أدب فتوى الدفاع المقدسة
مدينة الاسرار
2025/01/23
مدينة تطل على الافئدة بشموخ واصرار عجيب متدلية الاغصان بتواضع الكرم منذ أن تخضب مطرح الله بدماء حارة .. منذ ذاك الزمان فمن لهذه الوحشة الممتدة في عروق القلب؟... الفقد لفاطم مكتوم الوجع يحسسك بموجة عارمة من الاضطراب كيف يفيض حكمة وعلما حتى عجز الصبر أن يفهمه؟؟... هاجسك ينظر هنا وهناك... يمشي بحذر كمن يمشي على جمر عله يقبل أثره المظلوم الى اليوم ولكن في النهاية سيقف مغبر الوجه بتراب المقابر يصغي الى البعد الامدي حتى يركع القبر ليعقد الايمان بفيوضيات العبقرية الفكرية والحكمة القيادية... ليومها آمنت وبكيت بغزارة أن شخصه يراقبنا.. يحاكينا... يحثنا على تدارك العمل قبل فوات الاجل وأنفاسه تجلي كل المصائب قبل ان يضيء الذهن باسمه لتطلبه سنجده هناك يقف بانتظارنا .. ويالخيانة المجاز أن لا يسعف ان استوضحه حتى تبكوا ولكن رأيت ذلك في الشيخ مقصد الجبوري ( معتمد المرجعية في مدينة القاسم ) وهو يشق طريقه نحوه حتى أصبحت لا أثق الا به... اضمحل ارق الانتظار حتى اعتدت على أيام غيابه للدراسة في الحوزة العلمية وتلك المدينة تستضيف شغفه وترويه من مناهل العلم الزاخرة وتدربه على جهاد النفس فكان مطلعاً على تفاصيل ما يجري عند انطلاق فتوى الدفاع الكفائي ليومها نزل من النجف الاشرف كون فوج القاسم مع أخيه الاكبر محمد... وان خفقت القلوب بالخوف المرتقب وتصدت لهذا النبأ غير المتوقع فقد ترك الشباب والشيبة كل شيء وراء ظهورهم، اشتروا السلاح والملابس العسكرية وأخذوا يسجلون بياناتهم عند هيئة المنطقة.
انطلقت العمليات مباشرة نحو جرف النصر قادها (الاخوان) ولكن وقتها أخبرنا بأنه سيتدرب لبضع ساعات ويعود.... الا انه لم يعد، فبعد الانتصار توجه نحو قاطع الانبار لحوالي (٤) اشهر) ضم فوج القاسم تحت جناح علي الاكبر ليضفي بأسا الى بأسهم ما كنت أراه الا في دهاليز الساعة الواحدة ليلا يتفقد حال أطفالنا... يوصيني أن يتربوا على طريقه، ما زال يبذل جهدا ليزودهم من خلق اهل البيت ويرشدهم ولا يلبث عن توصيتهم ليكونوا خير رجال الله ثم ينطلق فجرا فيتوافد الاقرباء مسرعين صباحا لرؤيته فتخيب الامال ككل مرة.
بذلت جهدا مع زوجة أخيه محمد بطبخ الطعام وملأ السيارة بالمأكل والمساعدات المادية لدعم المجاهدين، فأصبح هذا الامر طقسا من طقوس حياتنا وقد قام في ايام قليلة بالتنسيق مع اطباء محافظة بابل خاصة منطقة القاسم لمعالجة الجرحى والاهتمام بالحشد وبناء علاقات طيبة ومتناسقة اضافة الى تفقده مؤسسة الايتام الخيرية لرعاية الايتام والارامل وصرف رواتبهم.
قبل التحاقه لجبال مكحول أخذ ولديه وسافر للنجف لزيارة القائد الاعلى المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني ة سلم عليه وفاض ببوحه يريد الشهادة... فأخذ بيده واعطاه كيساً فيه دعاء التاج وخاتم وبعض من تراب قبر الامام الحسين ..... عاد ووجهه مستبشر ذو تعبير زخم بالغبطة يثير أمان الحب من بعيد لبس خاتمة المبارك ووضع حرز التاج في جيبه واحتفظ بشيء من تربة الحسين و التحق مع أطلالة الفجر ارتحل نحو الخالدية حيث غزا جراد داعش المنطقة، كانت المعركة شرسة لهمج القذف دون توقف من قبل الاعداء الا ان الكفه الراجحة لصالح الابطال من يوم ولادة الامام المهدي لمدة ثلاثة ايام متواصلة بعد انتصارات ومقاومة من البيوت والمبازل.
في اليوم الرابع نفث العدو غضبا شيطانيا وعلى بعد (۱۰م) أصيب الحاج محمد بطلق ناري في ساقه اليمنى وما ان تحرك مهاجما حتى رصدته رصاصة أخرى في ساقه اليسرى نقله الشيخ مقصد الاسعاف حتى أرقده في المستشفى وعاد لمواصلة الجهاد... احس بمرارة تلقفه من السكينه والايمان... يواري وجعه ما الذي أخرها عنه ؟ وهو يواري الثرى قرابين قدمت من أجل العقيدة... كان من بينهم الشهيد (عبد الحسن) يرجوه بصوت ملتوي على حيرته يرتجف نوعا ما يخاطب الشهيد الراحل لتوه أن يمسك بيده للشهادة.
لم أحظ بفرصة الحديث معه الا كحديث عابر بدا الارهاق والتعب عليه خاصة مع استضافة شهر رمضان فقد تطلب الامر منه السفر للنجف لجلب المساعدات والقتال... لم تظهر عليه علامة وان بدا نحوله وشحوبه الا ان قوة تتدفق من داخله بعزيمة مغوارة وصبرا يجعل الناس تنحني لزهده في الشكوى او التذمر ... ليتدوال الناس دستورا ينص بتذكره مقصد اذا رأى الموت سيحضنه... ما فعلته هو قمت بتتبع خطواته مغمضه العينين وممسكه بيديه.. سددت كل مسامعي زمن نافذ التفكير ماذا سيحدث بعده؟ عشت اللحظة فقط وهو بعث في نفسي طمأنينة لاحد لها وان قلت اتوقع رحيله... ابتلع ريقه ودخل الغرفة ختم على جباه اطفاله قبلات وداع كالعادة وجهزت حقيبته وحصنته بأمل أسقيه بالدعاء... اخبرنا كل شيء متوفر وبنعمة الله بينما أجد أخباره بين الجيران أن الامدادات انقطعت وان كانت لا تسد حاجة أيام طويلة...عطش شديد... لا سحور ولا افطار لكن مقصداً كان الواعظ والمرشد والموجه والمقاتل الاب الذي يتفقد أبناءه يسيقهم من غدير المعرفة ويطعمهم ذكريات أميرهم فيشجعهم ويجتمع بالمجاهدين بعد صلاة الجماعة وأدعية وتراتيل ليأخذ دور المعلم الرسول بمحاضرات مهدوية... ويستثيرهم بأسئلة بمسابقات متنوعة من كتب يحضرها من مكتبة النجف الاشرف تأنس بها الروح عند تلقيها وتصبح متنفساً لجلي غبرة الوحشة والبعد عن الاهل، وما هي الا سويعات ويلتقون بالمعشوق... وتسقط رؤوسهم في كف امهم الزهراء عليا النيك فصبر جميل والله المستعان...