أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشهداء أُمراء الجنه ..الشهيد الشيخ لقمان البدران
2025/08/28
الشهيد السعيد الشيخ لقمان عبد الخضر عبد النبي جوهر البدران
ولد وخلق للعطاء انه من فتية آمنوا بربهم فزادهم الله هدى تجمّل بأبهى المزايا وجمع صفات الخير بين جنباته فتراه ينثر الطيب اين ما حل عميق الولاء لأهل البيت ينحني حباً واجلالاً واحتراماً لأولاد الزهراء ويبدوا ذلك واضحاً في سلوكه وتصرفاته معهم ، ينحدر من عائلة طيبة في أصولها وتاريخها فسجلها مليء بالجهاد والكفاح ضد الطغاة والظالمين؛ لذا تعرضت هذه العائلة الكريمة لشتى صنوف المضايقات زمن الطاغية وأزلامه، عُجِنت الطيبة بطيئته الطاهرة وتألقت السماحة واضحة جلية بخلقه الرفيع ، وكانت الوداعة سمته البارزة ، يحمل في قلبه حباً كبيراً لأئمته تجلى بكثرة زيارته لمراقدهم الطاهرة، فكان التكامل في روحه الطيبة أمراً طبيعياً في حياته التي ختمها بالشهادة والفوز العظيم، انه الشهيد السعيد القائد الشيخ لقمان عبد الخضر عبد النبي جوهر البدران .
ولد الشهيد رحمه الله في عام ۱۹۷۳م، بمحافظة البصرة - قضاء المدينة، متزوج وله ثلاث أولاد وبنت درس الابتدائية في مدرسة البدران، ثم دخل المتوسطة وأكمل بعدها الإعدادية في إعدادية صناعة البصرة، وبعد أن تخرج منها تم تعيينه في معمل الصناعات الورقية في مدينته، وبقي إلى ما قبل السقوط بأعوام قليلة وعندما رأى ان بقاءه في الوظيفة لا يلبي طموحاته العلمية شق طريقه نحو علوم اهل البيت (عليهم السلام) والتحق ضمن صفوف الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فأكمل دراسة المقدمات والسطوح، وتأهل لدروس البحث الخارج بعد أن ارتدى لباس العلماء عام ۲۰۰۵م في مكتب سماحة المرجع الاعلى اية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني مد ظله، ودرس على أيدي الافاضل من العلماء، منهم اية الله العظمى الشيخ اسحاق الفياض دام ظله واية الله السيد محمد رضا السيستاني اعزه الله ، واية الله الشيخ باقر الإيرواني اعزه الله وحجة الاسلام والمسلمين السيد جعفر الحكيم أعزه الله، و حجة الإسلام والمسلمين الشيخ فرقد الجواهري اعزه الله، وتأثر بهم وبأخلاقهم كثيراً، خصوصاً بأستاذه السيد جعفر الحكيم اعزه الله.
كان الشهيد صاحب أخلاق عالية جداً ومتواضع للجميع وخصوصاً إلى السادة من أبناء رسول الله، فكان ينحني إجلالاً واحتراماً لهم؛ لأنهم وحسب تعبيره-أولاد الزهراء على البيان.
وكان رحمه الله من أساتذة الحوزة العلمية، ومن أساتذة مؤسسة الامام الحكيم (قدس سره) الدينية، وعمل في مكتب المرجع الديني آية الله العظمى سماحة الشيخ الفياض (مد ظله) لمدة من الزمن، وشارك (رحمه الله) في مشروع الاستفتاءات في العتبة الكاظمية المقدسة بإشراف ممثل المرجعية في مدينة الكاظمية الشيخ حسين آل ياسين أعزه الله، وشارك في مشروع التبليغ الحوزوي في زيارة أربعينية الامام الحسين الله إذ كان (رحمه الله) مسؤول محور في طريق (نجف) -كربلاء).
وكان (رحمه الله) مرشداً دينياً مع قوافل الحجاج والمعتمرين لأعوام عدة وكانت له دروساً يلقيها في مسجد الهندي بهذا الخصوص، ويشهد بإخلاصه كل من وفق للذهاب معه.
