كفوف العطاء
لواء أنصار المرجعية: علم العراق هو شموخ وكرامة اللواء (الجزء الثاني)
2025/01/26

التهيؤ للمعركة التالية
بعد العودة من بغداد نتيجة منع صعودهم إلى سامراء، شهد يوم 17 حزيران 2014 تجمُّع مقاتلي لواء أنصار المرجعية في ملعب الرميثة الداخلي. هناك، بدأت التحضيرات الدقيقة، حيث تم توزيع الأفراد على السرايا، وتحديد أمراء السرايا، وتقسيم الواجبات والمهام.

الفتوى المقدسة كانت الحاضرة الأولى
إذ تلا القادة نصوصها بكل تفاصيلها، مشددين على أهمية الالتزام بالأوامر العسكرية، الحفاظ على المال العام والخاص، وكيفية التعامل مع المواطنين في المناطق المحررة. لم يكن هذا مجرد توجيه عسكري، بل كان تأسيساً لقيم إنسانية وأخلاقية تعكس رؤية المرجعية الدينية لدور المقاتلين.
وفي عصر ذلك اليوم، تلقى اللواء تعليمات جديدة تفيد بتغيير وجهته من سامراء إلى مناطق حزام بغداد، وبالأخص أطراف الفلوجة مثل منطقة الزيدان. ورغم صعوبة المهمة، استقبلها المقاتلون بصيحات التكبير والصلاة على النبي وآل بيته، مؤكدين إصرارهم على التضحية من أجل الدين والوطن.

الانطلاقة الثانية: تجديد عهد البطولة
صباح يوم 18 حزيران 2014، تحرّك أبناء لواء أنصار المرجعية على متن عجلات مؤجرة نحو بغداد. خلال الطريق، كان الهدوء والرهبة يغمران الأجواء، مصحوبَين بالأدعية والصلوات، ما يعكس تداخل الروحانية مع الاستعداد للمواجهة.
عند وصولهم إلى منطقة "الرفوش"، كان في استقبالهم مجموعة من الجيش العراقي، حيث عمّت الفرحة أجواء اللقاء. الجنود المرابطون، الذين عانوا من الضغط والهجمات المستمرة، رأوا في وصول لواء أنصار المرجعية دعماً نفسياً وميدانياً كبيراً. كان اللقاء فرصة لتبادل الخبرات، وتوحيد الصفوف في مواجهة خطر داعش.

ميدان العزة: العناز بوابة بغداد
تم تحديد منطقة العناز، الواقعة في أطراف الزيدان، لتكون أولى مهام اللواء. وصلت القوة ليلاً وسط أجواء مشحونة بالحذر والتوتر، إذ كانت المنطقة معقلاً رئيسياً لتنظيم داعش الإرهابي.
كانت العناز منطقة استراتيجية شديدة الخطورة، تطل على نهر الثرثار ونهر الفرات، وتمثل البوابة الجنوبية الغربية لبغداد. أصبحت هذه المنطقة قاعدة انطلاق لعصابات داعش، التي حوّلتها إلى مسرح للعمليات الإرهابية. إضافةً إلى ذلك، كان التنظيم يستغل تضاريس المنطقة الوعرة، المليئة بالبساتين والقنوات المائية الصغيرة (الأنهر والبزول)، لنصب الكمائن واستهداف القوات العراقية.
عند وصولهم، استقر المقاتلون في مواقع الجيش السابقة، وحوّلوا المنازل والمحلات التجارية المهجورة إلى مراكز دفاع متقدمة. كان أول ما واجههم هو آثار الدمار، التي تركتها عصابات داعش، بما في ذلك المباني المفخخة والعبوات الناسفة المزروعة في الطرقات.

المواجهات الأولى والتمركز في العناز
بدأت المواجهات سريعاً عند أطراف سوق العناز، الذي كان يُعد خط الصد الأول مع داعش. اتخذت السرايا مواقعها الدفاعية، وبدأت عمليات تعزيز التحصينات، رغم ضعف الإمكانات.
واجه اللواء تحديات كبيرة، منها نقص الذخيرة والأسلحة الثقيلة، إلا أن الروح المعنوية العالية للمقاتلين عوّضت هذا النقص. كانوا يرددون شعار قائدهم: "لا رجعة من هنا، إما نصر أو شهادة". ومع مرور الأيام، استطاع المقاتلون صد العديد من الهجمات الإرهابية، ما أعطى زخماً كبيراً للعمليات العسكرية في المنطقة.

التنسيق مع القوات العراقية والعشائر
كان التنسيق بين اللواء والقوات العراقية، بالإضافة إلى تعاون عشائر المنطقة، عاملاً مهماً في تحقيق الاستقرار المبدئي. عشائر زوبع، التي تسكن المنطقة، قدّمت دعماً لوجستياً ومعلوماتياً ساهم في كشف مخابئ التنظيم وخططه الهجومية.

وعلى الرغم من هذه التحديات، أصبح لواء أنصار المرجعية ركيزة أساسية للدفاع عن بغداد من هذا المحور. كانت العناز تُعرف بأنها "بوابة بغداد"، وسقوطها يعني فتح الطريق أمام الجماعات الإرهابية نحو العاصمة.

الروح المعنوية: الشعر كوقود للمعركة
لم تكن المعركة ميداناً للسلاح فقط، بل كانت أيضاً ساحة لإذكاء الروح المعنوية عبر الكلمات. أنشد الشاعر علي صاحب الأعاجيبي أمام المقاتلين:

"داعش لا تزامط، أحنه ولد حجيم...
أحنه الهوسينه، فوك ظهر الغيم...
بالعشرين جدك شاف منه الضيم...
ها انشد والغيري إيكلك، ياهم كسرو خشم الطوب."
كانت هذه الكلمات، إلى جانب التكبير والدعاء، كفيلة بتعزيز الإصرار في نفوس المقاتلين، وجعلتهم أكثر استعداداً لمواجهة العدو.
إرث الأبطال ودروس المواجهة
لواء أنصار المرجعية، بمقاتليه الذين يمثلون أبناء ثورة العشرين، أثبتوا أن التضحية والولاء للوطن يمكن أن يهزما أقوى التحديات. لم يكن دورهم مجرد دور عسكري؛ بل كان تجسيداً لروح الفتوى المقدسة في الدفاع عن القيم الإنسانية والوطنية.
لقد تركت تجربتهم في العناز بصمة خالدة في سجل الشجاعة العراقية، وأكدت أن النصر يُبنى بالإيمان والإرادة قبل السلاح.