المرجعية الدينيّة العُليا تُطالب الحكومة العراقية باتّباع سياسة الحزم والمحاسبة الشديدة للعناصر الإرهابية وتدعو لتوفير الأجهزة والمعدّات الكافية لاكتشاف السيارات المفخّخة..
أستمع للخطبة
شاهد الخطبة
نص الخطبة
طالبت المرجعيةُ الدينيةُ العُليا الحكومةَ العراقية الى اتّباع سياسة الحزم والمحاسبة الشديدة للعناصر التي يثبت تورّطها في الأعمال الإرهابية، كونها قد تساهلت في أداء واجباتها فمكّنت العصابات من القيام بهذه الخروقات الأمنية داعيةً في الوقت ذاته الى توفير الأجهزة والمعدّات الكافية والمتطوّرة لاكتشاف السيارات المفخّخة، كما أشادت المرجعيةُ الدينية بقرار مجلس الوزراء بتخفيض مخصّصات الرئاسات الثلاث والوزراء والنواب وموظفي الدرجات الخاصة عادّةً ذلك خطوةً في الاتّجاه الصحيح.
جاء ذلك أثناء الخطبة الثانية من صلاة الجمعة (7شوال 1436هـ) الموافق لـ(24تموز 2015م) التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف وكانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ، وجاء فيها:
أيّها الإخوة والأخوات أودّ أن أبيّن الأمور التالية:
الأمر الأوّل:
في الوقت الذي تحقّق فيه قواتنا المسلّحة البطلة والمتطوّعون وأبناء العشائر الغيارى المزيد من الانتصارات في مختلف المناطق وتحرّر المزيد من الأراضي من دنس عصابات داعش وتوقع في صفوفهم المزيد من الخسائر، تحاول هذه العصابات أن تشبع غريزتها الإجرامية وتعوّض عن شعورها بالهزيمة بالانتقام الطائفيّ من المواطنين الأبرياء صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً من خلال تفجير المحلّات والأسواق المكتظّة بالناس، كما حصل خلال الأيام الماضية في خان بني سعد في محافظة ديالى وفي العاصمة بغداد والذي خلّف المئات من الشهداء والجرحى، وفي أوقاتٍ يُفترض أن يعيش هؤلاء الضحايا فرحة عيد الفطر وإذا بهذه العصابات تحوّله الى مناسبة حزنٍ ومصابٍ وبكاء، إنّنا في الوقت الذي نعزّي ونواسي فيه عوائل الشهداء تغمّدهم الله تعالى برحمته الواسعة ونتضامن مع الجرحى منّ الله عليهم بالشفاء العاجل نخاطب الجهات الأمنية المسؤولة فنقول: إنّه ليس من المنطقيّ والمعقول ولا من المقبول أبداً لا شرعاً ولا أخلاقاً أن نجد أنّ المقاتلين الأبطال من القوّات المسلّحة والمتطوّعين يقدّمون أرواحهم قرابين فداءً للعراق في سبيل تحرير أراضيه وحفظ مقدّساته من دنس داعش، وقد تركوا أحبّتهم وأهاليهم وأبناء مدنهم في حماية قوّات الأمن ثم يُصبح هؤلاء طعماً سهلاً للإرهابيّين تفترسهم سياراتُ الموت والقتل والحرب والدمار الداعشية نتيجةً لخيانةٍ أو إهمالٍ أو تسامحٍ أو قلّة إمكانات أو نحو ذلك، إنّ الحكومة مدعوّةٌ بقوّة الى اتّباع سياسة الحزم والمحاسبة الشديدة للعناصر التي يثبت تورّطها في هذه الأعمال الإجرامية أو كونها قد تماهلت وتساهلت في أداء واجباتها فمكّنت العصابات الإرهابية من هذه الخروقات الأمنية، وعليها عدم الاكتفاء بإجراءاتٍ لا تردع المقصّرين بل طالما أشعرتهم بالأمن من تبعات تقصيرهم ممّا جرّأهم على المزيد من التساهل بأرواح المواطنين، كما أنّ الحكومة مدعوّةٌ الى توفير الأجهزة والمعدّات الكافية والمتطوّرة لاكتشاف السيارات المفخّخة واعتماد التدريب الكافي والمتطوّر لتنمية قابليات وقدرات الأجهزة الأمنية لاكتشاف الحالات الخفيّة من التفخيخ وتشخيص العناصر الإرهابية، وعليها أيضاً تفعيل الجانب الاستخباري في المناطق التي تكثر فيها الخلايا النائمة لعصابات داعش وتزويد أجهزة الاستخبارات بما تطلبه من وسائل متطوّرة للكشف عن اتّصالات الإرهابيّين وتحرّكاتهم.
