المرجعيةُ الدينيةُ العُليا تجدّد تأكيدها على ضرورة أن لا تمسّ المساعداتُ الخارجيةُ سيادة العراق، داعيةً القوى السياسية الى الابتعاد عن المصالح الشخصية وفقدان الثقة فيما بينها وبذل أقصى الجهود للاتّفاق على رؤيةٍ موحّدةٍ لتخليص المناطق التي تسيطر عليها عصابات داعش..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
جدّدت المرجعيةُ الدينيةُ العُليا تأكيدها على ضرورة أن لا تمسّ المساعداتُ الخارجيةُ التي تُقَدّم للعراقيّين سيادةَ العراق ووحدةَ شعبه وأراضيه، ومنها القرارُ الأمريكيّ الأخير الذي سمح بتقديم المساعدات العسكرية الى بعض مناطق العراق دون الرجوع الى الحكومة العراقية، مطالبةً القوى السياسية أن يكون لها موقفٌ واضحٌ في رفض هذا الأسلوب، كما دعتها في الوقت نفسه الى بذل أقصى الجهود قبل فوات الأوان للاتّفاق على رؤيةٍ موحّدةٍ لتخليص المناطق التي يسيطر عليها داعش والابتعاد عن المصالح الشخصية وفقدان الثقة بينهم، الذي يمهّد ويحقّق الأرضية المناسبة للتدخّلات الخارجية التي تعرّض البلد لمخاطر التقسيم.
جاء ذلك في الخطبة الثانية من صلاة يوم الجمعة (12رجب 1436هـ) الموافق لـ(1آيار 2015م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف والتي كانت بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ، حيث جاء فيها:
"أيّها الإخوة والأخوات أودّ أن أبيّن لكم الأمور الثلاثة الآتية:
الأمر الأوّل:
لقد تمّ التأكيد أكثر من مرّة على أنّ المساعدات الخارجية التي تُقَدّم الى العراقيّين في حربهم ضدّ الإرهاب وسعيهم لتخليص أراضيهم من عصابات داعش يجب أن لا تمسّ في حالٍ من الأحوال سيادةَ العراق ووحدةَ شعبه وأرضه، ومن هنا فإنّه لا يمكن القبولُ بالقرار الأخير الذي صوّت عليه مجلسُ النواب الأميركي والذي يسمح بتقديم المساعدات العسكرية الى بعض المناطق في العراق من غير طريق الحكومة العراقية المنتخبة، ويفترض بالقوى السياسية العراقية أن يكون لها موقفٌ واضحٌ في رفض هذا الأسلوب في التعامل مع الشعب العراقيّ وعليها في الوقت نفسه بذل أقصى الجهود في سبيل الاتّفاق على رؤيةٍ موحّدةٍ لتخليص المناطق التي يسيطر عليها داعش بأوسع مشاركة من أبناء تلك المناطق، إنّ الاختلاف والتشرذم وتجاذب المصالح الشخصية والفئوية بين الأطراف العراقية وفقدان الثقة بينهم هو الذي يمهّد الطريق ويحقّق الأرضية المناسبة للتدخّلات الخارجية التي تُعرّض البلد لمخاطر التقسيم والتجزئة، فالمطلوب من كلّ السياسيّين المخلصين من أبناء هذا البلد أن يتنبّهوا لذلك ويعملوا بجدٍّ وقبل فوات الأوان على ما يضمن مصالح جميع العراقيّين وفقاً للدستور ويحقّق الأمن والاستقرار لهم جميعاً، كما أنّ المطلوب من الأطراف المساندة للجيش في محاربة الإرهاب من المتطوّعين وأبناء العشائر بمختلف عناوينهم الأخذ بنظر الاعتبار ما تُمليه المصالحُ العراقية العُليا فحسب دونما تقتضيه مصالحُ بعض الجهات والدول الساندة التي ربّما تتقاطع مصالحها مع ما تقتضيه مصالحُ العراق والعراقيّين، ومن هنا فإنّ المطلوب تحقيق أعلى درجات التنسيق مع القيادة العامة للقوّات المسلّحة في سير العمليات العسكرية حفاظاً على وحدة الصف وقوّة الجهد القتالي بعيداً عن الاختلاف المؤدّي الى إضعاف الجميع، وفي نفس الوقت فالمأمول من القيادة العامة للقوّات المسلّحة أن تعمل على جمع الأطراف كلّها تحت مظلّة المصلحة المشتركة لجميع العراقيّين تحقيقاً للهدف الأهمّ وهو تخليص البلد من الإرهاب الداعشيّ.
