المرجعيةُ الدينيةُ العُليا تؤكّد على القوات الأمنية والحشد الشعبي عدم التعدي على أيّ شخصٍ بريء في ماله أو في دمه مهما تكن الأسباب والذرائع..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
طالبت المرجعيةُ الدينيةُ العُليا إلى استثمار كلّ ثروات البلد لتحقيق الحياة الكريمة والعيش الرغيد للمواطنين، كما دعت إلى تفعيل دور الرقابة على كافة مفاصل الدولة، مؤكّدةً على القوات الأمنية والحشد الشعبي عدم التعدي على أيّ شخصٍ بريء في ماله أو في دمه مهما تكن الأسباب والذرائع.
جاء هذا في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (27محرم الحرام 1436هـ) الموافق لـ(21تشرين الثاني 2014م)، والتي كانت بإمامة السيد أحمد الصافي وقد بيّن فيها:
"إخوتي الأفاضل.. أخواتي المؤمنات أعرض على مسامعكم الكريمة ثلاثة أمور:
الأمر الأوّل: لا يخفى أنّ هناك عوامل عديدة في العراق تستوجب أن يكون حاله أفضل ممّا هو عليه الآن ومن أبرز هذه العوامل هو العامل الاقتصادي، الثروات الكثيرة والمتنوعة بالإضافة الى وفرة المياه، ولكن نتيجة لظروف عديدة ومعقّدة قد مرّ بها البلد لم تستثمر هذه الثروات بالطريقة المثلى التي تحقّق الحياة الكريمة والعيش الرغيد للمواطنين، ونودّ هنا أن نبيّن الملاحظات التالية:
أوّلاً: لم يتّضح الى الآن وجود خطة اقتصادية أو تنموية واضحة المعالم والأطر تتماشى مع إمكانات البلد الهائلة، بل في الأعمّ الأغلب لا نرى إلّا تجميع المال عند الوزارة المعنية ثم توزيعها بطريقة معينة على مؤسسات الدولة، ويخضع هذا التوزيع الى تجاذباتٍ عديدة غالباً ما تكون سياسية، ويبقى كلّ طرفٍ متمسّكاً برأيه ولو على حساب تأخّر إقرار الميزانية الذي هو الإقرار النهائي لتوزيع المال، كما حدث في مجمل السنين السابقة، بل قد تصل الحالة الى التأخّر الفاحش في إقرارها كما في هذه السنة، وهو أمرٌ يدعو الى التأسّف والاستغراب في نفس الوقت، وهذا ما لا نرجو أن يتكرّر في المستقبل بل لابدّ من وجود رؤيةٍ واضحةٍ في هذا الجانب، فالتخطيط في هذا الشأن مسؤولية كبيرة أمام المسؤولين الآن وأمام الأجيال القادمة.
ثانياً: إنّ الاعتماد الكلّي على ثروة واحدة –النفط- في تغطية الحاجات المالية والاقتصادية للعراق أمر غير صحيح، بل يعرّض البلد الى مجازفات اقتصادية ومالية مع وجود قنوات أخرى كالسياحة الدينية والسياحة وهو يستدعي الاهتمام بحضارة هذا البلد من خلال المتاحف وإبراز المعالم التراثية للمدن القديمة والاهتمام بالمشاريع الزراعية العملاقة التي يمكن أن تكون رافداً معيناً لاقتصاد العراق، وأمثال ذلك من الأمور التي تحتّم على المسؤول أن يسعى جادّاً من أجل تقوية الجانب الاقتصادي للبلد.
ثالثاً: بالإضافة الى ما تقدّم فإنّنا نرى عدم الاهتمام بالقطاع الصناعي، بل لا يقتصر الأمر على عدم استحداث صناعات جديدة فحسب، وإنّما إهمال الصناعات الموجودة فعلاً، التي كانت تستوعب أعداداً من العاملين فضلاً عن رفدها السوق المحلية بالاحتياجات المطلوبة كمعامل الأنسجة والألبسة وغيرها، إنّ الإخوة المسؤولين عن هذه القطاعات أمامهم مسؤولية وطنية في الحفاظ على هذه القطاعات وتطويرها الى الأفضل.