الأمر الثاني:
إنّ قرار مجلس الوزراء بتخفيض مخصّصات الرئاسات الثلاث والوزراء والنوّاب وموظفي الدرجات الخاصة يعدّ خطوةً في الاتّجاه الصحيح إذا اكتسب الصيغة الإلزامية من خلال تشريعه والموافقة عليه في مجلس النواب، حتى لا يكون مجرّد حبرٍ على ورق وقراراً غير ملزمٍ يشغل الناس ووسائل الإعلام بعض الوقت ثمّ لا يجد طريقه الى التنفيذ كما حصل سابقاً مع عددٍ من القرارات المماثلة، وينبغي أن يتكامل هذا القرار بقراراتٍ أخرى تحقّق العدالة الاجتماعية للمواطنين ومن ذلك تقليل الفرق بين الرواتب حيث أنّها غير متوازنة وقد منحت الرفاهية والتنعّم لطبقاتٍ من الموظفين على حساب الأكثرية المحرومة المظلومة، كما أنّه هناك حاجة الى النظر في العديد من النفقات الحكومية التي لا تُعدّ ضرورية ويمكن الاستغناء عنها ولاسيّما أنّ البلد يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة تتطلّب التدقيق في صرف موارده المالية.
الأمر الثالث:
إنّ الأزمة المالية التي يمرّ بها العراق وما تتطلّبه المعركة مع داعش من صرفياتٍ مالية متصاعدة مع ما يُلاحظ من اعتماد البلد على موارد النفط كدخلٍ أساسيّ يحتّم اتّخاذ إجراءاتٍ فاعلة تُعالج الأسباب الحقيقية لاستنزاف الموارد المالية الهائلة للبلد مع عدم وجود تطوّر اقتصاديّ وتنمويّ يتناسب مع مجموع المدخولات المالية، ومن الاجراءات المطلوبة التي تكرّر الحديث بشأنها هو مكافحة الفساد الماليّ الذي استشرى بصورةٍ لم يسبق لها مثيل وفي أغلب مؤسسات الدولة خصوصاً المهمّة منها وعلى الرغم من أنّ الكثير من المختصّين والمسؤولين قد أشاروا الى دور الفساد الماليّ والإداري فيما وصلت اليه الأمور في البلد، وإنّ أحد أسباب سقوط عددٍ من المدن المهمّة تحت سطوة عصابات داعش هو الفسادُ الماليّ وعدم المهنية الذي عمّ عدداً من المؤسسات الأمنية وغيرها، والذي يدفع ثمنه الباهض في الوقت الحاضر خيرةُ شباب العراق ورجاله مع تأخّر كبير في مجالات التنمية والخدمات، فإنّ ذلك لم يكن كافياً لأن يصحو ضميرُ البعض ويستيقظ على وقع ما حلّ بالعراق وشعبه من الكوارث والفجائع، إذ ما تزال الوقائع على الأرض تحكي الكثير من حالات الفساد الكبيرة وفي مواقع مهمّة في الأجهزة الحكومية التي تتطلّب معالجتها وقفةً شجاعةً وجريئةً ووطنية تعبّر عن شعور المسؤولين بالخطر العظيم والمستقبل المجهول للبلد إن لم يعالج هذا الملف، لذلك نهيب بالجميع ممّن هم في مواقع المسؤولية خصوصاً قادة الكتل وكبار المسؤولين في السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية أن يستحضروا في أنفسهم حجم المسؤولية الشرعية أمام الله تعالى والمسؤولية الوطنية أمام شعبهم ليبدأوا مرحلة العلاج الحقيقيّ والجادّ لهذا الداء العضال، ونقولها بصراحة: إن لم يبدأ القادة بمكاتبهم وبمن يرتبط بهم ويُحسب عليهم في هذه الإجراءات فلا أملاً قريباً يُرتجى في علاج ذلك ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.