المرجعيةُ الدينيةُ العُليا: لا يفوتنّكم أيّها الإخوة المجاهدون الاهتمام بصلواتكم المفروضة، والله الله في حرمات عامّة الناس ممّن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
أكّدت المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا على المجاهدين أن لا تفوتهم الصلاةُ ودعتهم الى الاهتمام بها وعدم تغليب أيّ شيء عليها، كذلك أكّدت على حرمات عامّة الناس ممّن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء.
جاء هذا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (23ربيع الثاني 1436هـ) الموافق لـ(13شباط 2015م) والتي أقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي، والتي بيّن فيها أهمّ التوصيات والتوجيهات التي أصدرها مكتب سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني مساء يوم أمس، والتي جاء فيها:
"إخوتي أخواتي قد أصدر مكتب سماحة السيد السيستاني(دام ظلّه الوارف) مجموعةً من النصائح والتوجيهات للمقاتلين في ساحات الجهاد وسنذكر بعضها، والوصايا بحدود عشرين وصية والوقت قد لا يسمح لذكرها جميعاً ولكنّها ستكون حاضرة بين أيديكم إن شاء الله تعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين، أمّا بعد: فليعلم المقاتلون الأعزّة الذين وفّقهم الله عزّوجلّ للحضور في ساحات الجهاد وجبهات القتال ضدّ المعتدين.
أنّ الله سبحانه وتعالى كما ندب الى الجهاد ودعا إليه وجعله دعامةً من دعائم الدين وفضّل المجاهدين على القاعدين، فإنّه عزّ اسمه جعل له حدوداً وآداباً أوجبتها الحكمة واقتضتها الفطرة، يلزم تفقّهها ومراعاتها، فمن رعاها حقّ رعايتها أوجب له ما قدّره من فضله وسنّه من بركاته، ومن أخلّ بها أحبط من أجره ولم يبلغ به أمله.
فللجهاد آدابٌ عامّة لابدّ من مراعاتها حتى مع غير المسلمين، وقد كان النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يوصي بها أصحابه قبل أن يبعثهم إلى القتال، فقد صـحّ عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (كان رسول الله -صلّى الله عليه وآله- إذا أراد أن يبعث بسريّة دعاهم فأجلسهم بين يديه ثم يقول: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، لا تغلوا، ولا تمثّلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا صبيّاً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطرّوا إليها).
كما أنّ للقتال مع البغاة والمحاربين من المسلمين وأضرابهم أخلاقاً وآداباً أُثرت عن الإمام علي(عليه السلام) في مثل هذه المواقف، ممّا جرت عليه سـيرته وأوصى بها أصحابه في خطـبه وأقواله، وقد أجمعت الأمّة على الأخذ بها وجعلتها حجّة فيما بينها وبين ربّها، فعليكم بالتأسّي به والأخذ بمنهجه، وقد قال(عليه السلام) في بعض كلامه مؤكّداً لما ورد عن النبي(صلّى الله عليه وآله) -في حديث الثقـلين والغدير وغيرهما-: (انظروا إلى أهل بيت نبيّكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لَبدُوا فالبدُوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا).
ومن جملة ما ذكر البيان: (الله الله في حرمات عامّة الناس ممّن لم يقاتلوكم، لاسيّما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء، حتّى إذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم، فإنّه لا تحلّ حرمات من قاتلوا غير ما كان معهم من أموالهم فإن وجدتم حالة مشتبهة تخشون فيها المكيدة بكم، فقدّموا التحذير بالقول أو بالرمي الذي لا يصيب الهدف أو لا يؤدّي إلى الهلاك، معذرةً إلى ربّكم واحتياطاً على النفوس البريئة).
ثم قال: (واعلموا أنّ أكثر من يقاتلكم إنّما وقع في الشبهة بتضليل آخرين، فلا تعينوا هؤلاء المضلّين بما يوجب قوّة الشبهة في أذهان الناس حتّى ينقلبوا أنصاراً لهم، بل ادرؤوها بحسن تصرّفكم ونصحكم وأخذكم بالعدل والصفح في موضعه، وتجنّب الظلم والإساءة والعدوان، فإنّ من درأ شبهة عن ذهن امرئٍ فكأنّه أحياه، ومن أوقع امرأً في شبهةٍ من غير عذرٍ فكأنّه قتله.
