مَن أنشأ الحشد الشعبي المقدس !
2025/12/11
(بالفتوى المُباركة أُنشِأ الحشد الشعبي الذي هو نفثة مُباركة من أنفاس المرجعيّة الدينيّة العُليا).
بهذه الجملة المقتضبة التي ألقاها الشيخ (ميثم الزيدي) مشرف عام فرقة العباس القتالية في (مهرجان فتوى النصر) الذي أقيم في جامعةِ بغداد في 5 آب 2017م، كان قد أماط اللثام عن أمر مهم للغاية، وهو أن فتوى المرجع الأعلى (السيستاني) التي أطلقها يوم جمعة 13/ 6/ 2014م لقتال داعش، هي مَن أسست الحشد الشعبي. وبذلك تمّ حسم الجدل العقيم المُثار حول (كيف) و(متى) و(مَن) أسس الحشد لصالح الفتوى المقدسة، بل وألمح إلى أن قدسيّة الحشد إنما كانت بسبب كونه (نفثة مُباركة من أنفاس المرجعيّة الدينيّة العُليا) لا غير!
ــ هل حقا ً الفتوى المقدسة هي مَن أنشأت (الحشد الشعبي)؟.
متى كان ذلك وكيف؟. وهل حشد ـ الفتوى ـ الذي استحق أن يكون نفثة من أنفاس المرجعيّة العليا المباركة، يختلف عن غيره من حشد وإن اشترك معه بنفس الإسم؟.
وبالتالي: هل المقاتلون المنضوون بمظلة (هيئة الحشد الشعبي) هم جزءٌ من المتطوعين أو لا؟.
ـ في البدء..
أعتقد أن المرجعيّة الدينية العليا وبحكم موقعها التاريخي والديني والإجتماعي، يُحتّم عليها أن تكون لها القيادة والريادة، على نحو التكليف الشرعي في التطبيق العملي، لكل خطوة تخطوها وموقف ومطلب تطلبهُ هي من الآخرين أيّا ً كانوا!. فتطبق المطلب على نفسها أولاً، ومن خلال جهازها المرجعي المتمثل بمعتمديها وممثليها الشرعيين، وكل فضلاء وأساتذة الحوزة الدينية ومن ثمّ الآخرين. هذا من جانب ومن جانب آخر، أنا أعلم أن خطب منبر جمعة كربلاء ومنذ انطلاقها، هي بالإضافة إلى طرحها للمواضيع الجديدة، فهي إمّا أن تكون مكملة وشارحة لما قبلها، أو مُمهدة ومُؤسسة لما بعدها من مواضيع شتى تهم الأمة والبلد ومصلحتهما العليا. ولا سبيل إلى فصل بعضها عن بعض أحياناً ، لوجود الطابع التكاملي الذي تتمتع بها أغلب الخطب.
ـ الحشد الشعبي انبثق مِن بُعدين لا ثالث لهما..
وبالرجوع إلى يوم جمعة 13/6/2014م يوم إعلان فتوى الجهاد الكفائي ضد عصابات داعش، نرى المرجعيّة العليا وبعد أن استهلّت خطابها بـ(إنّ العراق وشعب العراق يواجه تحدّياً كبيراً وخطراً عظيماً وإنّ الإرهابيين..) ووجهت الخطاب إلى عموم الشعب العراقي بلا تمييز، داعية إياهم إلى تحمّل المسؤولية الوطنية والشرعية والتاريخية (..إنّ المسؤولية في الوقت الحاضر هي حفظ بلدنا العراق ومقدساته من هذه المخاطر..). كانت (المرجعيّة) تعي تماما ً بأن البُعد الأول للفتوى الجهاديّة قد انطلق، من خلال وضع الأمة (الشعب العراقي) أمام مسؤولياتها.
ولكي يتسنّى للمرجعية العليا أن تقوم بأعباء تطبيق الفتوى الجهاديّة، من موقع الريادة والقدوة، بالتخطيط والإشراف والمتابعة المستمرة والبذل، حتى تحقيق غرض الفتوى الحقيقي المنطلق، الذي هو (قتال داعش وإنهاء خطره في العراق) كانت تنتظر (وهي الواثقة من ذلك) إستجابة جماهير الشعب العراقي لنداء الفتوى وبه تحقق البُعد الثاني.
وبالفعل حصل ذلك.. وبعد أن انطلقت الشرارة الأولى من على منبر الجمعة من الصحن الحسيني الشريف، هبّ الشعب مستجيباً للنداء المقدّس، فنهض ذلك العملاق العراقي الذي بنهوضه أذهل العالم بحق، فتشكّل بعد ساعات من النداء، جيشاً تطوعيّاً قوامه أكثر من (3) ملايين مقاتل خلال (48) ساعة فقط، حتى غصّت بهم الشوارع، واكتضّت بهم مراكز التطوع، وامتلأت بهم ساحات المواجهة مع العدو، وسمّي فيما بعد بـ(الحشد الشعبي).
