أدب فتوى الدفاع المقدسة
هل بيهم.. مخلد الماجدي
2025/10/25
بقلم: - لبنى مجيد حسن
اخبريني ايتها الأم بأي عمل صالح رزقك الله ذرية مثل مخلد؟
وبأي كلمات دعاء تمتمت شفتاك ابتهالا يوم ولادته؟
اخبروني ايها الرجال بطلكم هذا كيف تستقبلونه؟
من منكم يشم عرق جهاده اولا؟
من منكم يحفظه في عائلته ويحنو عليها في غيابه؟
مخلد ابراهيم الماجدي، هذا الشاب البصري من اهل التنومة والذي لم يبلغ الثلاثين من عمره بعد، ما تلتقيه حتى يأخذك لعالم ارفع، تشرق فيه شمس الولاء لتجلي غيوم نفسك فتزداد بصيرة وثباتا...
اما لو شاركته في عملية قتالية، فأنك حائر لا محالة بين ضحكته التي تنعش نفسك المتعبة، ودمعته الحسينية الغزيرة التي لا يمكنه حبسها! بين بساطته وطيب قلبه، وبين عزمه وقوته امام العدو.
لذلك ليس غريبا ان تعرف انه التحق قبل الفتوى بيومين عندما تعرضت سامراء لخطر محدق، التحق على أثر اتصال واحد من مسؤوليه! نعم فقد كان يتطوع للخدمة في العتبة الحسينية ايام الزيارات طيلة سنواته الست الماضية، ولعل لتلك الخدمة اثرا فيهما وفق له من جهاد.
وليس غريبا ان يحمل حقيبته الصغيرة بكل عزم تاركا خلفه زوجة واولاداً واهلاً لم يفهموا كيف ولمن وأين؟ فالعراق كله كان على وشك الانهيار.
ليس غريبا ان يجازف، وهو يحاول كل جهده اقناع صاحب سيارة أجرة ان تقله من بغداد الى بلد في طريق يخلو من اي مركبة الا تلك التي كانت مرمية على جانبي الطريق الحوادث لا يعلم عنها شيئا. هناك على باب قاعدة بلد، وقف مسلما على الإمام الحسين، وهناك استأذن بالدخول فأذن له...
وسط ابتهاج الابطال في قاعدة بلد بوصول بطل اخر فوجئ الجمع بأن سيد مخلد لم يستخدم السلاح من قبل، ولكنه يعرف الإمام الحسين معرفة ترك معها كل شيء واستعد لأجلها في تعلم ليس غريبا ان دائرته التي بالكاد استطاع العمل فيها بعقد كانت ترسل له الانذار تلو الانذار بالفصل لانقطاعه، فلم يكن حينذاك مستند ما يثبت تفرغه لقتال.
ولكن انى لقلب ترك الاهل والولد ان يثنيه المال رغم شدة حاجته عن رغبته في الجهاد؟ حتى سخر الله من يساعده في تأخير الفصل حتى يأتي كتابه بعد اشهر..
يقول زميله ابو علي التحقت بفوجه بعد اربعة اشهر لاسنادهم ضد الدواعش، حيث كانوا قد تعرضوا لهجوم مستمر، التقيته على السطح الذي يرابط فيه سلمني السلاح واطمأن المعرفتي استخدامه، ونام الى جانبي من شدة التعب لمدة يومين من السهر والمرابطة، هكذا دون ان اعرف اسمه او يعرف اسمي وجدتنا اخوين بوجه الموت، حتى عندما اتصلت والدته تستعلم حاله وكانت على نار من القلق ناولني الموبايل لأحدثها انه بخير، في ذلك اليوم لم يخطئ قلب الوالدة، فبعد برهة قصيرة من الزمن اشتد التعرض فعلاً صوت احد الابطال واسمه ملا عقيل بذكر الحسين وزينب ، وكان (رادودا) ذا صوت شجي، فابكى السيد مخلدا بكاء مشتاق الى عذب الوصال، وصار يستزيده ثم كفكف دموعه فلا وقت للنوم والدعة، والعدو ما زال يقاتل، نهض والصلاة على النبي -- ترطب شفتيه، صارخا بكلمات تشد عزم الرجال، وفي غفلة من الزمن سقط سيد مخلد برصاصة قناص بحمد الله اخطأت موته لتصيبه في ظهره وكانت هذه اول اصابه له في بلد.
مخلد هذا لا يفتر عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل احواله، وهي صفة تلازمه وكانه يحيى بها القلوب الميتة؛ لذلك تجده دائم الثبات وكأنه جبهة لوحده يثير فيمن حوله مكامن البطولة والشجاعة، سيما حين يشتد القتال فيصرخ هلا بيهم.. هلابيهم) وكأنه يضحك في وجه الموت. عاد الى بلد بعد شفائه، وشارك بعدها في العلم والدور وتكريت وبيجي ومكحول متوكلا على الله تعالى بشكل عجیب مفوضا امره كله الله، ويزداد عزما كلما اشتد البأس.
في ايام الزيارة الاربعينية ولصعوبة الالتحاق لمن كان مجازا صمد مع عدة انفار يحمي موقعه متحديا هاونات الدواعش، ثم يرتأى ان يتصل ببديله قبل الهجوم، وهو ما زال في طريقه، ولكن ليس لطلب المساعدة ولا ليوصي على ام او ولد، بل ليتعهد له قائلا: -(ما ننطيها وما ننسحب).
وتتعالى اصواتهما لشد العزم فيمازحه بلهجته الجنوبية (ما ننطيها برجه)!
وهي كلمة صديقه هذا الذي صرخ بها في موقف بطولي آخر ويقصد لا نعطيها بسهولة، ويستميت
في الدفاع ولكن الوقت ليس وقت مزاح ...
وان كان ينقلنا لمزاح اصحاب الحسين الله ليلة عاشوراء، انتهى ذلك اليوم بشهادة اثنين من ابطال فوج سبع الدجيل، واصابة مخلد مرة أخرى في بداية الهجوم، رافضا -مع ذلك النزول وترك مكانه، ثم اصيب مرة اخرى بشظية في رأسه ليحمل بعدها الى المستشفى في بغداد.
ها هو محاور سيد مخلد يستمهله يوماً للشفاء، فيعتذر منه فقد شفي جرحه وعليه الالتحاق، لكن ابتسامته اختفت وهو يتذكر يوماً ما، كان فيه التحاقه يصادف مرض صغيرته مرضا شديدا، حاول ان يكلف احدهم بإرسالها إلى المستشفى، لكنه رفض معتبرا التحاقه تقصيرا في حق العائلة، وكأنه ذاهب في نزهة ! ماذا يفعل المجاهد حين يفقد من يسنده؟ رفع رأسه للسماء اقسم على الله بالحسين ال ليرعاها ثم مضى موجوع القلب وكان الله ارحم واكرم.
ما يشق عليه ايضا اصابته قديمة في قدمه اثر حادث تعيقه عن الركض بصورة جيدة اثناء المواجهات، ولكن فوق رأس هذا البطل يرفرف قلب ام تتابعه من بعيد، تنتظر يوم الوصل حين يجتمع الشمل لتنعم بوجوده، ومن آثار هذا الحب تناوله وجبة العشاء مرتين مرة مع عائلته الصغيرة ومرة مع والدته، فقلبه الحسيني يسع الجميع ولا يريد ان يكدر احدا ابدا.. هنيئا لقلبك الصابر بين عدو لدود ولائم يجهل معناك.. حفظك الله واثمر لك في ولدك من يكون كأبيه قرة عين...