المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا: لابُدّ من توفير دعمٍ حكوميّ للطاقات العلمية في البلد، وتنشيط القطاع الخاص، والنهوض بالقطّاع الزراعيّ..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
طالبت المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا بتوفير دعمٍ حكوميّ للطاقات العلمية التي يمتلكها العراق، مشدّدةً على ضرورة تنشيط القطاع الخاص والاهتمام به وتسهيل القوانين في هذا المجال، مؤكّدةً على السعي الجادّ للنهوض بالقطاع الزراعي لما له من مردودات إيجابية كبيرة على البلد.
جاء هذا في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (7جمادي الأولى 1436هـ) الموافق لـ(27شباط 2015م) والتي أقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي، وقد جاء فيها:
"إخوتي الأفاضل أخواتي المؤمنات أعرض على مسامعكم الكريمة ثلاثة أمور:
الأمر الأول: لا يخفى عليكم أيّها الإخوة ما للعراق من طاقاتٍ علمية كبيرة وكثيرة، ولابدّ أن تتوفر البيئة الجيدة والدعمُ الحكوميّ لهذه الطاقات، إذ أنّ الاهتمام بها يعود بالنفع السريع على البلد، وكم من شخصٍ له الطموح المشروع في أن يضيف الى معلوماته معلومات أكثر والى دراسته الجامعية الأولية دراساتٍ عُليا، وقد سعت الدولة للاهتمام بهذا القطاع من خلال توفير فرصٍ لإكمال الدراسة في داخل أو خارج العراق، وهي خطوة جيدة تصبّ في خدمة البلد لكن في الفترة الأخيرة كثرت الشكاوى من أبنائنا الطلبة حول موضوع تخفيض رواتبهم بشكلٍ غير منصف ولا يغطّي حتّى نصف نفقاتهم التي تتطلّبها دراستهم في بعض الدول التي ابتُعِثُوا لها، إنّ أبناءنا الطلبة لهم الحقّ في أن يبنوا البلد من خلال ما يكتسبون من تجارب وعلم وأفكار، والدولة عليها التزامات إزاءهم لابدّ أن تراعيها، لذا نرى ضرورة مراجعة بعض القرارات التي تضعف من موقف الدارسين والمبتعثين بل لابدّ من الاهتمام بهم ورعايتهم رعايةً كاملة، إنّنا نعلم أنّ قرار تخفيض مخصّصات المبتعثين هو العجز في الميزانية ولكن لابدّ لوزارة التعليم مراعاة الأولويات، وتنقيص مخصصات المبتعثين إذا كان يؤدّي الى الإخلال بتكميل دراستهم فهو نقض للغرض الذي أُرسلوا من أجله الى الخارج، فليقدّم هذا على بعض الأمور الأخرى من مصاريف وزارة التعليم التي لا تحظى بهذه الدرجة من الأهمية.
الأمر الثاني: إنّ كثيراً من الإخوة المتخرّجين من جامعاتنا ومعاهدنا أو من أبنائنا المتخرّجين من جامعات أخرى خارج العراق، يعانون من مشكلة التعيينات وعدم وجود فرصةٍ للعمل في قطاع الدولة وهنا نحبّ أن ننوّه الى أمرين:
الأوّل: إنّ مؤسسات الدولة قد تكون عاجزة عن استيعاب هذا الكمّ الكبير من المتخرّجين سنوياً خصوصاً مع ازدياد عدد الجامعات ممّا يؤدّي الى عدم التناسب بين الاحتياج الفعلي ووفرة الأعداد.
الثاني: إنّ الإخوة المتخرّجين قد بذلوا جهداً ومالاً ووقتاً من أجل أن يكملوا الدراسة ويشقّوا طريقهم للعمل، وهو من أبسط حقوقهم، لكنّهم يصطدمون بالعقبة السابقة وهي عقبة عدم وجود فرصةٍ للتعيين، بل قد تضطرّ بعضُ المؤسسات الحكومية بسبب هذه الإشكالية أن تمارس دوراً غير مشروع من قبيل طلب مبالغ معيّنة لغرض التعيين، وهذا له مخاطر جمّة على هذا البلد، إنّ السعي الحثيث لحلّ هذه المشكلة هي مسؤولية أهل القرار، إنّ تنشيط القطاع الخاص والاهتمام به وتسهيل القوانين لممارسته أمرٌ حتميّ أنْ تقوم الدولة بالاهتمام به وتحويل كثيرٍ من الأنشطة عليه له مردودات إيجابية كثيرة، منها ما يسرّع في عملية بناء الدولة ومنها ما يستوعب الأعداد الكبيرة من الخرّيجين والعاطلين عن العمل، ومنها ما يخفّف الثقل عن كاهل الدولة خصوصاً مع هذه الظروف المالية، هناك بعض الصعوبات أمام القطاع الخاص نتيجة بعض القوانين والقرارات التي لا تتماشى مع احتياج البلد له، لابدّ من التفكير بصورة جدية لحلّ مشكلة الإخوة الخرّيجين بل فسح المجال أمام القطاع الخاص وبأنظمة محدّدة لبناء البلد والاستفادة من هذه الطاقات العاطلة فعلاً.