ومن المؤكد والطبيعي قد صاحب انطلاق الشرارة للفتوى المقدسة، استنفار الجهاز المرجعي الذي اشرنا اليه، لإحتواء هذا (الحشد الجماهيري) والقيام بأعباء إدارته والإشراف عليه وإسناده بكل ما يحتاج إليه، ولكن من غير أن يلغي دور الدولة وما تقوم به الحكومة في ذات المجال.
فبالفتوى واستجابة الشعب العراقي انطلق الحشد الشعبي بملامحه القدسيّة التي أضفتها المرجعية العليا عليه، حينما أشارت بشكل موجز من خلال تعبيرها في الخطبة ــ العطاء والتضحيات ــ في فقرة (وهذه توفّر حافزاً لنا للمزيد من العطاء والتضحيات في سبيل الحفاظ على وحدة بلدنا وكرامته وصيانة مقدساته..). ([1]).
فحشد الفتوى المباركة يضمُّ إلى جانب المقاتلين (التضحيات)، كل من يجد في نفسه القابلية والقدرة والإمكانيّة، على الدعم والإسناد والبذل بكل شيء (العطاء) من أجل رفد المعركة ضد الإرهابيين الظلاميين.
ـ المعركة ضد داعش.. معركة الحق ضد الباطل..
في خطبة جمعة 27 حزيران 2014م أي بعد إسبوعين من انطلاق الفتوى، نبّهت المرجعيّة العليا الجميع، من أن المعركة ضد داعش هي معركة (الحق ضد الباطل) وأن النجاح في هذه المعركة يتطلب موقفاً (جمْعياً) من عموم الشعب العراقي بلا استثناء، بل من كل فرد من مكونات الشعب العراقي. حيث أشارت: (..من يستطِع القتال ينخرِطْ في القوات الأمنية، ومن يستطِعْ إغاثة هؤلاء الناس فعليه أن يغيث هؤلاء الناس بكلّ ما يُمكنه، ومن يستطِعْ أن يسخّر قلمه للدفاع عن الحقّ فعليه أن يسخّر قلمه، والإعلاميّ بكلّ طاقاته عليه أن يسخّر هذه الطاقات لنُصرة الحقّ، والطبيب، ...وهكذا، وكلّ إنسان يتمكّن أن يساهم بما لديه من الإمكانات في الدفاع عن العراق وشعبه ووحدته ومقدساته فعليه أن يساهم بما لديه من هذه الإمكانات..)!.([2]).
فصفة المتطوعين (الحشد الشعبي) الذي انطلق من رحم الفتوى المقدسة، يضمّ إلى جانب المئات الآلاف (ومن ورائهم أضعاف هذا العدد) من متطوعي القتال، الملايين من متطوعي الشعب العراقي، الذين وجدوا الإمكانية التامة، وعلى قدر الإستطاعة، للمساهمة بما لديهم من دعم للدفاع عن العراق وشعبه ومقدساته ضد قوى الظلام.
ـ لذلك افترق (حشد الشعبي ـ للفتوى) عن أي مسمّى آخر، وإن اشترك معه بالإسم الصريح (الحشد الشعبي). فالحشد الشعبي الرسمي المتعارف عليه: هو ذلك الحشد المؤطر بإطار القانون الذي أقرّه البرلمان في 26/ 11/ 2016م، الذي قوامه (120) ألف مقاتل. بينما حشد الفتوى: هو ذلك (الحشد) الذي انطلق في يوم 13/ 6/ 2014م، والمؤطر بإطار المرجعيّة العليا وفتوتها المقدسة، الذي قوامه الملايين من أبناء الشعب العراقي بل كل إنسان بما في ذلك المتطوعون المقاتلون.
ـ ملاحظة:
والملاحظة الجديرة بالذكر والإهتمام هنا، ولرفع كل لبس وسوء فهم يمكن أن يحصل من التفريق أعلاه، ولكي لا يُفهم من الطرح هنا، بأن هناك حشدين يفترقان بالتأسيس ويتوحدان بالنتيجة وهي قتال (داعش).
