الاخبار
دراسة تحليلية عن تجليات النهضة الحسينية في خطب السيد الشهيد حسن نصر الله
2025/06/27
المدرس المساعد: علي جعفر حسن

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين، الذي أضاء الدنيا بنور الإسلام وأنقذ البشرية من الظلالة والظلام نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

ثمة صوت سرمدي، يصرخ عبر العصور والأزمنة بالثورةِ على الاستبداد والظلم والغطرسة، ويشحذ الأمة، إدامة المقاومة والكفاح بوجه الانحراف والزيغ والاضطهاد، دفاعا عن بيضة الإسلام، وقيمه ومقدساته وحرمانه.

نعم أنه صوت الرفض والإباء صوت الحسين (عليه السلام) الخالد بكربلاء الماثل في العقول، والمتربع على عرش القلوب، مناديًا بالتضحية والفداء، في سبيل رسالة السماء، تلك الرسالة التي حمل رايتها نبينا المصطفى (ص) وحملت شعار الأمن والأمان، والسلم والسلام، على امتداد جغرافية هذا العالم، بنهجٍ قويم وسراطٍ مستقيم، التزمه من بعده قادة هذه الأمة، ورجالاتها الإباء، صالحٌ بعد صالح متكأين، وتغليب أسس الأيمان والتقوى، وتغليب مصلحة الإسلام العليا على كل المصالح الضيقة الدنيوية الأخرى، وفي طليعة تلك الشخصيات، شخصية جمعت بين الجهاد والعلم، والعبادة والزهد، والتواضع والحلم، ملكت قلوب الملايين، وتردد ذكرها على ألسن المحبين والمبغضين، شخصيةٌ نعتها مرجع الأمة الإمام السيستاني، بقوله: "أنموذجًا قياديًا قل نظيرها في العقود الأخيرة"[1]، أنه صوت المقاومة الصادقة، هي شخصية القائد الشهيد السيد (حسن نصر الله) ( قدس الله سره الشريف)، الذي تجلت نهضة الإمام الحسين في خطابه:" إن من مدرسة الإمام الحسين (عليه السلام) نستنهض الهمم، والعزائم، ونتعلم الشهامة والشجاعة، والمواقف الكريمة، والصمود والثبات، والصلابة، والإباء، إباء الضيم، ورفض الذل، وهذا كله من بركات الإحياء لهذه المناسبات، وهذه النهضة تمثل ثروة إنسانية، و(إسلامية)[2]، وإيمانية، في البعد الثقافي، والبعد الفكري، والبعد العلمي، والبعد المعرفي، والبعد الإنساني، والأخلاقي، والبعد الشعوري، في كل الابعاد، وهذه الثروة يجب أن تُقدم، ويجب ان لا تبقى حبيسة فئة معينة من المسلمين، بل يجب أن تكون لكل الناس من غير المسلمين أيضًا، وبالفعل كثير من غير المسلمين قد استفاد من هذه الثروة وبنى عليها"[3].

وتحيلنا خطبة سماحته، إن ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) جاءت متعددة الابعاد" إنها ثورة من أجل الكرامة والحرية، حيث لا استقرار للإنسان إلا في مجتمع كريم وحر يتمتع بكامل حقوقه، وهي الدعوة التي عبر عنها الإمام زين العابدين ( عليه السلام) وهو يلخص كل رسالة عاشوراء التي شهدها وهو على فراش المرض:" اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة" إن المشهد الحسيني بكل تعابيره صرخة حية من أجل السلام والعيش الكريم، فهو الذي خطب في الناس أنه لم يخرج أشرًا ولا بطرًا وإنما خرج طلبًا لإصلاح أمة جده يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ثورة الحسين لم تكن في غايتها القصوى سوى ما تطلعت إليه أفئدة الأحرار، ولهذا جاء نداؤه إنسانيًا"[4]

