الاخبار
في مثل هذا اليوم 14 أيلول 1925.. مظاهرة كبرى في النجف استنكارًا لهدم المراقد المقدسة في المدينة المنورة
2025/05/14
شهدت مدينة النجف الأشرف واحدة من أوسع مظاهر الغضب الشعبي والديني، احتجاجًا على الممارسات التي قامت بها القوات العسكرية الوهابية التابعة لحكومة عبد العزيز آل سعود في المدينة المنورة، والتي هددت وشرعت بهدم المراقد والمقامات المقدسة، ومنها مرقد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب (رضوان الله عليه) وقبور شهداء معركة أحد.
جاء هذا التصعيد في وقتٍ كانت فيه أنظار المرجعية الدينية العليا تتجه نحو الحجاز، الذي كان يتعرض لغزو سعودي واسع بقيادة عبد العزيز آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الثالثة.
بعد سقوط حكم الأشراف الهاشميين في الحجاز، أحكمت القوات السعودية قبضتها على مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبدأت تمهّد بشكل متدرّج لهدم المعالم والمزارات الإسلامية بدعوى محاربتها للبدع، وهو ما تحقق فعليًا في نيسان/أبريل 1926، حين أقدمت تلك القوات على تسوية عدد من البنى الإسلامية بالأرض.
في هذا السياق، وردت إلى المدينة المنورة يومي الخامس والسادس من أيلول 1925 برقيتان عاجلتان من المرجعين الكبيرين (السيد أبي الحسن الأصفهاني والميرزا محمد حسين النائيني)، أعلنا فيهما تعاطفهما التام مع المدافعين عن المدينة، وأكدا استعدادهما لتقديم كل أشكال الدعم الممكن، وعدّاه واجبًا شرعيًا ودينيًا على كل مسلم في أنحاء العالم.

لم يتوقف تحرك المرجعية عند حدود البيانات، بل وجّه المرجعان مذكرة احتجاج شديدة اللهجة إلى شيخ الأزهر الشريف في حينه، (الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي)، دعوا فيها إلى موقف عربي وإسلامي حازم، محذّرين من أن الحرم النبوي الشريف والمقامات المحيطة به أصبحت هدفًا مباشرًا لنيران المدافع، وأن سكان المدينة يرزحون تحت حصار قاسٍ يهدد أمنهم وحياتهم ومقدساتهم.
وفي النجف الأشرف، كانت التحركات أكثر تصاعدًا وعلنية، إذ بادر (الشيخ أحمد آل كاشف الغطاء)، أحد كبار علماء الحوزة آنذاك، إلى عقد اجتماع عاجل في داره بمشاركة نخبة من المجتهدين وطلبة العلم، تداولوا خلاله التطورات الميدانية في المدينة المنورة، وما وصفوه بـ "العدوان الصارخ على رموز الإسلام الخالدة ".

وتمخض الاجتماع عن قرار بإقامة مظاهرة كبرى بعد عصر يوم الاثنين 14 أيلول 1925، شارك فيها كبار المجتهدين والعلماء والحوزويون، رفعت فيها الشعارات المنددة بـ"أعمال ابن سعود المنكرة الكفرية.."، وجرت تلاوة بيانات شديدة اللهجة تستنكر ما وصفته بـ"فظائع الفئة الوهابية الباغية، وجرأتها على هتك حرمات الحرم النبوي الشريف".

وفي ختام الفعالية، حررت سبع برقيات عاجلة وُجهت إلى مختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية في العاصمة بغداد، والعواصم الإسلامية الكبرى، حذّرت فيها من صمت العالم الإسلامي تجاه ما يحدث في الحجاز من "مأساة دينية وتاريخية"، مطالبة بتحرك عاجل لحماية المعالم الإسلامية في طيبة الطاهرة، ومنع تكرار مثل هذه الجرائم بحق التراث الإسلامي.
وتُعد هذه المظاهرة وما رافقها من مواقف فقهية وعلمائية صريحة، تعبيرًا عن رفض المرجعية الدينية القاطع لأي مساس بالمقدسات الإسلامية، ودليلًا على يقظة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، واستعدادها للدفاع عن تراث الأمة الإسلامية أينما كان، باعتبار أن المساس بهذه الرموز لا يطال طائفة بعينها، بل يستهدف الهوية الإسلامية الجامعة.
ويستذكر كربلائيون، والنجفيون على وجه الخصوص، هذا اليوم كعلامة فارقة في تاريخ المواقف المشرفة التي سجلتها المرجعية الدينية العليا بوجه محاولات طمس معالم الإسلام وتشويه رموزه، مؤكدين أن الدفاع عن المقدسات لا يخضع لحسابات سياسية أو قومية، بل هو واجب عقائدي وأخلاقي في كل زمان ومكان.
صور من الخبر