أدب فتوى الدفاع المقدسة
علي الفكيكي.. فارس الكلمة والبندقية
2025/09/03
في الثالث من أيلول، يتجدد الحزن بحلّة من الفخر، وتستيقظ الذاكرة على اسم يضيء بين أسماء الفداء.. إنّه علي كاظم الفكيكي، الشاب الذي اختار أن يخطّ بدمه سطوراً في سجلّ الخلود، ليغدو واحداً من حَمَلة راية فتوى الدفاع الكفائي، ورمزاً من رموز الإعلام الجهادي في سوح الوغى.
وُلد علي في بغداد في الثامن من تموز عام 1998، في بيت تربّى على الإيمان والغيرة، وتفتّحت روحه على قيم حب الوطن وخدمة الدين.
كان شاباً هادئاً، طيب القلب، محبوباً بين أهله وأصحابه، يحمل في ابتسامته بشائر الطمأنينة، وفي عينيه عزيمة من طراز خاص.
حين انطلقت فتوى المرجعية العليا عام 2014، كان عمره لا يتجاوز السادسة عشرة، لكن قلبه كان أكبر من سنّه.
حاول أهله ثنيه عن الذهاب لصغر سنّه، غير أنّ شوقه للشهادة وحنينه للذود عن الأرض والمقدسات كان أقوى من كل محاولات المنع.
التحق بصفوف اللواء 47 في الحشد الشعبي، حاملاً بندقيته بعد أن حمل قلمه وعدسته، ليكون مقاتلاً وموثقاً في آن واحد؛ شاهداً على بطولات رفاقه، وناقلاً صور النصر من قلب الميدان.
بدأت رحلته الجهادية في جرف النصر، ثم في الرمادي، ومنها إلى سامراء وتكريت وآمرلي. وفي كل معركة كان يُعرف بـ"علاوي صويرة"، الشاب المقدام الذي لا يهاب الموت، ولا يتراجع خطوة أمام العدو. لم يكن مجرد مقاتل في الخطوط الأمامية، بل كان روحاً متوقدة، يدفع بإيمانه رفاقه إلى الصمود، ويوثّق بعدسته لحظات لا تنسى من ملاحم الدفاع.
وفي صيف 2015، وصل علي إلى قاطع بيجي، حيث كانت المعارك على أشدّها. هناك أصيب في قدمه، وعاد في إجازة قصيرة، لكن قلبه لم يعرف الراحة، لم يمهله الجرح أن يشفى، فقد عاد مسرعاً إلى ساحات الوغى، كأنّ روحه تستعجل اللقاء بالشهادة. كان يعلم أن طريقه هذه المرة هو الأخير، ومع ذلك ابتسم ومضى.

وفي يوم الخميس، الثالث من أيلول عام 2015، ارتقى علي شهيداً في معارك تحرير بيجي بمحافظة صلاح الدين، تاركاً خلفه إرثاً ناصعاً من العطاء، ورسالة خالدة للأجيال بأن الدم والكلمة جناحان لا ينفصلان في معركة الدفاع عن العراق ومقدساته.

رحل علي الفكيكي في مقتبل العمر، لكنه رحيل يشبه البقاء. بقيت صورته محفورة في الذاكرة، خفيف الظل، ودوداً، محباً، لا يجرح أحداً، بل يترك أثراً من الطيبة حيثما حلّ.
رحل علي كما ترحل الحمامة البيضاء، لكن قلبه ظلّ يخفق بيننا، يذكّرنا أن الشهادة ليست موتاً، بل حياة أخرى، أبهى وأكرم.
لقد جسّد علي الفكيكي حقيقة الإعلام الجهادي؛ الإعلام الذي لا يكتفي بالجلوس خلف المكاتب، بل يخوض الميدان، يلتقط الصور تحت الرصاص، ويكتب بالدم حين تجفّ الحروف. هو فارس جمع بين البندقية والعدسة، بين الصدق والبسالة، فصار نموذجاً نادراً للشاب المؤمن، الذي يمشي على خطى علي الأكبر ابن الحسين (عليه السلام)؛ شاب في ريعان العمر، اختار أن يقدّم شبابه قرباناً من أجل كرامة وطنه، وعزّة عقيدته.
سلامٌ عليك يا علي يوم وُلدت، ويوم جاهدت، ويوم عرجت شهيداً إلى السماء.. وسلام على دمك الذي سيبقى يكتب للأجيال درس التضحية والشموخ.
صور من الخبر