أدب فتوى الدفاع المقدسة
الموصل هي نينوى!
2017/02/13
أ أنا كنتُ هذا؟! من أي طينة كنتُ؟! غريب أنا، وضائع، أتخبط يميناً، ثم شمالاً أبحث عن ذاتي، فلا أجد إلا بقايا ذكريات حالها حال الأطلال ،والغريب في الموضوع كنت أظنني سأبكي عليها كما بكى أمرؤ القيس، وإبراهيم ناجي ظاناً حال الدنيا هكذا!، ولكني لم أجد فيها نفسي!، ولم أشعر بأي شيء من الحنين، أو البكاء على الديار .
هذا ما دعاني أنْ أشك بولائي لوطني، وهل عاق أنا؟!، ولا أُحسن حب الديار، وأهلها!، أم كنتُ في وقتها مجرد جسد يبحث عن الطعام ليتشبث بأمل لعل الحياة يمنحها، والآن أصبحت أنساناً، وبصورة أدق صرتُ عاشقاً لأرض لم أولد فيها.
فرحت أسعف نفسي، وأبحث الغفران، وأناجيها (يا غياث المستغيثين ،ويا أمل الآملين..)،لأطلب منها أن تتجردد من العواطف، وتكون منهجية، وتحلل ما الخلل الذي جعلني أركب القارب تارة، وتارة أشتري جواز ليس لي، أو أسعى بالمجهول لعلي أجد شبراً خالٍ منها! ،أ لم أعش في هذه الأرض؟! ،وكان لي من الأهل ،والأصدقاء يتهامسون فيها؟!، بل لم يزل بقاياهم، فحاولي أنْ تجدي مبرراً لهذا الأنقلاب الذاتي! .
لامستُ أناملي ما تبقى من لحيتي، وأخذني التذكر لأشياء كثيراً، وكثيراً، فعندما قُطيعتْ أخر شعرة بعد العبث الكثير بها تفطنتُ لشيءٍ عالقٍ في ذهني، بل راسخ فيه:أنا، وشقيقي الأكبر نخرج من باب المدرسة -مصطفى جواد (الخططي بالزوراء ،واللغوي المعروف)- أول الطلاب ،فأسأل نفسي أ مرثون باريس مفروض علينا يومياً أم هذا المرثون جزء من الإنتماء لهذه المدرسة ؟!، فأخي يرغمني على وضع حقيبتي بما فيها من كتبي، وقراطيسي على رأسي، ثم يصرخ بصوتٍ يشبه الرصاصة التي يطلقها حكم المرثون ،فأجري بكل قوة، وهو خلفي، وما يزال الصوت يرغمني على الجري ،فكأنه حارسي الشخصي ،فأركض ،و يركض ،وأجد جميع طلاب مدرستنا يركضون خلفنا ،و بصوت واحد ( رافضية ... رافضية )، وبيدهم الحجارة التي تمطر علينا سجيل، حينها لم أبلغ السابعة من عمري، و يومها أيضاً تابعتُ بإهتمام بالغ معلمتي ،وهي تشرح سبب تسمية عام الفيل ،وما هي حجارة السجيل ،فتنظر ألي كل برهة! ،وتقول هل عرفت هذه الحجارة ،وأسنانها تظهر خلف ستار مطلي بالحمرة المسودة ؟! ظننتُ أنها أتفقت مع إبرهة، فأختارني، وأستقدمني لأزيل الكعبة!، وأقتل رسول الله (صلى الله عليه،وآله و سلم )، ليحجوا العرب لتلك الكنيسة! ،أو إنّ معلمتي أشارت لطلاب مدرستنا برمي رأسينا بالحجارة ،فهي إحدى الحدود التي استغلتها داعش في مدينتي للتخلص من الإنسان بصورة عامة، ومن التنوع، والتعدد بصورة خاصة، أهاا لربما إنّا طالبنا بطفولتينا ،وهي ممنوعة عندهم ،وخصوصاً في هذه المدرسة التي لم نحس يوماً أننا منتميان إليها ،فهي متخصصة بالتدريب البدني، وكيف نسقط من إرتفاعات شاهقة كالعناكب التي تخيم على بيت لتجعل الزهور لا يُرى منها إلّا الأشواك، بل لربما الأحزمة التي نرتديها في التمارين تجعلني أقرف من إنسانيتي!، وكانت معلمتي منهم، والدليل على ذلك رأيتها مرات على مكتبها في الخلسة تكتب التقارير يومياً لتعطيها لأحد البعثيين، ويوماً أخر تشتغل بنكاح الجهاد، ولذا تهمتنا كما جاء على لسان المستنكحين عفواً على يد أحد قضاة داعش بالخيانة التي من شأنها قطع عنقينا؟! .
طأطأت رأسي كثيراً، ثم قلتُ ألا تكتفين يا دجل الخير يا أم البساتين؟! فقد أخذ منّا زوجك المسمى ( الفرات )، وفي العلقمي سيد الروض؟! ما بال النهرين منّا؟! شحا الحياة علينا ألم يخلقان ليمنحا الحياة لكل شيء حي؟!، يا جواهري ويا إبن الفرات لما تغزلتَها، و عاتبتَها، وناجيتَها، وناغيتَها، ألم ترضعك الغربة، ثم الهجران، وحتى هويتك سحبتها!، والذي حيرني، وأرقني لماذا لم تهجها، أوحتى لم تعاتبها؟!.
وإذا بصوت من الغري يهتف يسمع جميع أهل نينوى قد جاءكم رجال الله بفتوى الواجب الكفائي ركضتُ مسرعاً، وقلبي يهتف دجلة لي، والفرات، هذا تاريخي سأنقشه بيدي، وناديتُ أخي الذي يسكن مخيمات طريق ياحسين بعدما أخذوا أرضنا هلم نحزم أمتعتنا، ولنحرق تلك المدرسة، ومعلمتها الملعونة.