الأمر الثاني:
إنّ الحفاظ على الانتصارات العسكرية وإدامة زخم الاندفاع المعنويّ للمقاتلين وإسناده برصيدٍ متجدّد من التعبئة النفسية لعموم المواطنين، يقتضي التفات وتنبّه الأجهزة الأمنية والإعلامية الى خطورة أساليب التضليل الإعلاميّ والحرب النفسية التي تعتمدها عصاباتُ داعش، خصوصاً ما يتعلّق بالتركيز على عنصر إدخال الرعب والخوف في قلوب المقاتلين والمواطنين من خلال نشر بعض الأكاذيب ومشاهد القتل الوحشية ونحو ذلك، ولابُدّ من اتّباع منهجٍ مهنيّ لمواجهة هذه الأساليب ومن ذلك مواكبة الأحداث الأمنية بحسب وقائعها ساعةً بساعة، ومتابعة ما ينشره إعلامُ داعش ومناصريه والسرعة بمقابلته بنقلِ الحقيقةِ من مواقعها عبر التواصل مع المقاتلين وأمرائهم، ومن الضروريّ لاسيّما للسياسيّين والمحلّلين الذين يظهرون في وسائل الإعلام عدم الركون الى ما ينشره إعلامُ العدوّ بل التريّث والتثبّت من خلال الرجوع الى المصادر المختصّة لمعرفة الحقيقة والعمل على نشرها وتوضيحها للمواطنين والرأي العام، والمأمول من وسائل الإعلام جميعاً اعتمادُ الأساليب المهنيّة لملاحقة الاحداث ومتابعتها وتحليلها بما يحفظ الرصيد المعنويّ للمواطنين والمقاتلين جميعاً.
الأمر الثالث:
إنّ التعاملَ مع الأحداث بواقعيةٍ ونقلَ الحقائق من قبل القوّات المسلّحة في مواقع القتال الى مصادر القرار في القيادة العامّة ومواكبةَ ما يجري على الأرض من تطوّراتٍ عسكرية والابتعادَ عن إخفاء الحقائق خوفاً من الاتّهام بالتقصير أو الفشل عواملُ أساسية في معالجة أيّ خرقٍ أو إخفاق أمنيّ، كما أنّ التواصلَ مع القيادات الميدانية وإن كانت ضمن تشكيلاتٍ عسكرية صغيرة والتعاملَ بروح الأبوّة والأخوّة مع عناصر القوّات المسلّحة أو المتطوّعين المُشاركين في القتال عاملٌ مهمّ في تدارك أيّ إخفاقٍ أو خسارةٍ تحصل في مواقع القتال المختلفة، ونؤكّد مرّةً أخرى على أهمّية رعاية المسؤولين السياسيّين والعسكريّين لعوائل الشهداء الذين يفقدون أحبّةً وأعزّةً لهم خصوصاً كبار الضبّاط من الشهداء الذين أظهروا درجاتٍ عاليةً من الإيثار والتضحية والشجاعة في ميادين القتال، ولابُدّ من بذل اهتمامٍ أكبر بعلاج الجرحى من المقاتلين وإن تطلّب ذلك إرسالُهُم الى خارج العراق، مع تأكيدنا مجدّداً على اهتمام دوائر الدولة المعنيّة بإنجاز معاملات الشهداء وعوائلهم وإبعادها عن الروتين والتعقيد المستلزم لتحميل عوائل الشهداء المزيد من الألم والمعاناة.
نسأل الله تعالى أن ينصر قوّاتنا ومجاهدينا ومتطوّعينا وأن يمنّ على بلدنا بالأمن والاستقرار والوحدة والاتّفاق على رؤيةٍ موحّدةٍ بما يضمن مصالح العراق والعراقيّين جميعاً إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمد وآله الطاهرين".