هذا ما جاء في خطبة الجمعة التي القاها الشيخ عبد المهدي الكربلائي (دام عزه) في الصحن الحسيني الشريف في يوم ۱۰ شعبان ١٤٣٦هـ الموافق ٢٠١٥/٥/٢٩م.
الأمر الأول: في ليلة النصف من شعبان ذكرى ولادة الإمام الحجة بن الحسن المنتظر سيعبر محبو أهل البيت لها عن ابتهاجهم وسرورهم بهذه المناسبة السعيدة، وسيؤدي الكثير منهم تزامناً مع ذلك مراسيم الزيارة للإمام الحسين هنا في كربلاء المقدسة، وفي هذا الخصوص نود أن نشير الى أن هذه السنة تختلف في طبيعة ظروفها ومصاعبها وتحدياتها عن السنين الماضية، حيث يخوض شعبنا ومقاتلو القوات المسلحة والمتطوعون الأبطال معركة مصيرية ضد عصابات داعش، وقد سقط بسببها الكثير من الشهداء والجرحى وخلفت أعداداً إضافيةً من الأيتام والأرامل والثكالى، وتسببت في نزوح أعداد كبيرة من المواطنين خارج مدنهم وقراهم، ومن هنا ينبغي أن تكون مظاهر الفرح والسرور في احتفالاتنا بمناسبة ذكرى ولادة الإمام في حدود ما تنسجم مع هذه الأوضاع الحرجة والاستثنائية التي يمر بها بلدنا، وأن نصرف جلّ اهتمامنا وإمكاناتنا في دعم المقاتلين في الجبهات ورعاية أحوال النازحين واليتامى والأرامل، والسعي الى القيام بمزيد من الأعمال المقربة الى الله تعالى والابتعاد عن معاصيه ومراعاة ما تقتضيه قداسة وشرافة المناسبة وعدم ممارسة أي تصرفات منافية لها، ويرجى من جميع الزائرين الكرام التعاون مع الأجهزة الأمنية والخدمية والمحافظة على الحشمة والوقار والعفة والحجاب وأيضاً رعاية النظام والنظافة، وعدم الإسراف في الطعام وعدم الإضرار بالأموال العامة مع
ترشيد الاستهلاك سواء كان على صعيد استخدام الطاقة الكهربائية أو الماء أو الاحتياجات الأخرى مراعاة للأوضاع الاقتصادية والمالية التي يمر بها العراق، ويرجى منهم أيضاً التحلي بسعة الصدر وحسن الخلق مع الآخرين وتجنّب أي احتكاك، والابتعاد عن استغلال هذه المناسبة الدينية لأغراض سياسية أو دعائية أو حزبية أو شخصية.
الأمر الثاني: إن استجلاء طبيعة الأحداث التي تمر بها المنطقة والتمدد لعصابات داعش وأمثالها في مناطق معينة من العراق وما يجاورها من بعض الدول الأخرى، مع توفّر دلائل واضحة على تقديم التسهيلات والإسناد مالياً ولوجستياً لهذه العصابات من جهات وأطراف إقليمية وربما دولية، يُعطي مؤشّرات خطيرة الى أن دول المنطقة وشعوبها كافة مهدّدة بصراع دموي ذي طابع طائفي وعرقي يمتد لسنين طويلة مخلفاً الكثير من القتل والخراب، ومتسبباً في إيقاف عجلة التنمية والتطوّر لهذه الدول لغرض إضعافها أزيد من ذي قبل تمهيداً لتقسيمها وتمزيقها الى دويلات صغيرة تتناحر فيما بينها، ومن أجل درء المخاطر التي تهدّد بلدنا العراق والاستعداد الواعي لتفويت الفرصة على الأعداء لتحقيق مخططاتهم الشريرة، لابد من أن يكون هنالك موقف واضح وصريح من جميع القوى السياسية والدينية والاجتماعية في البلد من طبيعة الصراع الدائر مع عصابات داعش، موقف ينبع من القناعة التامة بأن هذا الصراع صراع وطني وأخلاقي وإنساني وليس صراعاً طائفياً، وإن داعش وباء قاتل لشعوب المنطقة ومدمر لدولها، وهي وسيلة وأداة تتخذها بعض الجهات والأطراف الإقليمية وغيرها لتحقيق أهدافها الخبيثة، ولابد من تجسيد هذا الموقف من خلال الدعم الفعلي بكل الإمكانات المتاحة لمكافحة هذا الوباء وعدم الاكتفاء بالتصريحات والمواقف الإعلامية البحتة، إنّ من الضروري وحدة الصف الوطني خصوصاً بين الجهات الفاعلة والمؤثرة في المحافظات التي احتلتها عصابات داعش سواء كانت هذه الجهات ذات عناوين سياسية ام دينية ام عشائرية ام شعبية، ولابد من تعاونها مع القوات المسلحة من الجيش والشرطة والمتطوعين بمختلف عناوينهم ممن أثبتوا ولاءهم وإخلاصهم لوطنهم وشعبهم ومكوناته المختلفة غير متحيّزين لطائفة أو قومية أو دين، وقد رووا تراب العراق بدمائهم الغالية حفاظاً له من دنس الإرهابيين، وهنا لابد أن نستذكر بإكبار وإجلال ذلك الجندي البطل الشهيد مصطفى العذاري الذي عانى ما عانى من الأذى والتعذيب قبل أن يستشهد على أيادي شرار خلق الله بتلك الصورة البشعة التي ظهرت بوسائل الإعلام، نترحم على هذا الشهيد العزيز وعلى سائر شهداء العراق، وإننا على يقين بأن دماءهم الزكية لن تذهب سدى بل بها يحفظ العراق وشعبه ومقدساته من مخططات الأعداء، وهنيئاً لهم الدرجات العلى في الآخرة مع الأنبياء والصديقين.
____________________________________________________
المصدر: موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، الجزء السادس، ص86 - ص87.