ولقد كان من سيرة أئمة أهل البيت(عليهم السلام) عنايتهم برفع الشبهة عمّن يقاتلهم، حتّى إذا لم تُرج الاستجابة منهم، معذرة منهم إلى الله، وتربيةً للأمة ورعايةً لعواقب الأمور، ودفعاً للضغائن لاسيّما من الأجيال اللاحقة، وقد جاء في بعض الحديث عن الصادق(عليه السلام) أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) في يوم البصرة لمّا صلا الخيول قال لأصحابه: (لا تعجلوا على القوم حتّى أعذر فيما بيني وبين الله وبينهم، فقام اليهم فقال: يا أهل البصرة هل تجدون عليّ جورة في الحكم؟ قالوا: لا، قال: فحيفاً في قسم؟ قالوا: لا. قال: فرغبة في دنيا أصبتها لي ولأهل بيتي دونكم فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا، قال: فأقمت فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا: لا). وعلى مثل ذلك جرى الإمام الحسين(عليه السلام) في وقعة كربلاء، فكان معنيّاً بتوضيح الأمور ورفع الشبهات حتّى يحيا من حيي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.
ولا يظنّنّ أحدٌ أنّ في الجور علاجاً لما لا يتعالج بالعدل، فإنّ ذلك ينشأُ عن ملاحظة بعض الوقائع بنظرة عاجلة إليها من غير انتباه إلى عواقب الأمور ونتائجها في المدى المتوسط والبعيد، ولا اطّلاع على سنن الحياة وتاريخ الأمم، حيث ينبّه ذلك على عظيم ما يخلفه الظلم من شحنٍ للنفوس ومشاعر العداء ممّا يهدّ المجتمع هدّاً، وقد ورد في الأثر: (أنّ من ضاق به العدل فإنّ الظلم به أضيق)، وفي أحداث التاريخ المعاصر عبرةٌ للمتأمّل فيها، حيث نهج بعض الحكّام ظلم الناس تثبيتاً لدعائم ملكهم، واضطهدوا مئات الآلاف من الناس، فأتاهم الله سبحانه من حيث لم يحتسبوا حتّى كأنّهم أزالوا ملكهم بأيديهم.
ولا يفوتنّكم أيّها الإخوة المجاهدون الاهتمام بصلواتكم المفروضة، فما وفد امرؤٌ على الله سبحانه بعمل يكون خيراً من الصلاة، وإنّ الصلاة لهي الأدب الذي يتأدّب به الإنسان مع خالقه والتحية التي يؤديها تجاهه، وهي دعامة الدين ومناط قبول الأعمال، وقد خفّفها الله سبحانه بحسب مقتضيات الخوف والقتال، حتى قد يُكتفى في حال الانشغال في طول الوقت بالقتال بالتكـبيرة عن كلّ ركـعة ولو لم يكن المرءُ مسـتقبلاً للقبلة، كما قال عزّ من قائل: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ).
واستعينوا على أنفسكم بكثرة ذكر الله سبحانه وتلاوة كتابه واذكروا لقاءكم به ومنقلبكم اليه، كما كان عليه أمير المؤمنين(عليه السلام)، وقد ورد أنّه بلغ من محافظته على وِرده أنّه يُبسط له نطعٌ بين الصفّين ليلة الهرير فيصلّي عليه وِرده، والسهام تقع بين يديه وتمرّ على صماخيه يميناً وشمالاً فلا يرتاع لذلك، ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته.
وإيّاكم والتسرّع في مواقع الحذر فتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة، فإنّ أكثر ما يراهن عليه عدوّكم هو استرسالكم في مواقع الحذر بغير تروٍّ واندفاعكم من غير تحوّط ومهنيّة، واهتمّوا بتنظيم صفوفكم والتنسيق بين خطواتكم، ولا تتعجّلوا في خطوة ٍقبل إنضاجها وإحكامها وتوفير أدواتها ومقتضياتها وضمان الثبات عليها والتمسّك بنتائجها، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا)، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ)، وكونوا أشدّاء فوق ما تجدونه من أعدائكم فإنّكم أولى بالحق منهم، (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ)، اللهم إلّا رجاءً مدخولاً وأمانيّ كاذبة وأوهاماً زائفة (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً)، حجبتهم الشبهات بظلمـائها وعميت بصائرهم بأوهامها.
