الاخبار
في مثل هذا اليوم.. تحرير الفلوجة بوهج الفتوى
2025/06/26
في لحظةٍ من لحظات التاريخ الفاصلة، امتزج فيها النداء السماوي بالإرادة الأرضية، صدحت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بنداء الدفاع الكفائي في صيف 2014، لتُدوِّي كلماتها في أعماق الجنوب العراقي وأوساط الفرات الأوسط كجرس إنذار ونبض حياة، فهبّ أبناء العراق، من الأهوار إلى السهول، من الحسينيات والجوامع إلى الخنادق، يحملون العقيدة والبندقية، ماضين لتحرير الأرض وصون العرض من دنس الإرهاب التكفيري.
لم تكن فتوى الدفاع الكفائي مجرد موقف شرعي أو توصية دينية؛ بل كانت زلزالًا أخلاقيًا ومفصلاً وطنيًا رسم خارطة جديدة للمقاومة، حين قرر الرجال أن يكونوا سور الوطن وحماة القيم، ومع كل يومٍ من تلك السنوات، كتب العراق فصلاً جديدًا من فصول البطولة، وكان للفلوجة، المدينة التي طالما استُغل منبرها لبثّ الفتنة والتكفير والطائفية، موعد مع التحرير والانعتاق.

الفلوجة.. من منبرٍ للفتنة إلى بوابة للنصر
الفلوجة، تلك المدينة الواقعة على ضفاف الفرات غرب العاصمة بغداد، كانت منذ مطلع 2014 معقلًا رئيسًا لتنظيم داعش الإرهابي، وملاذًا لشراذم وافدة من أصقاع متعددة كأفغانستان والشيشان، وجحيمًا يحترق فيه المدنيون تحت سطوة التكفير والوحشية. لكن أبناء العراق، ممن لبّوا نداء المرجعية، حاصروا الظلام بنور دمائهم، فكانت معركة تحرير الفلوجة علامة بارزة في سجل الانتصارات.
في 23 أيار/مايو 2016، انطلقت العمليات العسكرية لتحرير المدينة، بمشاركة قوات الحشد الشعبي والقوات الأمنية، وتكللت تلك العمليات في 26 حزيران/يونيو بالإعلان الرسمي عن تحرير الفلوجة، بعد معارك شرسة كُبد فيها العدو خسائر جسيمة، قُتل فيها المئات من عناصره.

بطولات الحشد الشعبي.. توقيعٌ الفتوى والنصر

أظهر الحشد الشعبي، وهو الوليد الشرعي لفتوى الدفاع الكفائي، بسالةً استثنائية في ميدان الفلوجة.
فقد تصدّى لمهارات العدو وتكتيكاته المعقدة التي شملت استخدام الأنفاق والعبوات والانتحاريين، وخاض معارك وجهاً لوجه في أزقة المدينة ومحيطها، متحدياً كل أشكال الحرب النفسية واللوجستية.
كان تطويق الفلوجة خطوة ذكية من القيادة الميدانية، تمهيداً للاقتحام المحسوب. وبالفعل، استطاع الحشد أن يفتح ثغور المدينة بالتضحيات، لا بالمساومات، ليعيد للفلوجة هويتها الوطنية ويطهّر منبرها من الخطاب التكفيري.

نصر الفلوجة.. تمهيد لطريق الموصل

لم تكن الفلوجة مجرد هدفٍ عسكري، بل كانت حجر الزاوية في الانهيار التنظيمي لداعش. فقد مثّل تحريرها ضربة قاصمة للتنظيم، وخسارة فادحة لأحد أبرز معاقله غرب العراق، كما فتح الباب أمام معركة الموصل الكبرى، المعقل الأكبر والأكثر تعقيداً.

وقد سلّط هذا النصر الضوء على تحديات ما بعد التحرير، مثل إعادة إعمار المدينة، وعودة النازحين، وبناء جسور الثقة بين المؤسسات والمواطنين الذين ذاقوا ويلات الإرهاب.

الفلوجة اليوم.. شاهد حي على شرف الفتوى

اليوم، وفي مثل هذا التاريخ، تقف الفلوجة شامخة، شاهدة على تلاحم الشعب والمرجعية، وعلى ما تصنعه الفتوى حين تتجسد في جسد وطن. إنها قصة بدأت بنداء المرجعية، ومضت بخطى الشهداء، واستكملت بحبر البطولات، لتكتب للعراق تاريخه بمداد من نور.
صور من الخبر