لم ينقطع الشهيد رحمه الله عن محافظة البصرة حتى بعد أن استقر في النجف الاشرف لمتابعة دروسه الحوزوية، فكان يحضر في المناسبات الدينية التي ينظمها في قضاء المدينة، وعند حضوره البصرة يصاحبه أحد العلماء من النجف الأشرف لتكون له مشاركة -أيضاً -في إحياء المناسبات الدينية في البصرة.
عجن حب الامام الحسين الله بطينة الشهيد، وكان حب الناس وقضاء حوائجهم يجري في عروقه، فكان قلبه مفتوحاً قبل بيته لمن يقصده من المؤمنين على طول السنة، وخصوصاً في أيام الزيارة الأربعينية، إذ يأتيه الزائرون من داخل العراق وخارجه، وحتى بعد استشهاده بقيت علاقة هؤلاء الزوّار ببيته الذي كان -وما يزال -مألفاً لهم عندما يقصدون كربلاء الحسين، فروحه الطاهرة ما تزال ترفرف في هذا البيت المبارك وما يزال عشقه مستمراً للإمام؛ فالشهيد حي لا يموت.
شارك الشهيد السعيد الشيخ لقمان البدران بتأسيس موكب في قضاء المدينة باسم موكب الإمام موسى الكاظم تقام فيه -سنوياً -احتفالية بمناسبة استشهاد الإمام موسى بن جعفر الكاظم، ومارس دوره التبليغي في أماكن متعددة داخل العراق، إذ بلغ في العتبة الكاظمية المقدسة والعتبة العسكرية المقدسة.
وفي الزيارة الأربعينية، كما خاض غمار التأليف والكتابة، وخصوصاً في مجال العقيدة، لكن مؤلفاته لم تر النور بعد، فضلا عما لديه من تقريرات مستمرة لأساتذته الافاضل، كما ولديه دورات للطلبة في العتبة العلوية المقدسة اثناء العطلة الصيفية.
كان الشيخ الشهيد عنصراً فعالاً في لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات، فهو المسؤول عن تفويج المقاتلين من الطلبة وفي نفس الوقت يتابع التقريرات الجهادية للطلبة المبلغين. ربي الشهيد الشيخ لقمان ابنائه على الالتزام بالقيم الاخلاقية وحب اهل البيت؛ لذا دائماً ما يصطحب أبناءه الصغار معه إلى الحوزة العلمية ويحاول أن يحببهم بهذا الطريق المبارك، حتى أنه أوصى أن تبقى عائلته في النجف الاشرف؛ من أجل أن يكمل أبناءه من بعده طريقه الذي سار عليه وهو طريق الحوزة العلمية، وكان أيضاً-يشركهم معه في الدورات الصيفية التي تقام في العتبة المقدّسة، إذ كان يرحمه الله يلقي دروساً في الفقه والعقائد وأحكام التلاوة.
عرف الشيخ لقمان رحمه الله بسعيه الدائم لفعل الخيرات، فكان سباقاً ومبادراً لحل النزاعات التي تحصل بين العوائل والعشائر وكانت له كلمة مقبولة في هذا المجال، وتُذكر له الكثير من المواقف الطيبة مع عوائل
الفقراء والأيتام وعوائل الشهداء والجرحى إذ كان يبذل ما بوسعه لتوفير احتياجاتهم.