الأمر الثالث: سبق وذكرنا أنّ الاهتمام بالقطاع الزراعي له مردودات إيجابية كبيرة على البلد، وبعكسه له مردودات سلبية كبيرة وخطيرة أيضاً، على الدولة أن تشجّع الفلاح والمزارع على التمسّك بأرضه وزراعتها ودعمه، إنّ الأمن الغذائيّ من الأمور السيادية التي لابدّ أن توضع لها القوانين والأُطر الصحيحة والاهتمام بتنفيذ ذلك على الواقع الزراعي، إنّ من جملة الدعم هو عدم إغراق السوق ببعض المنتجات الأجنبية في وقتٍ قد تكون هذه المنتوجات محلّية ومتوفّرة بكثرة، لابدّ أن يشعر الفلاح بالاطمئنان عندما يزرع أو يفكّر أن يشتري أرضاً لاستصلاحها، إنّ حمايته هي من مسؤولية الدولة، نعم.. قد ذكرت الوزارات المعنية بعض الضوابط من قبيل عدم استيراد بعض المنتجات الزراعية لتوفّرها عندنا، لكنّ هذا لا يكفي لأنّنا لا نرى ذلك واقعياً ما لم تتعاون جميعُ الجهات الحكومية في تنفيذه، فالحدود لا زالت الى هذه اللحظة تُدخل ما موجود وبأسعار تنافسية وزهيدة، وهذا يجعل الفلاح يزهد في أرضه ويبحث عن موردِ رزقٍ آخر، وهو أمرٌ خطير للغاية، بل لابدّ أن يبقى الفلاحُ متمسّكا بأرضه بل لابدّ أن نشجّعه على ذلك -كما أسلفنا- فضلاً عن وجود مشكلة أخرى وهي تأخّر تسليم مستحقّات بعض الإخوة المزارعين وخصوصاً المستحقات المالية، فإنّهم عندما يسوّقون محصولهم الى الدولة فالبعض قد سلّم حاصله منذ أربعة أشهر خصوصاً في محصول الشلب والى الآن لم يستلم أيّ مبلغ، فهل يصحّ ذلك؟؟ نرجو أن تتوفّر للإخوة المزارعين جميع الأجواء المشجّعة لهم.
إخوتي من خلال هذا المنبر نحن نرصد حالاتٍ كثيرة ومعاناةً كثيرة، وهذا الرصد حقيقة يحتاج الى علاج ويحتاج الى حلول، رصد الحالة ليس الغرض هو رصد الحالة وإنّما الغرض إيصالها لمن لا يعلم إن كان لا يعلم، وفي عين الوقت إيجاد الحلول الحقيقية لها، العراق أرض السواد والعراق أرض الزارعة، تربة العراق تربةٌ خاصةٌ للزراعة لابدّ أن نستثمر كلّ الجهود من أجل تحفيز وتنشيط وتقوية الزراعة، ليس من الصحيح تأخير بعض المستحقّات المالية لمزارعٍ لا يزرع إلّا موسماً واحداً ثمّ بعد ذلك نعطيه المال بعد أن استدان أو باع وتأذّى وتألّم ثمّ بعد ذلك نعطيه بطريقةٍ بعد أن يطرق جميع الأبواب وكأنّه يطلب مالاً ليس له، قطعاً هذا ليس من الإنصاف لابدّ أن نشجّعه ونعطيه مالاً، نشجّعه على الزراعة قبل أن يزرع فكيف إذا زرع وأعطى المحصول وينتظر الأيام والساعات ويقع تحت رحمة مسؤولٍ لا يكترث به أصلاً.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا البلد بلداً آمناً دائماً خصوصاً مع المخاطر الأمنية، وهذا البلد فيه من السواعد ومن الرجال الأشدّاء الذين ينازلون ويقاتلون الإرهاب، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يشدّ على أياديهم وأن ينصرهم على الظالمين نصراً عزيزاً، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ) جعل الله كلّ ما يرمون مسدَّداً، سدّدهم الله تعالى الى الرأي الصحيح بالصواب، وأنالهم الله تعالى كلّ خير وأرانا في أعدائنا كلّ ذلّةٍ ومهانةٍ بمحمّدٍ وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين..