من خلال مُراقبتها الدقيقة للأحداث الجارية على الساحتين العربية والإسلامية , وبما في ذلك الساحة العراقية وما ألمّ بها بعد تغيير النظام عام 2003م , استشعرت المرجعيّة العليا ممثّلة بشخص السيد علي السيستاني - دام ظلّه الوارف - الخطر الداهم جرّاء دخول مغول العصر (داعش) إلى الموصل ومناطق أخرى تقدّر بثلث مساحة العراق ,وابتلاعها بزمن قصير يدعو إلى الشكّ والريبة، ولإدراك المرجعية العليا لحجم التداعيات التي قد تنجم عن انبثاق مثل هكذا تنظيم إرهابي ومن سقوط الموصل ومحافظتي الرمادي وصلاح الدين بإقل من ـ 72 ـ ساعة , بيد شذّاذ الآفاق المتعطّشين للدماء ، وللقتل المجاني بادرت - وهي المبادرة دوما ـ إلى توحيد المواقف ورصّ الصفوف - بإصدار فتوى الدفاع المقدسة التي حثّت كلّ قادر على حمل السلاح لأن يشمّر عن ساعديه ويتجهّز بالعدّة اللازمة للانخراط في القوات المسلحة الرسمية , للتصدّي للإرهاب الدموي القادم من خلف الحدود , والذي يهدف الى تدمير نسيج الإجتماعي والوحدة والأخوة الوطنيّة العراقية . واشترطت الفتوى أن يكون انخراط المتطوعين بإمرة القوات المسلّحة العراقيّة وبمعرفتها ودرايتها. وقد لقيت الفتوى المذكورة التي ( اعلنتها المرجعية على لسان الشيخ عبد المهدي الكربلائي ممثّل المرجعيّة الدينية العليا في خطبة الجمعة من كربلاء المقدّسة بتاريخ 13/6/2014م صدى وترحيبا من مختلف القوى والمؤسسات والشخصيّات الإسلامية العراقيّة وغيرها , لما لها من دور فاعل في إرباك حسابات الأعداء وتخطيطاتهم، لا سيما وأن الفتوى لم تنطلق من منطلق طائفي بدليل توجّهها لكلّ العراقيين، فضلا عن كونها دفاعا وقائيا عن العراق وشعبه ومقدساته . وللقارئ الكريم نص هذه الفتوى المباركة:
ـ "في الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية الدينية العليا دعمها واسنادها لكم فإنها تحثكم على التحلي بالشجاعة والبسالة والثبات والصبر وتؤكد على إن من يضحي بنفسه منكم في سبيل الدفاع عن بلده وأهله وأعراضهم فإنه يكون شهيداً إن شاء الله تعالى .. المطلوب أن يحث الأبُّ ابنه والأمُّ ابنها والزوجة زوجها على الصمود والثبات دفاعاً عن حرمات هذا البلد ومواطنيه. وتابع قائلاً : إن طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي ، بمعنى أنه إذا تصدى له من بهم الكفاية بحيث يتحقق الغرض وهو حفظ العراق وشعبه ومقدساته يسقط عن الباقين " .
وقد تناقلتها وسائل الإعلام بسرعة البرق لما لها من أهمية بالغة في ردع ووقف تقدّم عصابات داعش، وتنادت بعد الانتهاء من صلاة الجماعة واحتشدت مسيرات عفوية ضخمة استجابة ودعما لفتوى السيد السيستاني وتأييدا لها في محافظة كربلاء وفي بقية المحافظات العراقيّة الأخرى ، وهو ما أكّد صواب موقف المرجعية العليا ، وصدق التفاف الجماهير الشعبية حولها .
وبذلك تكون المرجعيّة قد أدّت دورها الرسالي المنوط بها في توجيه الأمّة وإدارة دفّة الحياة في الملمّات بما ينسجم ومسؤوليتها الدينيّة والشرعيّة والأخلاقية وبما يتفق مع مسؤوليتها الوطنية . لذلك استنهضت همم العراقيين , للالتحاق بجبهات القتال والوقوف بوجه هذا المد الصهيوأمريكي الكامن (وراء مسمى داعش) والهادف إلى تفتيت المنطقة والى تمزيق شعوبها من خلال إذكاء نار الفتن والنزاعات الطائفية والعرقيّة وللإبقاء على الدولة العبرية اللقيطة وقوتها وكذلك التحكم بمصائر شعوب المنطقة المستضعفة وبمقدراتها للأبد.