بعد صدور فتوى الدفاع الكفائي من قبل المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف انضم الشيخ لقمان إلى لجنة الإرشاد والتعبئة للدفاع عن عراق المقدسات وأصبح مسؤولاً عن تفويج الطلبة، وبعد مدة من الزمن سلم قاطع في جبهات القتال فأصبح مقاتلاً فضلا عن كونه مبلغاً، وفي بداية التحاقه إلى الجبهة كان عمله إدارة مخازن العتبة العلوية المقدسة في الجبهات والاشراف على تقسيم المؤنة بين المقاتلين. كل ذلك لم يلب طموح الشهيد فكان شديد الاصرار على مسؤول لجنته من أجل الصعود إلى الجبهات لكنه وفي كل مرة كان يُواجه بالرفض كون اللجنة بحاجة إليه في موقعه أكثر من صعوده، فكان يستغل أوقات تعطيل اللجنة في أيام الخميس والجمعة ويذهب ويشارك في القتال، فشارك في أغلب الأماكن التي حررها ابطال الحشد الشعبي، وبعد أن انتقل عمله إلى ساحات الجهاد سلم قاطع الصقلاوية، وأصبح مسؤولاً لمحور الصقلاوية، فسطّر وقتها الكثير من المواقف البطولية التي ستخلد لتعلم بها الاجيال القادمة وتقتبس منها الدروس والعبر ، منها : ما نقله لنا المجاهد السيد علي الحسني حفظه الله ان المجاهدين في قاطع الثرثار تعرضوا إلى حصار شديد من قبل العدو الداعشي وانكسرت القوة التي كانت تمسك الارض في ذلك المكان، فحاولوا الانسحاب، لكن الشيخ لقمان أبي الانسحاب وكان معه مجموعة قليلة من المقاتلين، فحاول أن يُغيّر المعادلة وقرار الانسحاب لتلك القوة التي كانت إلى جانبهم، فنزل من الساتر وأخذ عمامته بيده، وهتف بالمجاهدين : ( أين مسلم بن عوسجة أين حبيب بن مظاهر أين زهير.. أين من كان ينادي لبيك يا أبا عبد الله، أين من كانوا يجلسون تحت المنابر ويقولوا يا ليتنا كنا معكم! ألا تصمدوا ساعة وعندها تنالوا الشرف والعزة، أفضل من أن تهربوا وتنالوا المذلة»، هذه الكلمات أثرت بالعديد ممن قرروا الانسحاب فعادوا إلى أماكنهم وصمدوا أمام الحصار المطبق للأعداء فقد حوصرت منطقتهم بالكامل، فجاء أحدهم إلى الشيخ لقمان وقال له ماذا تنتظر يا شيخ؟ لماذا لا تنسحب هل تنتظر منهم أن يأتوا ليأخذوك ويمثلوا بجثتك! قال له الشهيد لا أستطيع الانسحاب فإني إن فعلت ذلك أشعر أني قد خذلت الإمام الحسين، وفعلاً ثبتوا حتى جاءتهم قوة من الحشد الشعبي مسنودة بقوة مدرعة من الجيش العراقي وتم فك الحصار عنهم وتحقق في ذلك اليوم نصر عظيم على الدواعش. أما. عن علاقة الشهيد بالمجاهدين فكان للشيخ لقمان رحمه الله علاقة طيبة بجميع المجاهدين والمقاتلين من فصائل الحشد الشعبي المقدس وأفراد الجيش والشرطة، وكان دائماً ما يتجوّل بين قواطع الحشد والجيش ويتفقد أحوال المجاهدين، فيرى منهم من كان يبيع أثاث منزله ليوفر أجرة السيارة التي توصله إلى ساحات الجهاد، ومن يترك خلفة عائلة واطفالا هم بحاجة اليه فلا معيل لهم غيره ، فكان يحاول أن يعوض هؤلاء الابطال بمبلغ ما؛ ليسد حاجاتهم الضرورية، وشهد له بذلك العديد من المجاهدين بعد استشهاده ، إذ قال بعضهم : كنا نأخذ رواتبنا من الشيخ لقمان، إذ كان الشيخ رحمه الله مأذون بصرف أموال الحقوق الشرعية على المجاهدين الذين يرى حاجتهم وضعف حالتهم المادية، بل قد يتطلب الامر الصرف من أمواله الشخصية فلم يكن يتردد بذلك.
