توثيق زيارة لجنة رعاية لعوائل الشهداء في بغداد.. وجوه الصبر.. وأصوات المجد
2025/05/12
في مشهدٍ مشبعٍ بالوفاء، ومحمّلٍ بعبق التضحيات، شهدت العاصمة بغداد واحدةً من الزيارات الميدانية المؤثرة، حين انطلقت لجنة من مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية، وبتوجيه من السيد المرجع الأعلى (دام ظله الوارف)، لزيارة (20) عائلة من عوائل الشهداء السعداء الذين قدّموا دماءهم فداءً للدين والوطن والشعب، وذلك في مناطق الدورة، أبو دشير، ومدينة الشعب.
رسالة مواساة ووفاء
حملت اللجنة بين أيديها سلام المرجعية العليا، ودعاءها، ومواساتها لهذه العوائل الصابرة المحتسبة، والتي قدّمت فلذات أكبادها في الدفاع عن الأرض والعِرض والمقدسات. لم تكن الزيارة بروتوكولية، بل غاصت في تفاصيل الحياة اليومية لتلك العوائل، لتقف على شؤونهم الحياتية، واحتياجاتهم الصحية والمعيشية، وتقدّم ما تستطيع من دعم ورعاية، سعيًا لإدامة الحبل الواصل بين المرجعية والمضحّين.
دم الشهداء لا يُنسى.. وهامات الفخر لا تنحني
في كل بيت قصة، وفي كل صورة شهيد رواية خالدة لا تنتهي. بين جدران هذه البيوت تنطق الذكريات، وتروي الأمهات والآباء والأبناء أساطير واقعية خطّها الشهداء بالدم الزكي.
الشهيد حيدر هاشم فرحان السراي: العودة التي لم تكن بنداء أحد
يروي والد الشهيد السعيد حيدر السراي تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل استشهاد ولده، قائلاً:
"كان حيدر قد خرج بإجازة من الجبهة، ولم تمضِ على وجوده في البيت سوى يومين. فجأة قال لي: (أبي، رفاقي اتصلوا بي، عليّ أن أعود). ودّعنا على عجل وعاد إلى الميدان، ليُزف شهيدًا بعد ساعات. وبعد استشهاده، عرفنا الحقيقة: لم يتصل به أحد، بل هو حين سمع أن هناك تعرضًا على قاطع العمليات، قرر من تلقاء نفسه أن يلتحق. هكذا كان، لا ينتظر نداءً ولا أمراً، يكفيه أن يعلم أن هناك خطرًا، ليكون في قلبه."
حيدر، ابن العراق، لم يكن مجرد جنديٍ في ساحة القتال، بل كان رمزًا للإرادة الحرة، والروح التي تنبض بالحميّة، والساعي بنفسه إلى نيل الشهادة، وقد نالها وهو يبتسم لوطنٍ لا يموت.
الشهيد الأستاذ جاسم الكعبي: مجاهد في الميدان ومعلّم في الحياة
أما الشهيد جاسم داود محسن الكعبي، فهو وجهٌ آخر للبطولة التي جمعت العلم والجهاد. كان أستاذًا لمادة الفيزياء، محبوبًا بين طلابه، حيث اعتاد أن يقدّم الدروس المجانية لأبناء منطقته، واضعًا مسؤولية العلم على عاتقه كرسالة.
عندما أصدرت المرجعية الدينية فتوى الدفاع المقدس، لم يتردّد، بل لبّى النداء كأول المُجيبين. ترك القلم، وحمل البندقية، وذهب ليقاتل دفاعًا عن أرضه، فكان استشهاده ترجمةً حيّة لشعار: "الجهاد بالعلم والسلاح معًا".
الشهيد القاسم الجديد.. فتى في السابعة عشرة يُقاتل الكبار
من القصص التي لا تنسى، قصة الشهيد الشاب البطل الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره، لكنه امتلك قلبًا لا يتّسع إلا للشهادة، واستلهم من موقف القاسم بن الحسن (عليه السلام) درب الفداء.
"كان يصرّ على الذهاب إلى ساحات القتال، يقول: (لن أكون أقل من القاسم يوم الطف).. قاتل بشجاعة جعلت القادة يتعجّبون من إقدامه. كان يتقدم الصفوف، حتى نال الشهادة بشرفٍ يعجز اللسان عن وصفه."
شهادته كانت صوتًا جديدًا يُثبت أن البطولة لا ترتبط بالعمر، بل بالإيمان والعزيمة وحب الحسين (عليه السلام).
رسالة من القلب: من المرجعية إلى أبناء الشهداء
لم تكن الزيارة مجرّد جولة ميدانية، بل كانت عهدًا بالتواصل والرعاية والاهتمام، ونقلًا مباشرًا لمشاعر السيد المرجع الأعلى (دام ظله) تجاه هذه العوائل، حيث أكّدت اللجنة أن السيد المرجع يتابع أوضاعهم، ويدعو لهم، ويعتبرهم أمانةً في عنق المجتمع العراقي.
كما جرى توثيق هذه القصص البطولية لتُحفظ في ذاكرة الأجيال القادمة، وتكون شاهدة على ملحمة الدفاع المقدّس التي خاضها العراقيون بقلوبهم قبل أسلحتهم، وبدمائهم قبل كلماتهم.
العين على المستقبل.. والرعاية مستمرة
أكّدت مؤسسة العين للرعاية الاجتماعية أن عملها لا يتوقف عند الزيارات، بل يستمر عبر برامج الرعاية الصحية، والتعليمية، والنفسية، وتوفير فرص الحياة الكريمة لعوائل الشهداء، لأنهم قدموا أغلى ما لديهم، ومن حقهم أن يُكرّموا في كل لحظة.
وفي ختام الزيارة، حملت اللجنة دعاءً صامتًا في قلوبها، أن يُسكن الله الشهداء فسيح جنانه، وأن يمدّ أهلهم بالصبر والثبات، وأن تبقى هذه الدماء الطاهرة منارات يهتدي بها الوطن في درب البناء والكرامة.