واعلموا أنّكم لا تجدون أنصح من بعضكم لبعض إذا تصافيتم واجتمعتم فيما بينكم بالمعروف، حتى وإن اقتضى الصفح والتجاوز عن بعض الأخطاء بل الخطايا وإن كانت جليلة، فمن ظّن غريباً أنصح له من أهله وعشيرته وأهل بلده ووالاه من دونهم فقد توهّم، ومن جرّب من الأمور ما جُرّبت من قبل أوجبت له الندامة. وليعلم أنّ البادئ بالصفح له من الأجر مع أجر صفحه أجر كلّ ما يتبعه من صفحٍ وخيرٍ وسدادٍ، ولن يضيع ذلك عند الله سبحانه، بل يوفّيه إيّاه عند الحاجة إليه في ظلمات البرزخ وعرصات القيامة. ومن أعان حامياً من حماة المسلمين أو خلفه في أهله وأعانه على أمر عائلته كان له من الأجر مثل أجر من جاهد.
وعلى الجميع أن يدعوا العصبيات الذميمة ويتمسّكوا بمكارم الأخلاق، فإنّ الله جعل الناس أقواماً وشعوباً ليتعارفوا ويتبادلوا المنافع ويكون بعضهم عوناً للبعض الآخر, فلا تغلبنّكم الأفكار الضيقة والأنانيات الشخصيّة، وقد علمتم ما حلّ بكم وبعامّة المسلمين في سائر بلادهم حتّى أصبحت طاقاتهم وقواهم وأموالهم وثرواتهم تُهدر في ضرب بعضهم لبعض، بدلاً من استثمارها في مجال تطوير العلوم واستنماء النعم وصلاح أحوال الناس. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)، أمّا وقد وقعت الفتنة فحاولوا إطفاءها وتجنّبوا إذكاءها (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، واعلموا أنّ الله (إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) إنّ الله على كلّ شيءٍ قدير..
قبل أن أنتهي إخواني كثيرٌ من الإخوة -وهذا كلامٌ الى الإخوة المسؤولين في الدولة- كثيرٌ من الإخوة في الحشد الشعبي، أنتم تُلاحظون الاهتمام الكبير من المرجعية في مصالح البلد، والبلد اليوم يتعرّض الى ما أنتم أعلم به من هذه الهجمات الشرسة من الإرهابيّين، ولولا الجهد الذي اشترك به مَنْ كان عنده هذه الهمّة وهذه الغيرة على البلد، علم الله أين كانت تسير الأمور، لا زالت هناك بعض المعاناة والآن في هذا الجمع إخوةٌ أيضاً من الحشد يشكون من نفس المعاناة التي تردنا يومياً، ألا وهي عدم الاهتمام من قبل الجهات الرسمية بهم سواءً في رواتبهم مستحقّاتهم وإكرام شهدائهم، هذا الموضوع يجب أن يأخذ الاهتمام الأوفى والأوفر من الدولة، حقيقةً لا عذر لأيّ أحدٍ بعدم الاهتمام بهؤلاء الأبطال وهذه السواعد المؤمنة الخيّرة التي تُدافع عن البلد، لا نريد أن نقول (لقد أسمعت لو ناديت...) بل نريد أن نرى أثراً طيباً وواضحاً في نفوس هؤلاء الإخوة نعم هناك جهود لا تُنكر ولكن هذه الجهود كان يُمكن أن تكون أكثر، من أجل هذا البلد ومن أجل هؤلاء الإخوة.. دفع الله عن بلدنا وعن جميع البلدان الإسلامية كلّ سوء وأرانا الله تبارك وتعالى كلّ خير ومتّع الله المسلمين أينما كانوا بحياةٍ طيبةٍ آمنة ودفع اللهُ كيد الكائدين في نحورهم.