أدب فتوى الدفاع المقدسة
تضحية
2024/12/12
إنها البصرة المعطاء بأهلها وكنوزها، والكريمة بأرواح شبابها.
لقد كان بعمر الزهور لما قطفته يد المنون، ولكنه اختار يداً يتمناها كل شريف، إنها يد الشهادة!
فرحل عن هذه الدنيا وما هو براحل عن قلب الوطن، ولا عن قلوب المخلصين..
إنه الشهيد (جاسم نعيم عبد الرحمن).
كان من خيرة شباب قضاء أبي الخصيب، استشهد في صلاح الدين (منطقة العوينات) عن عمر يناهز احدى وعشرين سنة، فتعالوا لنعرف حكاية هذا الشهيد البطل من لسان والده ووالدته، ومقربيه وما عرفناه من خلال وجودنا بين هذه العائلة لتوثيق حياة الشهيد...
عندما التقينا والده نظر نحونا وقال: انا والد الشهيد (جاسم نعيم عبد الرحمن).
هكذا قالها بكل فخر وأطلقها بصوت الكرماء؛ لأنه قدّم للعقيدة والوطن فلذة كبده.. مفتخراً بولده؛ لأنه لبى نداء المرجعية، واستشهد دفاعاً عن الوطن والمقدسات..
ثم سألته عن ولده فأجابني: كان ولدي شجاعاً مخلصاً، لم تغرّه الدنيا ولم يكن لينقصه شيء، لكنه أبى إلا أن يُلبي نداء المرجعية، ويلتحق بركب المجاهدين تاركاً وظيفته وأهله وراحته...
كان والد الشهيد يتكلم بقلب تعشقت فيه العقيدة، وملأته ايماناً وصبراً وزاد دهشتي عندما قال: جميعا مصيرنا الموت، لكن الشهيد (جاسم نعيم) قد اختار ميتة الشرف؛ لأنه لتي نداء المرجعية التي هزت العالم بكلمتها المسددة من قبل السماء؛ لان رسالتها متصلة برسالة سيد الشهداء ابي عبد الله الحسين .
هنا انتهى حديث والد الشهيد ولم اكن اتوقع انني سأسمع حديث والدته، حيث لا ادري كيف سيكون حالها وقد فقدت عزيز قلبها ؟
بدأت والدة الشهيد نعيم تتحدث، وعندما نطقت كلمة (شهيد) احسست وكأن انباط قلبها تنقطع، حيث تذكرت كيف كان يُحدِّثها عن الشهادة، فتشجعه وتُخفي امتناع فؤادها، ويكرر ذلك كلما
كان يرى شهيداً، فيتمنى الشهادة ويجهرُ بأمنيته امام عينيها ومسمعها...
كلما تحدثت وجدناها جبلاً راسياً بالعقيدة والولاء، ثم قالت كلمةً يقف عندها التاريخ اجلالاً واحتراماً ولو وعاها الاعداء لما تجرؤوا على قتال ابناء هكذا امهات
فليخلد التاريخ موقفها وهي تقول: إذا لم يلتحق ولدي بسوح الجهاد فمن سيلتحق وزُمر الارهاب
على اعتاب ديارنا ؟!
فهو قد ارتحل شهيداً ملبياً فتوى المرجعية، واستشهد مدافعاً عن وطنه ومقدساته فنال الشرف. هنا رأيتها قد عضت على جرح الفراق، ولم تُمسك محاجرها فأجرت دموع الحنين لا مدامع الاسف! إذ لم تبك عليه وانما بكاؤها لفراقه، فكيف لا تجري الدموع وكانت تتمنى ان تزفه بيديها الى عروسه فزفته الى نعيم الفردوس وحور الجنان شهيداً؟!
ولا نعجب لها إذ تأستُ بصبر عقيلة الطالبيين وقالت: لم تُقدّم ما قدمت زينب بنت علي، وصبرنا من صبرها. وعندما تحدث اخ الشهيد ادركنا كيف يجب ان يكون المرء حتى يستحق الشهادة! فرأيته يتكلم وكأن في صدره جمرة، وفي قلبه ناراً تكوي حشاه من وجع الفراق ولوعة الذكرى.. لقد كان لأخيه نعم العضد والمعين، فالشهيد كان للغرباء اخاً وخادماً، فكيف سيكون لأخيه وقرة عينه ؟!