قضى الشهيد رحمه الله أياماً في الجهاد و كان يأمل من الله أن يرزقه الشهادة، وكان يقول: «لقد أنعم الله علينا في هذا الزمان بوجود المرجعية المتمثلة بالسيد السيستاني، وهي تعتبر خيمة للعراق ومن يستشهد في ركاب المرجعية فكأنما يستشهد في ركاب الإمام الحسين، وكان دائماً ما يشجع من حوله على الجهاد، فأثر كلامه بالكثيرين ودفعهم للالتحاق بجبهات القتال لمحاربة الاعداء، وعندما استشهد الشيخ ، قالوا: لن نترك ساحة الجهاد وفاء منا لدم الشهيد الشيخ لقمان فهو من شجعنا ودفعنا للجهاد. كانت الشهادة في سبيل الله هي الشغل الشاغل للشيخ لقمان البدران، علماً أنه كان من الطلبة المتفوقين في الدراسة الحوزوية وقد طلب منه البعض الاهتمام بالدراسة فهو ممن يرجى ان يكون له شان في الحوزة العلمية، فكان يرد ويقول: « إن أسرع الطرق إلى الله الشهادة .
وضرب أعلى المثل والقيم السامية في ساحات الجهاد حتى انه وفي كثير من الاوقات يؤثر الآخرين على نفسه، فكان يعود من العمل الجهادي في أوقات متأخرة من الليل ومن المفترض أن يرتاح بعض السويعات؛ ليستعد لتعب اليوم الثاني، ولكن الشهيد كان يرفض حتى هذه الراحة الوقتية؛ فيخرج ليتفقد أحوال المجاهدين وحاجاتهم، وينقل أنه في أحد الأيام وجد أحد المجاهدين في حالة من البرد فخلع رداءه وأعطاه لذلك المجاهد، وكان يحرص - في كل ليلة على أن يبيت على الساتر وليس في مقر الاستراحة، وبقي على هذا الحال لحين استشهاده، فقد أصيب في باديء الأمر برصاصة في صدره عن طريق أحد القناصين الداعشيين في منطقة الصقلاوية وحاول اسعافه سائقه المجاهد البطل الشهيد حسين الولياني ولكن عند وصوله إليه استهدفه القناص في رأسه واستشهد قبل الشيخ لقمان، ثم أسعف الشيخ ونقل إلى (مستشفى الكاظمية) واستشهد فيها بعد يومين من الإصابة بتاريخ ٣/٢٥ ۲۰۱٦ بعد ان شارك في معارك بلد وسامراء والبو شجل والصقلاوية.
أوصى الشهيد رضوان الله عليه أن يُغسل في كربلاء المقدسة، وأوصى أيضاً- أن يقرأ له مجلس عزاء على السيدة الزهراء الا في صحن الإمام الحسين ، وكان يتمنى أن يحظى بتشييع كتشييع أخيه الشهيد الشيخ هاني الشمري احد شهداء الحوزة الابطال ويدفن بقربه ، وطلب من ولده (حسن) أن يحمل صورته ويتقدم الجنازة أثناء التشييع، وقد شاء الله أن شيّع تشييعاً كبيراً في النجف الأشرف لم تشهد الحوزة العلمية تشييعاً كبيراً قبله، ونفذت وصاياه وقرأ المجلس الذي اوصى به سماحة السيد المجاهد علي الحسني حفظه الله ، وقد اشترك بتغسيل جثمانه الطاهر الشهيد السعيد السيد عبد الرضا الفياض، والسيد لؤي الموسوي والسيد علي الحسني، كما صلى على جثمانه الطاهر الشيخ باقر الإيرواني.
بعد أن استشهد الشيخ لقمان رحمه الله كانت لعائلته الكريمة زيارة لمرجعنا الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف وسمعت العائلة كلمات الثناء من المرجع الاعلى مما هون عليهم الم المصاب ولوعة الفراق حتى انه دام ظله قام من مكانه وقال إن الشهيد الشيخ لقمان هو من نطفة طاهرة، وهو فخر لعائلته ولمنطقته وللبصرة.
رحم الله الشهيد السعيد الشيخ لقمان البدران، فقد كان عزاً للعراق وفخراً للبصرة الفيحاء
______________________________________________

المصدر: موسوعة فتوى الدفاع الكفائي، الجزء 15 جهود الحوزة العلمية في النجف الاشرف، ص15.
صور من الخبر