وثائقي... حين واجه الوطن الغرق اتجه الحشد الشعبي ليصنع خط الدفاع الأول
2025/04/21
في ربيع عام 2019م، وقفت المحافظات الحدودية بين العراق وإيران على شفا كارثة بيئية وإنسانية، بعدما اجتاحت السيول العارمة مناطق واسعة من الأراضي الزراعية والمناطق السكنية، مهددةً حياة الآلاف من الناس ومشاريع حيوية تمثل ركائز للاقتصاد الوطني.
في تلك اللحظات الحرجة، لبّى أبناء فتوى الدفاع الكفائي نداء الواجب مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم يكن السلاح هو أداتهم، بل كانت الآليات الهندسية، والقلوب العامرة بروح الإيثار.
تحت إشراف مباشر من القائد الشهيد الحاج أبي مهدي المهندس، استنفر الحشد الشعبي جهده الهندسي واللوجستي، موجّهًا عشرات الآليات والمعدات الثقيلة نحو المحافظات المنكوبة، لا ليقاتل عدوًا، بل ليحاصر خطر الطبيعة قبل أن يتسبب بمأساة وطنية.
سدود ترابية في وجه الطوفان
باشر الجهد الهندسي التابع للحشد الشعبي بعمليات عاجلة لبناء سدود ترابية ضخمة، تهدف إلى كبح جماح السيول وتحويل مسارها بعيدًا عن المناطق المأهولة.
تم تنفيذ هذه الأعمال في مناطق حدودية حرجة شهدت أعلى معدلات تدفق مائي، وتركزت الجهود على حماية الأراضي الزراعية الواسعة، والمنشآت النفطية، ومحطات الكهرباء، إلى جانب الطرق الحيوية المؤدية إلى الحدود العراقية الإيرانية.
وفي أثناء تلك العمليات، عملت فرق الحشد الشعبي جنبًا إلى جنب مع الأهالي، إذ شارك المئات من المتطوعين في أعمال الحفر، ورفع الأتربة، وتعبئة الأكياس، في مشهدٍ جسّد أسمى معاني التكاتف والتضامن الوطني في المناطق الحدودية.
إنقاذ حقل مجنون النفطي: إنجاز استراتيجي
في محافظة البصرة، وتحديدًا في منطقة حقل مجنون النفطي، أحد أكبر الحقول النفطية في العراق والعالم، كان الخطر مضاعفًا.
السيول المتدفقة من الأراضي الإيرانية المجاورة هددت بإغراق الحقل وتوقّف الإنتاج، مما كان سيشكل ضربة قاسية لاقتصاد البلاد.
وبسرعة فائقة، توجّهت فرق الحشد الشعبي إلى المنطقة، حيث نفذت سلسلة من الإجراءات الهندسية العاجلة، شملت رفع السواتر، وفتح مجارٍ لتصريف المياه، وتعزيز خطوط الحماية الترابية، فتمكّنت من درء الخطر في اللحظة الأخيرة، ما عدّه الخبراء إنقاذًا استراتيجيًا للاقتصاد الوطني.
جهد إنساني يعانق الوطن
لم يكن تدخل الحشد الشعبي مجرد استجابة طارئة، بل تجسيدًا عمليًا للفلسفة الإنسانية التي قامت عليها فتوى الدفاع الكفائي، فقد سخّر الحشد موارده البشرية واللوجستية لدعم الأهالي المتضررين، من طريق توفير الغذاء، والخدمات الطبية، والمأوى، فضلًا عن فتح طرق مؤقتة للمناطق التي عزلتها السيول، وإيصال المساعدات إلى القرى المحاصرة.
في إحدى الجولات الميدانية المصوّرة، يظهر عناصر الحشد وهم يشاركون الأهالي في إزالة الركام، وحمل الأطفال وكبار السن إلى مناطق آمنة، ويواصلون الليل بالنهار في ظروف مناخية صعبة، من دون توقف أو كلل.
ذاكرة وطنية لا تُنسى
على الرغم من مرور الأعوام، ما زالت تلك المشاهد محفورة في ذاكرة العراقيين، إذ مثّلت ملحمة التصدي للسيول عام 2019م علامة فارقة في تاريخ الجهد المدني للحشد الشعبي، إذ امتزجت فيها قيم التضحية والإنسانية بالخبرة الميدانية، لتقدّم أنموذجًا فريدًا في إدارة الكوارث، يتجاوز حدود السلاح إلى حدود الوطن والإنسان.
لقد أثبت أبناء الفتوى، مرة أخرى، أن الدفاع عن العراق لا يتوقف عند حدود المعارك التقليدية، بل يشمل كل ميدان يستدعي الغَيرة والشهامة، من الخندق إلى الساتر، ومن الجبهة إلى السدود، ومن السلاح إلى المجرفة.
وفي الوقت الذي يسطّر فيه العراقيون فصولًا جديدة من النهوض والإعمار، يبقى الدور البطولي لأبناء الحشد الشعبي في مواجهة سيول 2019م شاهدًا حيًا على قدرة هذا الشعب على الصمود، والتكافل، والانتصار على كل أشكال التهديد، أيًا كان مصدرها أو شكلها.
تحرير موقع فتوى الدفاع الكفائي