بعدئذ التقينا بصديقه ليث حمد كاظم الذي رافقه حتى شهادته فأخبرنا قائلاً: رأيت الشهيد
(جاسم نعيم) وكأنه قد سمع بداعي العيد لا داعي الجهاد وساحات المنايا... فقال له الشهيد: إنها المرجعية يا صاح قد دعتنا للجهاد والذود عن مقدسات الدين وحرمات الوطن، فلن نطبق الاجفان حتى تلبي نداءها!
لكنه لم يكن يعرف أي الطرق أسرع وصولاً لسوح الوغى، فكان يتوق للشهادة كما يتوق الطفل المحالب أمه...
يتشبث بهذا وذاك طالباً ان يأخذوه معهم حيث تلتقي الخصوم ويشتد وقع المعارك..
ولم يتوقف حتى ظفر بمطلبه، واتفق على موعد الانطلاق مع احد المجاهدين والذي كان يقود
مجموعة من الابطال جميعهم من البصرة.
هنا توقف صديق الشهيد عن الكلام لحظة ثم قال تعالوا معي، فذهبنا معه فوقف على حافة شهرٍ جار وقال:
عندما حان الخروج لنيل المنى وبلوغ ساحات الوغى، خرجنا وقت السحر وحلّ الفجر هنا وارتفع صوت الاذان، فنزل الشهيد ها هنا وتوضأ من هذا النهر فصلّى، كأنها النهر قد دعاه ليلامس راحتيه لتنتفض امواجه بعد الشهادة برعشة الشرف..
بعدها واصلنا المسير، ولم يعر الشهيد أي اهتمام للمصاعب، وبعد الطريق وظلام الليل امتطى
جواد سواده طالباً من يوصله إلى مُراده ومبتغاه.. حتى وصل مستعداً لوسام الشهادة...
قائلاً:
واصلنا التوثيق وكان آخر من التقينا به السيد علي كاظم) آمر سرية الشهيد جاسم نعيم حدثنا
كان البطل جاسم نعيم متلهفاً لخوض غمار الحرب وردع الاعداء وايقاف تمدد عصابات داعش الاجرامية، فجاءت فرصة تنفيذ عملية عسكرية ضد داعش وكان هو من المنفذين لها، وهناك حصل اشتباك عنيف مع الاعداء داخل ارض المعركة حيث تبين انه (كمين) نصبه الاعداء، واستمر الاشتباك اكثر من ست ساعات فكان للشهيد موقف البطل الشجاع الذي نعجز عن وصفه ولقد رأيته كيف كان يُمسك البندقيتين، وثغره الباسم يروي بطولة الساعدين، قابضاً على الزناد ليذيق أعداءه علقم الهزيمة من كأس بسالته..
بطل شهدت له الابطال انه لم ينسحب رغمَ فرصة الانسحاب التي لاحث له عندما تمت محاصرتنا، وظننا اننا هالكون، وكان هو مع اثنين ممن يملكون فرصة النجاة بالانسحاب، ولم يكن عليهم سوى عبور الساتر الذي كان خلفهم لينجوا، وصرخت فيهم لينسحبوا وبقيت اعطيهم اشارة الانسحاب وانا متحصن في مكان مُحاصر، لكنهم رفضوا لاسيما هو كان ينظر نحوي ويبتسم ويهز برأسه رافضاً فكرة الانسحاب ويقول:- نحيا معاً، أو نموت معاً!
وأبى إلا ان يبقى ويحمي من كان معه من المحاصرين ويفتديهم بنفسه، وينال الشهادة التي كان يتلهف لها، وحقق مراده واشغل الاعداء عنا بالبندقيتين اللتين كان يحمل كل واحدة منها بيد، ومنعهم من الاجهاز على الاخرين وانا كنت احدهم، واستشهد على ذلك الحال رضوان الله تعالى عليه وفارق الحياة داخل ارض المعركة عندما تمت اصابته اصابة بليغة.