إنَّ الحشد الشعبي الرسمي والمنضوي بإسم (هيئة الحشد الشعبي) هو قطعاً داخل ضمن (حشد الفتوى) وتحت مسمّى (المتطوعين) ممّا لا يقبل الشك أبداً !. رغم محاولات البعض المغرضة اليائسة والرامية لجعل (هيئة الحشد الشعبي ــ ومقاتليها) خارج إطار حشد الفتوى المقدسة، بل ويجهد لأن يكون لهيئة الحشد الشعبي أساس يفترق بالتأسيس عن حشد الفتوى المقدسة، وكأنه يريد (من باب احمل أخاك على سبعين محمل) أن يوصل رسالة خطيرة جداً تُسيء للمرجعيّة العليا وللفتوى المقدسة وللحشد الشعبي، ويوهم البعض بأنّ المعركة ضد ( داعش) هي معركة الدولة (الحكومة) مع داعش، وليس هناك طرف آخر بالمعركة. إلغاءً لدور الفتوى والمرجعيّة معاً.
ــ لذا دأبت المرجعية العليا ومن منطلق حرصها على أن تؤدي الفتوى غرضها للنهاية، ولسد الباب على صائدي الجوائز المقامرين، ولمنع مصادرة المنجز (التضحوي) لأبناء الحشد الشعبي للفتوى، دأبت على استخدام تعبير (المتطوعين) من خلال خطاباتها، بدلاً من (الحشد الشعبي) أحياناً لأنها وببساطة تعبير أوسع وأشمل من غيره: (أنها أوسع وأشمل . فالحشد الشعبي ينضوي تحت هيأة حكومية، وقد لا يكون المتطوّع مسجلاً فيها)! وهذا ما أفاد به مسؤول معتمدي الإمام السيستاني السيد (محمد حسين العميدي)!. ([3]).
ـ فكل مقاتل متطوّع ولكن ليس كل متطوّع مقاتل!. ولا يمكن من بعد الذي عرفناه، أن يُختزل إسم (الحشد الشعبي) بالمقاتلين فقط، أو بالمتطوعين فقط قفزاً فوق معاني ومصاديق الحشد الشعبي للفتوى!. وقد نبّهت المرجعية العليا مرات عدّة إلى هذه الحقيقة، بخطب لاحقة لخطبة الفتوى. وحاولت جاهدة أن تضع المفردات بمكانها الصحيح، رفعاً للبلس ودفعاً للتوهم ولتضع حدّاً لذلك. فالمتطوعين ومن أيّ كانوا هم جزء من الحشد الشعبي (حشد الفتوى المباركة).
ـ الدليل..
هو ما جاء في خطبة جمعة 14/ 11/ 2014م، أي بعد خمسة أشهر من انطلاق الفتوى، كانت قد استخدمت المرجعية العليا وذكرت لأول مرة مصطلح (الحشد الشعبي) والمتطوعين في آن واحد: (أسأل الله تعالى.. أن يمنّ على بلدنا بالأمن والاستقرار والازدهار، وكما حقّق جيشنا الباسل وقواتنا الباسلة والمتطوّعون من الحشد الشعبي هذه الإنتصارات الكبيرة.. )!.
ـ وكذلك ما جاء في خطبة جمعة 3/ 4/ 2015م: (ليس من الصعوبة على قوّاتنا المسلحة من الجيش والشرطة الاتحادية والمتطوعين من الحشد الشعبي وأبناء المناطق المتبقية تحت سيطرة داعش أن يحقّقوا انتصاراتٍ..)!.
ـ فالمقاتل هو المتطوع، والمتطوّع هو جزءٌ من الحشد الشعبي المقدس، والحشد الشعبي المقدّس، هو ذلك العملاق الذي انبرى لتحقيق هدف الفتوى المقدسة، الذي يحوي ويشمل على الإنسان، وعلى الأسباب والمسببات الغيبيّة والشهوديّة، وعلى ـ ربما أكون مغاليا إن قلت يحوي ويشمل على كل: ما ليس لأحد أن يحصيه أبداً، لوجود الجذبة الإلهيّة فيها وفي المقام المقدس للكيان المرجعي باعتباره يقوم مقام النيابة عن المعصوم (عليه السلام). ولأنها معركة الحق ضد الباطل. فالفتوى (السيستانيّة) هي التي دلّت الجميع على العدو وتهديده العظيم ولا أحد غيرها، وهي التي أشارت إلى قتاله تحديداً ولا أحد غيرها. وإذا كنّا قد أدركنا الباطل المتمثل بخطر داعش فلا يمكننا أن ندرك حدود ونهايات الحق الذي زهقه!.
________________________________________________________________
[1] خطبة جمعة كربلاء الثانية في 14شعبان 1435هـ الموافق 13حزيران 2014م
[2] خطبة جمعة كربلاء الثانية في 28شعبان 1435هـ الموافق 27حزيران 2014م.
[3] موقع العتبة الحسينية المقدسة ـ الإعلام الدولي.