ومما مر يتضحُ بأن السيد نصر الله جعل من النهضة الحسينية التي أطلقها سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في عاشوراء كربلاء، إنما هي تضحية نهضوية باعثة على الحياة والشموخ معًا، وشعلة معنوية هائلة لن تخبو أبدًا، ويستلهم منها السمو والاستقامة والإقدام، في أبهى وأقوى مفاعيلها، لتستمد منها الأمة كل ما تحتاجه من دروس وتجارب بليغة، تؤدي بالتالي إلى الفتح والظفر، ورفض الهوان، والهزيمة بامتطاء الموت والتضحية بالنفس في سبيل الله، ما دام ذلك يوفر أسباب الحياة الحرة الكريمة لنبي أمة المصطفى محمد (صل الله عليه وآله) ويحصنهم من السقوط في منزلقات الانحراف والضلالة، ويرفع عن كاهلهم أوزار الخضوع للطواغيت والمتجبرين في كل زمان ومكان، وهذا هو تفسير معنى ( كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).

ويؤكد السيد حسن نصر الله في خطابه الذي القاه بمناسبة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام): بأن سيد الشهداء يمثل تجسيدًا حقيقيًا للقائد المضحي الذي يؤمن بمشروعه، وينصهر في قضيته، ويضحي من أجلها، فنجد السيد نصر الله، يوجه الأمة لتتعلم من هذه المدرسة كل معاني الصبر، والتضحية، والثبات والإرادة والإصرار، والعزيمة، دون كللا أو مللٍ، وبمختلف الظروف، وشتى المتغيرات، فيستشرف غد الأربعين، ويجعل الناس تستشرفه، فيقول: "غدًا يتعلم الملايين من الحسين كيف يثبت القائد في ساحة المعركة، فلا يختبأ ولا يفر ولا ينهزم، غدًا يتعلم المسلمون والعالم من الحسين ( عليه السلام) كيف يقدم القائد كل أولاده ليقتلوا دفاعًا عن أمته ودينه وقضيته، غدّا يتعلم المسلمون من سيد الشهداء كيف يجود القائد بكل ما عنده من ولد وأصحاب"[5].



وقد انعكس هذا الخطاب متجليًا بشخص سماحة السيد حسن نصر الله، الذي ثبت في الميدان، وقارع إسرائيل والأمريكان بجندٍ صلب الإيمان، لا يخافون في الله لومة لائم، وأن يركعوا إلا لله، لبسوا قلوبهم على دروعهم، من أجل دينهم وسيدهم، وبذلوا الغالي والنفيس، إعلاءً لكلمة الحق، ودحضًا للباطل، فلا غرابة ولا استغراب، أن يبقى صوت السيد حسن نصر الله عاشورائيًا في كل زمان، وكربلائيًا في كل مكان، لتعيش الأمة بعزة وكرامة، وترفض الذل والمهانة، انطلاقًا من مدرسة كربلاء.

وعلى إثر ذلك جعل السيد نصر الله من النهضة الحسينية قاعدة للتغير من جهة، ومواجهة المحتل الغاصب من جهة أخرى، فجميع المقاومة الباسلة قد أدخلت عاشوراء في أديباتها للتعبير عن المظلومية، سواء من العدو أو الصديق على حدِ سواء[6].











1 البيانات الصادرة ، بيان مكتب سماحته (دام ظله) بمناسبة استشهاد العلامة حجة الإسلام والمسلمين، السيد حسن نصر الله.

2_ ينظر: عاشوراء وخطاب المقاومة الإسلامية، السيد حسن نصر الله نموذجًا، علي مهدي زيتون، معهد المعارف الحكيمة، مكتبة مؤمن قريش، ط1، 2007م: 35.

3- خطبة السيد حسن نصر الله في أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) في 7 تشرين الأول عام 2020م 19 صفر 1442هـ.

3_ زمن الحسين حوارات ومقاربات تحليلية لتجليات عاشورائية معاصرة، القائد الإسلامي السيد حسن نصر الله: نموذجًا، مكتبة مؤمن قريش، بيروت – لبنان، ط1، 2007: 253

4_ خطبة السيد حسن نصر الله في أربعين الإمام الحسين (عليه السلام)، في 10/7/2019م.

6 زمن الحسين حوارات ومقاربات تحليلية لتجليات عاشورائية معاصرة ص 244-245.