أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشهيد حيدر الربيعي.. من عدسة المجالس إلى ميدان الشرف
2025/07/29
بقلم \ اكرم علي الداوودي

قصة شاب خطّ ملاحم البطولة بعد أن ترجل عن منصة الخدمة ليحمل بندقية الدفاع عن الدين والوطن في عالم تسكنه الملذات وتزدحم فيه الرغبات، اختار أن يسلك درباً لا يسلكه إلا الأوفياء..
لم تغره حياة الراحة ولا استهوته مقاعد الترف، بل شدّ رحاله نحو درب العطاء الأبدي، مستجيباً لنداء المرجعية العليا في فتوى الدفاع الكفائي، ليكون أحد أبطال ميادين الشرف الذين لبوا النداء وكتبوا التاريخ بدمائهم الزكية.
ولد الشهيد حيدر طارق الربيعي عام 1994 في قضاء الخالص بمحافظة ديالى، ونشأ في بيت يزخر بالقيم الأصيلة والمبادئ الراسخة. أنهى دراسته في المعهد التقني – بعقوبة / قسم الميكانيك، وتزوّج بعد تخرجه، ليكوّن أسرةً صغيرة مكونة من زوجته وطفلين كانا يشكّلان عالمه الخاص، وابتسامته المشرقة التي لم تفارق محياه.
لم يكن حيدر كباقي الشباب في سلوكه واهتماماته، فقد عرف منذ نعومة أظفاره بحبّ العمل التطوعي، وكانت له بصمة متميزة في النشاطات الدينية والاجتماعية. انضم إلى كشّافين الإمام الحسين (عليه السلام) في ديالى، وكان من أركان الفعالية والنشاط في هذه المجموعة المباركة، مساهماً في كل فعالية أو نشاط بروحه المتوثبة وعزيمته القوية.
أبدع الشهيد في فن التصوير، لا سيما في توثيق المجالس الحسينية، حيث كانت عدسته تلتقط المشاعر المضمّخة بالحزن والولاء، وكان يقيم معارضاً للصور الحسينية سنوياً في شهر محرم الحرام، ينقل من خلالها روح الشعائر وقدسية الذكرى. وخلال الزيارات الأربعينية، كان أحد خدّام موكب أنين الطف، حيث كان يقدم جهده وخدمته بإخلاص ودون مقابل، محتسباً الأجر عند الله وحده.
تميز حيدر بوجهٍ بشوش، وابتسامة دائمة، وخلقٍ رفيع جعله محبوباً من الجميع. كان مضرب مثل في حب الناس، وخدمة الآخرين، ونكران الذات، حتى صار اسمه مرادفاً للطيبة والإيثار في محيطه، وذكراه الطيبة لا تزال حيّة في قلوب كل من عرفه أو تعامل معه.
لكنّ الشاب الحالم لم يتوقف عند حدود الخدمة، بل آمن أن الواجب الحقيقي لا يكتمل إلا حين يُذاد عن حياض الوطن والمقدسات، فقرر أن ينضم إلى صفوف المجاهدين في الحشد الشعبي، ملبيًا فتوى الدفاع الكفائي المباركة. واختار بنفسه أن يكون في قاطع جرف النصر، واحدة من أكثر المناطق سخونة في المواجهة مع قوى الشر والإرهاب.

امتزجت خبرته العلمية بدراسته في الميكانيك مع واجبه الجهادي، فتخصص في العمل على الطائرات المسيّرة والصواريخ، مجندًا علمه في سبيل الدفاع عن الأرض والدين والمقدسات، في مشهد قلّ نظيره، يجمع بين الذكاء التقني والبسالة القتالية.
في فجر يوم الأربعاء الموافق 22 تشرين الثاني 2023م، وأثناء تأديته الواجب في جرف النصر، قامت الطائرات الأمريكية المعادية بشن غارات غادرة استهدفت مقار الحشد الشعبي. ارتقى على إثرها الشهيد حيدر طارق الربيعي إلى الرفيق الأعلى، عن عمر ناهز 29 عامًا، تاركًا خلفه أرثًا من الفخر والمجد، وذكرى عطرة تتوشح بالعزّ والبطولة.
لقد رحل حيدر.. لكن صور المجالس التي وثقها بعدسته لا تزال تنطق بولائه، وساحات الوغى تشهد بشجاعته، وأطفاله يكبرون على حكاية والدهم الذي قدّم حياته ليعيشوا أحرارًا مرفوعي الرأس، وتبقى قصته عنوانًا خالدًا لتلك القلوب التي لم تضعف، ولم تتردد يوم نادى المنادي: (حيّ على الجهاد).
رحم الله الشهيد البطل حيدر الربيعي، وجعل مقامه مع سيد الشهداء وأصحابه الأخيار، وألحقنا به على نهجه المشرق، ثابتين مخلصين.