المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا تبيّن أنّ التلاحم وتراصّ الصفوف بين مكوّنات الشعب العراقيّ له أهميةٌ في دحر الأعداء، وتؤكّد على ضرورة الاهتمام والاعتماد على الكفاءات العراقية في جميع الاختصاصات..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
بيّنت المرجعيةُ الدينيّةُ العُليا أنّ التلاحم وتراصّ الصفوف بين مكوّنات الشعب العراقيّ العزيز له الأهميّة الكبيرة في دحر الأعداء، ويضفي القوّة والشجاعة والبسالة على المقاتلين ليس في منطقةٍ دون أخرى بل في جميع الأراضي المغتصبة لتطهيرها، مؤكّدةً في الوقت نفسه على ضرورة الاهتمام والاعتماد على الكفاءات العراقية وفي جميع الاختصاصات.
جاء هذا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة (21جمادى الأولى 1436هـ) الموافق لـ(13آذار 2015م) والتي أقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وكانت بإمامة السيد أحمد الصافي، وقد بيّن فيها أمرين:
الأمر الأوّل:
نشكر الله سبحانه وتعالى على هذه الانتصارات، ونشدّ على أيادي أبنائنا في القوّات الأمنية وإخوتنا المتطوّعين وعشائرنا الغيورة الذين يقاتلون الجماعات الإرهابية، وهي صفحةٌ بيضاء تُضاف الى السجلّ المشرّف الذي يتمتّع به أبناء هذا البلد، ونودّ أن نشير الى مجموعة أمور:
أ- إنّ التلاحم وتراصّ الصفوف بين مكوّنات الشعب العراقي العزيز له الأهميّة الكبيرة في دحر الأعداء، ويضفي القوّة والشجاعة والبسالة على المقاتلين ليس في منطقةٍ دون أخرى بل في جميع الأراضي المغتصبة لتطهيرها، إنّ العدوّ يستهدف جهات الضعف فينا ويتسلّل من خلالها لتفتيت وحدتنا وقوّتنا، إنّ هذا التماسك لابُدّ أن يبقى ويزداد حتى لا ندع أيّ فرصةٍ ثانية للعدوّ.
ب- إنّ الجيش العراقي والإخوة المتطوّعين إنّما يدافعون عن بلدهم العزيز، هذا البلد الحضاريّ بل الذي تجذّرت فيه مجموعةُ حضارات، هذا البلد الذي سيكون كما كان منيعاً عن أيّ محاولة لتغيير هويّته وتبديل تراثه وتزييف تاريخه، إنّ أبناءه البررة على طول التاريخ تحمّلوا ما تحمّلوا من أجل أن يبقى عزيزاً شامخاً مستقلّاً سيّدَ نفسه، لقد أُريقت ولا تزال على هذه الأرض الطاهرة دماءٌ زكيةٌ وغاليةٌ علينا جميعاً، دفاعاً عن كرامتنا وعزّتنا ومقدّساتنا وهويّتنا الثقافية التي نعتزّ بها ولا نرضى بها بدلاً، إنّ أبناءنا الأبطال في جبهات القتال -سدّدهم الله تعالى- يخوضون اليوم معركةً مصيريةً وغايةً في الأهمية في الدفاع عن العراق في حاضره ومستقبله، ويسطّرون تاريخ حقبةٍ مهمةٍ بدمائهم الطاهرة وهي أعزّ وأعظم ما لديهم لبذله في سبيل هذا الوطن، إنّنا نعتزّ بوطننا وبهويّتنا وباستقلالنا وسيادتنا وإذا كنّا نرحّب بأيّ مساعدةٍ تقدّم لنا اليوم من إخواننا وأصدقائنا في محاربة الإرهابيّين ونشكرهم عليها، فإنّ ذلك لا يعني في حالٍ من الأحوال بأنّه يمكن أن نغضّ الطرف عن هويّتنا واستقلالنا، ولا يمكن أن نكون جزءً من أيّ تصوّراتٍ خاطئة في أذهان بعض المسؤولين هنا أو هناك، إنّنا نكتب تاريخنا بدماء شهدائنا وجرحانا في المعارك التي نخوضها اليوم ضدّ الإرهابيّين وقد امتزجت دماءُ مكوّنات الشعب العراقي بجميع طوائفهم وقوميّاتهم، وأودّ أن أؤكّد مرةً أخرى على ضرورة حفظ هذا التاريخ الناصع من خلال التوثيق لكلّ جزئيات الأحداث خوفاً من التضييع أو التبديل، إذ من حقّ الأجيال القادمة أن تطّلع على تاريخنا وأن تقرأه واضحاً وصادقاً كما قرأنا نحن تاريخ أسلافنا.
