميع حتى ينجو الجميع في إيجاد الحلول الحقيقية سواءً في التشريع أم في الرقابة على التنفيذ، إنّنا في الوقت الذي نشجّع على إيجاد مصادر تمويلية متنوّعة لرفد ميزانية الدولة بعوائد مالية تصبّ في خدمة المواطن، كذلك لابدّ أنْ تتوفّر الحماية الكافية واللازمة للمال العام وهنا تكمن أهمية أن تكون هيبة الدولة حاضرةً ودائمةً بحيث لا يُصرف أيُّ مالٍ إلّا في محلّه وموقعه وهي مسؤولية الجميع في ذلك.
الأمر الثاني: إنّ الجهد الذي يُبذل من قبل القوّات المسلحة والإخوة المتطوّعين في محاربتهم للإرهاب وتصدّيهم له كان له الأثر الفاعل والمباشر في درء الخطر عن بلادنا، وهذا يستوجب رعايةً خاصة من الدولة لهؤلاء الإخوة والنظر اليهم بعينٍ متساويةٍ سواء في حقوقهم أو العناية بهم، فهم بذلوا الغالي والنفيس من أجل أن يبقى البلدُ شامخاً قوياً لا تدّنسه أقدامُ الإرهابيّين، وهم بذلك لهم كامل الاحترام والتقدير والشكر، ولابدّ أن يتمتّعوا بحقوقهم المكفولة سواءً من استُشهِد منهم أو أُصيب بجراحٍ خطيرةٍ أو فَقَدَ بعض أطرافه، وسواءً كانت هذه الحقوق ماليةً أو صحيةً أو تاريخية، على الدولة أن تسهّل كلّ ما من شأنه أن يوفّر هذه الحقوق بعيداً عن التعقيدات الإدارية المُتعبة وأن تسعى جاهدةً لتذليل الصعاب، كما نحبّ أن نؤكّد على الإخوة المقاتلين أن يوثّقوا كلّ الأحداث ويدوّنوها فإن هذا تاريخٌ مشرّفٌ لهم ولعوائلهم ولبلدهم، فإذا لم يكتبوه بأيديهم فسيُكتب بأيدي غيرهم ويناله التشويش وعدم المصداقية هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنّ الحكومة ملزمةٌ بالتحقيق في ادّعاءات الاعتداء على المدنيّين في مناطق العمليات ومعاقبة من سوّلت له نفسه الاعتداء على المواطنين الأبرياء في دمائهم أو أموالهم، ولا يجوز المسامحة والإهمال في هذا الأمر كما أكّدنا عليه أكثر من مرة.
الأمر الثالث: لقد أكّدنا مراراً على ضرورة التجنّب عن بعض الممارسات التي لها آثار سلبية على المواطنين، وبالأخصّ ما تعارف عند البعض من إطلاق العيارات النارية في بعض المناسبات، إنّ هذه التصرفات غير مسؤولة وغير حضارية ولابدّ من تجنّبها والابتعاد عنها، فكم من شخصٍ كان ضحية هذا العمل بين موتٍ برصاصةٍ طائشةٍ أو جرحٍ بالغٍ بأخرى، وكم من عائلةٍ رُوّعت نتيجة هذا الفعل وكم وكم، على أنّه لا يوجد سببٌ عقلائيّ وراء ذلك الفعل، على الإخوة الذين يمارسون هذه الظاهرة أن يكونوا أكثر اتّزاناً ووقاراً ويبتعدوا عن ذلك، وأن لا ينجرّوا وراء نزواتٍ قد تؤدّي الى نتائج خطيرة، ونؤكّد أيضاً على مسؤولية الدولة في هذا الخصوص وهو اتّخاذ التدابير اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة ومحاسبة المقصّرين، لابدّ أن يفرض القانونُ نفسه ولابدّ أن ترعاه الدولة بشكلٍ مباشر.