المرجعيةُ الدينيةُ العُليا: إنّ تحرير الأراضي من سيطرة عصابات داعش الإرهابية كان بفضل ما تحلّى به أبناءُ العراق من روحٍ معنويةٍ عالية وحبٍّ للتضحية في سبيل العراق ومقدّساته..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
أكّدت المرجعيةُ الدينيةُ العُليا على أنّ تحرير الأراضي من سيطرة عصابات داعش الإرهابية كان بفضل ما تحلّى به أبناءُ العراق من روحٍ معنويةٍ عالية وحبٍّ للتضحية في سبيل العراق ومقدّساته، مبيّنةً أنّ الحلّ لإقرار الموازنة العامة يكون في تنظيم وصياغة المواد الأساسية والضرورية فيها وفق سعر يمثّل الحدّ الأدنى بحسب تقدير أهل الاختصاص والخبرة، مطالبةً المواطنين الذين تفضّل الله عليهم بالرزق الواسع والإمكانات المالية الجيدة أن يساهموا بصورةٍ أوسع في إغاثة النازحين وتأمين احتياجاتهم فإنّ ذلك من أفضل أعمال الخير والبرّ.
جاء هذا في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (2ربيع الثاني 1436هـ) الموافق لـ(23كانون الثاني 2015م) والتي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف بإمامة الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، وبيّن فيها:
"إخوتي وأخواتي أودّ أن أعرض على مسامعكم الأمور التالية:
الأمر الأول: إنّ القوات المسلحة الباسلة ومن انضمّ اليهم من المتطوّعين حقّقوا انتصاراتٍ رائعة في مناطق مهمة كانت قد سيطرت عليها عصابات داعش الإرهابية، وكان ذلك بفضل ما تحلّوا به من روحٍ معنويةٍ عالية وحبٍّ للتضحية في سبيل العراق ومقدّساته، ممّا مكّنهم من تجاوز الظروف الميدانية الصعبة في بعض المناطق، وكذلك ما تبقّى من المدن والمناطق التي لا تزال تحت سيطرة هذه العصابات، ويُعاني مواطنوها من سلوكيّاتهم الإجرامية، فإنّ المعوّل الأساسي في استرجاعها هو على تضحيات وبطولات أبناء القوات المسلحة بصورةٍ عامة وأبناء هذه المناطق بالخصوص فإنّهم أولى من غيرهم بهذه المهمّة، ويتطلّب ذلك توفير الإمكانات اللازمة بإشراف الجهات المعنيّة لمن يسعى منهم بجدٍّ وإخلاص لتحرير مناطقهم من رجس الإرهابيّين.
الأمر الثاني: لا تزال موازنة عام (2015م) تخضع للمناقشة في أروقة مجلس النواب، ويواجه إقرارُها عدّةَ صعوبات، منها عدم ثبات سعر النفط في الأسواق العالمية واختلاف التقديرات فيما يستحصله العراق من بيع نفطه في هذا العام أوجد الاختلاف فيما يمكن تخصيصه بجملةٍ من المواد والفقرات الخاصة بالموازنة، ولعلّ الحلّ يكون في تنظيم وصياغة الموادّ الأساسية والضرورية وفق سعرٍ يمثّل الحدّ الأدنى بحسب تقدير أهل الاختصاص والخبرة، وإبقاء الموادّ الأقلّ أهميّة والخاصة بالموزانة خاضعةً لزيادةٍ محتملة ويكون الصرف فيها منوطاً بتحقّق تلك الزيادة، وفي كلّ الأحوال فإنّ الانتهاء من إقرار الموازنة في أسرع وقتٍ ممكن يمثّل ضرورةً للبلد ولابدّ أن تتعالى جميع الأطراف عن المصالح الخاصّة وتوجّه عنايتها الى المصلحة العامة للشعب العراقي، وتعمل على الإسراع في إقرار الموازنة ولو في حدّها الأدنى لأنّها تُعطي رؤيةً واضحةً للعمل لجميع الدوائر المعنية في مشاريعها وموارد صرفها، فلا تبقى هذه الأمور غير محسومة لأنّه يؤدّي الى تعطيل مصالح قد تكون مهمّة في مختلف الوزارات الخدمية وغيرها.
الأمر الثالث: إنّ مئات الآلاف من المواطنين لا يزالون مهجّرين ونازحين من مدنهم وقراهم، ويعانون أشدّ الظروف صعوبةً وقساوةً، والإمكانات الحكومية -كما يقول المسؤولون- أصبحت محدودة والمساعداتُ الدولية شحيحة، ومن هنا فإنّنا في الوقت الذي نقدّر عالياً الجهود الكبيرة والمبذولة في هذا المجال خلال الشهور الماضية، فإنّنا نهيب بالمواطنين الذين تفضّل اللهُ عليهم بالرزق الواسع والإمكانات المالية الجيدة أن يساهموا بصورةٍ أوسع في إغاثة النازحين وتأمين احتياجاتهم، فإنّ ذلك من أفضل أعمال الخير والبرّ، ويعبّر عن عمق الشعور بالمسؤولية والحسّ الوطنيّ والغيرة على البلد ومصالحه، ويمثّل مستوى يُفتخر به من المواطنة وسينعكس إيجابياً على مصالح الناس والبلد وعلى نفس الباذل عاجلاً أو آجلاً.
كما أنّ عموم المواطنين يمكنهم أن يساهموا في ذلك بحسب ما يتاح لهم من الإمكانات وإن كانت محدودة، ولا ينبغي أن يستهينوا به فإنّ القليل المبذول من عددٍ كبيرٍ من المساهمين إذا اجتمع صار كثيراً وعمّت بركته خصوصاً إذا كان بنيّةٍ خالصة لله تعالى، قال تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً)، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)".
مقصودنا أيّها الإخوة والأخوات هذه الأعداد الكبيرة من النازحين والمهجّرين الذين يعانون هذه الظروف الصعبة وتعرفون الوضع المالي للبلد، لو أنّ كلّ مواطنٍ حتى الذي ليس لديه تلك الإمكانات يساهم بخمسة آلاف دينار مثلاً أو أقلّ، هذه أحيانا قد يستهين بها المواطن يقول خمسة آلاف ماذا ستفعل؟ ماذا ستنفع لهذا الإنسان النازح؟ ولكن لو جمعنا الخمسة آلاف من مليون شخص ماذا سيكون المبلغ؟ خمس مليارات دينار، لاحظوا أيّها الإخوة والأخوات وأنا أضرب لكم مثالاً بسيطاً إناءٌ ليس فيه ماء حين تسقط فيه قطرةٌ فقطرةٌ بعد يوم تجد أنّ هذا الإناء حتى لو كان كبيراً قد امتلأ بالماء ويفي لك بحاجات كثيرة، كذلك هذا التصدّق في أيّ مجالٍ هذه الإغاثة لهؤلاء النازحين والمهجرين مع هذه الظروف التي يعيشها البلد وفي أيّ موردِ خيرٍ لا تستهينوا بهذا المقدار القليل)..