ج- إنّ هذه الانتصارات والبطولات للدفاع عن بلدنا تحتّم على الدولة أن تزيد الاهتمام والرعاية لجميع الإخوة المقاتلين وتبذل قصارى جهدها من أجل رفع مستوى الأداء، والحفاظ على المكتسبات التي تحصل من خلال قنواتها ومؤسّساتها، إذ لا زالت هناك حالاتٌ ليست بالقليلة في تأخّر مستحقّات الإخوة المقاتلين بأعذارٍ ليست مقبولة، على الدولة أن توجّه عنايتها للذين يحافظون على البلد بدمائهم وتوصل حقوقهم لهم كاملة، وتهتمّ بعوائل الشهداء الذين فقدوا أعزّتهم وأبناءهم، إنّ الأمّة التي تُعطي شهداءً هي أُمّةٌ سخية والأمّة التي تهتمّ بشهدائها هي أمّةٌ أكثر سخاءً، إنّ الشهيد فتح طريق الحرية وعلى الأحرار أن يثمّنوا ذلك، على الدولة الموقرة أن تسدّ احتياجات أبنائها، ولا نغفل –إخوتي- هنا أن نشكر جميع الأجهزة الأمنية والإخوة المتطوّعين وكذلك الإعلام الحرّ النزيه الذي رافق كثيراً من جزئيات المعارك ونقلها بصورةٍ موضوعية.
الأمر الثاني:
لقد ذكرنا في أكثر من مناسبةٍ ضرورة الاهتمام والاعتماد على الكفاءات العراقية وفي جميع الاختصاصات، وفي نفس الوقت سعى كثيرٌ من الإخوة أصحاب الكفاءات الى المساهمة في بناء بلدهم خصوصاً الإخوة الذين حملوا شهاداتٍ عُليا من دولٍ متقدّمة في مجالهم، وقدم كثيرٌ منهم الى بلدهم لخدمته لكن واجهوا بعض المشاكل الحقيقية في مسألةٍ مهمة هي مسألة معادلة الشهادة، إنّنا في الوقت الذي نركّز على علمية الأشياء وضبط المعارف العلمية والتأكيد من الوثائق الدراسية والدرجات العلمية، لكنّنا نودّ أن نوضّح التالي:
إنّ بعض الإجراءات الإدارية تكون إجراءات معقّدة وروتينية بعيدة عن الواقع، وبالتالي تكون منفّرة ومبعدة لهذه الاختصاصات أن تعود لبلدها، بل هي سياقات غير مناسبة مع دعوى وجذب هذه الكفاءات، فضلاً عن قدم هذه التعليمات بالإضافة الى تعقيد إجراءات تنفيذها، إنّ خسارة البلد لأبنائه بسبب هذه الإجراءات هي مسألة خطيرة ولا ندري من المسؤول عنها، والغريب في الأمر أنّ بعض الوزارات تستضيف هؤلاء الإخوة أصحاب الكفاءات كالأطبّاء مثلاً وتستفيد منهم لإلقاء بحوث عالية أو استشاراتٍ معيّنة، لكنّها لا تسمح لهم بمزاولة المهنة لعدم معادلة الشهادة، فهل يُعقل هذا؟؟ إنّنا ندعو الجهات المختصّة بذلك أن لا تعيد النظر بالتعليمات فحسب بل لابُدّ أن تسعى جاهدةً لجذبهم وتسهيل ذلك وتوفير كلّ الإمكانات لهم من أجل أن يبنوا بلدهم مع إخوتهم ويعزّزوا التنمية في بلادنا التي ما أحوجنا اليوم إليها..
وفّق الله الجميع لما يُحبّ ويرضى وأرانا في هذا البلد كلّ أمنٍ وأمان وهمّةٍ واستقرار، وأرجع الله تعالى كلّ من يرغب في بناء هذا البلد الى أحضانه، دفع الله عنّا وعن جميع المسلمين شرور الدواعش، ولا جعل الله لهم بقية في الأرض.. اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وتحنّن على فقرائنا وفقراء المؤمنين بالرحمة والسعة والعافية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.