الأمر الثاني: إنّ مسألة الرقابة من المسائل المهمة لمتابعة أيّ عمل كي تعلمَ نتائجه
سلباً أو إيجاباً ومن ثمّ تقييمه، والملاحظ في بلدنا هو تعدّد الجهات الرقابية الرسمية مع بطء العمل أو تلكّؤه أو تركه نهائياً والمحصّلة هو التأخّر في خدمة المواطن وعدم استفادته، ولو استقصينا مجموع ذلك لحصلنا على نتائج مخيفة سواء في هدر الأموال أم بقاء الأرض بلا أي منفعة، علينا أن نواجه المشاكل بروحٍ تبحث عن حلولٍ جذرية لها، إنّ الفساد المالي آفةٌ تنخر في جسم أيّ مؤسسة إذا لم تكافح، بل لعلّها الأخطر في إعاقة أيّ تقدّم ممكن أن يحصل، إنّ تفشّي هذه الظاهرة يستدعي أن تكون هناك معالجات حقيقية سواء في القوانين أو القرارات واللوائح أو اختيار الأشخاص في المواقع الحساسة، إنّنا نشعر بالألم والمرارة إزاء ما يحصل في بعض المؤسسات من استشراء الفساد، فكم من عمل كان يمكن أن يطوّر البلد أو ينتفع به الناس لولا هذه الآفة، إنّنا ندعو المسؤولين وفي كلّ المواقع وبلا استثناء أن يحاربوا هذه الآفة ويكافحوها بما أوتوا من وسائل ويكرّسوا الطاقات الإعلامية والثقافية لبيان مخاطرها ودائها.
الأمر الثالث: نشيدُ بالانتصارات الكثيرة والكبيرة والمهمّة التي تحقّقت في جبهات القتال من قبل أبنائنا الأبطال في القوات المسلحة والحشد الشعبي، الذين تمكّنوا بعون الله تعالى من طرد الإرهابيّين الدواعش من مناطق كثيرة سبق أن استولوا عليها، سائلين الله تعالى لهم أن يشدّ على أياديهم وقلوبهم ويطهّر أرض العراق جميعاً -كلّ العراق- من شرور هذه العصابات، مؤكّدين في نفس الوقت على مراعاة جميع الحقوق وعدم المساس بها وعدم التعدي على أيّ شخصٍ بريء في ماله أو في دمه مهما تكن الاسباب والذرائع وفي جميع الحالات وفي عين الوقت ننوّه الى أمرين:
الأول: عدم تأخير استحقاقات أبنائنا في القوات المسلحة والحشد الشعبي من الرواتب والمؤن والتسليح، فإنّهم بحاجةٍ الى ذلك مع ما هم فيه من ظروف صعبة، خصوصاً تلك الوحدات والألوية التي أُعيد تشكيلُها فإنّ ذلك يستدعي إجراءات إدارية سريعة في النقاط الآنفة الذكر، ولا يُسوّغ أيّ تبرير في ذلك.
ثانياً: عدم الغفلة عن أيّ موقع وعدم الاطمئنان التامّ فإنّ آفةَ النصرِ الغرورُ، بل لابدّ من اليقظة والحذر فإنّ العدوّ قد يحاول العبث هنا وهناك كما يحدث الآن وفي هذه الساعات في منطقة عزيز بلد والاسحاقي وطريق سامراء، فلابدّ من التنبيه لذلك واستمرار المعارك بشجاعة وبسالة حتى يُطرَدَ الإرهابيّون عن كلّ حبةِ رملٍ من عراقنا الحبيب، حمى الله العراق وحفظ الله بلاد المسلمين قاطبةً من شرور الأعادي إنّه سميعُ الدعاء.