أدب فتوى الدفاع المقدسة
القراءة العسكرية لفتوى الدفاع المقدسة في تحقيق النصر على الاٍرهاب العالمي
2017/11/26
خلال سياقات العمليات العسكرية، عندما تفقد القوات المدافعة المباداة نتيجة هجوم مباغت يؤدي الى انهيار مفاجئ في الموضع الدفاعي فان القيادة بالمستويات العليا تعمل فورا على ان تكون لديها خطط جاهزة لإيقاف زخم المهاجم اولا و استعادة المباداة و من ثم الشروع يشن هجوم مقابل لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها القوات الهاجمة. حيث تحتفظ القوات في كافة المستويات التعبوية العملياتية و السوقية بقوات الاحتياط يتم زجها في هكذا مواقف لمعالجتها.

ان هذه العمليات و نجاحها يتطلب استنزاف جهد و موارد بشرية و إعداد و ممارسات و وقت قبل البدء بالشروع بالهجوم المقابل.
دق الانهيار السريع و المفاجئ لقوات الجيش العراقي إبان نكسة الموصل في حزيران ٢٠١٤ ناقوس انهيار العراق في احداث متسارعة لم يشهده العراق بعد ٢٠٠٣، كان ذلك يمثل نذيرا بانهيار شامل في العراق سياسيا و عسكريا بعد ان تواردت الأخبار بان تنظيم داعش الإرهابي بدا بالتقرب على العاصمة بغداد (مركز الثقل و الهدف الاستراتيجي الاول) اضافة الى تهديد التنظيم باحتلال كربلاء و النجف المركزين الإسلاميين الأكثر أهمية للشيعة في العالم لاحتوائهما على المراقد المقدسة لأئمة الاسلام عموما و الشيعة على وجه الخصوص.
كان كل شي ينذر بما هو اسوء. ان واحد من اسوء المواقف التي تمر على القيادات العسكرية بمستوى السوق هو فقدان القيادة و السيطرة على القوات في مناطق العمليات و عندها تنهار معنويات القطعات و القادة و الضباط و المراتب و يصبح الانهيار أشبه بتساقط قطع الدومينو. و هذا بالفعل ما حدث في حزيران عام ٢٠١٤. حيث تركت القطعات اسلحتها بدون مبرر و بدون حتى التعرض لهجمات من قبل العدو كما حدث في الحويجة و باقي مناطق كركوك و ديالى و صلاح الدين كان انكسارا كبيرا بلمعنويات و شعورا مرا بالهزيمة.
لم يكن للقيادة العامة للقوات المسلحة القدرة بالتعاطي مع هذه الأحداث التي لم تتوقعها بالأساس ففقدت المباداة و القيادة و السيطرة و حتى الاحتياط السوقي المتيسر لم يكن بالامكان الزج به و إيقاف زخم هجمات داعش لسعة و كبر حجم الجبهات و المناطق التي سقطت بيد التنظيم حيث امتدت الى تكريت و الحويجة و مناطق غرب الرمادي و الرمادي فيما بعد و مناطق شرق ديالى وصولا الى امرلي.
ضمن سياق العمليات العسكرية و في هكذا ظروف فان ايقاف زخم هجوم العدو يعتمد على قوات العدو نفسه في إيقاف امتداد هجماته ضمن الخطة العامة له ففي كل الأحوال هو لا يريد ان يمتد الى ما هو ابعد من قدرات إدامة قواته و توسيع طرق إمداداته.

لم يكن سهلا على القيادة العامة للقوات المسلحة استعادة زمام المبادرة، فلقد كانت مقيدة في ضوء محدودية الموارد و النقص الكبير في القوات نتيجة انهيار أربعة فرق و عدم المجازفة في زج الاحتياط السوقي او القدرة على المناورة في تحرير قطعات و تحريكها من قاطع الى قاطع مع العرض ان قوات الجيش تم استنزاف قسم منها في معارك في قاطع الفلوجة التي سقطت بيد التنظيم في بداية عام ٢٠١٤. كل ذلك حدث خلال ثلاثة ايام من ٩ - ١٢ حزيران عام ٢٠١٤.

في يوم الجمعة ١٣ حزيران ٢٠١٤ و خلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء أعلنت المرجعية العليا في النجف الأشرف ممثلة بمرجعية أية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله) فتوى الدفاع الكفائي و كانها وضعت تقدير موقف متكامل للوضع السياسي و الأمني من خلال قرأءة كل الحقائق و العوامل المؤثرة و ناقشتها مع وضع التوقعات المستقبلية و أكملتها بدراسة الخيارات المتاحة لتضع القرار الملائم الذي يرجع الأمور الى نصابها. في السياقات العسكرية نطلق على هذا السياق (تقدير موقف المعركة) و فيه مستويات تعتمد على مستوى العملية و المكان و حجمه الذي تجري فيه العملية بالاضافة الى تأثير القرار المتخذ على كافة العمليات الجارية و امكانية حسم المعركة مع العدو في كافة الجبهات و القواطع. كانت الفتوى بمثابة قرار لتقدير موقف استراتيجي حيث كانت نتائجها مؤثرة على المستوى السوقي و قلبت معادلة الأحداث و اعادت كفة التوازن في صالح القوات العراقية التي تحاول جاهدةً الاستفادة من كل الموارد المتيسرة من وحدات و تشكيلات و رفع معنوياتها.
لقد كان فحوى فتوى الدفاع الكفائي دعوة كل من يسمح له الظرف من الرجال الانخراط في القوات الأمنية للدفاع عن العراق ضد هذه المجاميع الإرهابية.
لعبت هذه الفتوى دورا كبيرا في سد النقص الحاصل في القوات و حولت الانهيار الحاصل و الذي كان وشيكا الى زخم و طاقة لإيقاف زخم الهجمات و أربكت مخططات الأعداء و كانت دفعة لمعنويات القوات العراقية و الشعب العراقي الذي كان يتوقع الاسوء قبل ذلك.
لقد اختصرت الفتوى وقتا و جهدا و موارد للقيادة العسكرية في استعادة المباداة من تنظيم داعش و تحويل صفحات القتال الى الهجوم المقابل و استعادة المناطق التي سيطر علرشاد العيساوي:
يها.
عسكريا ان الفتوى حققت ما تعجز عنه قدرات جيوش عالمية بكافة عددها و عدتها لإيقاف تنظيم ارهابي خارج عن السيطرة.
أستطيع القول و من خلال دراستي المتواضعة في العلوم العسكرية و خبرتي في العمليات العسكرية ان الفتوى فاقت في وقت صدورها تصورات و توقعات الكثير من المخططين و المحللين العسكريين الذين كانوا يضعون خططا عسكرية تمتد لعشر سنوات للقضاء على هذا التنظيم المسخ.
في المنطوق السياسي و في المواقف السياسية هناك مصطلح يطلقه المختصين عندما يكون هناك ظرف أو موقف سياسي متأزم و يستخدم احد اللاعبين اداة أو قدرات مؤثرة من أدوات السياسية لتغيير الموقف السياسي ليكون في صالح هذا الطرف هو (The Game Changer) أو مغير قواعد اللعبة. نعم كانت فتوى الدفاع الكفائي اداة مؤثرة من أدوات تغيير قواعد اللعبة السياسية و العسكرية في المواجهة ضد داعش و من خلالها بدأت نهاية داعش و استمرت لثلاث سنوات و اكثر ليعلن يوم أمس انتصار العراق و من خلاله انتصارا للعالم على اشرس عدو في تاريخ العراق.
سيحفظ التاريخ لمرجعية السيد السيستاني حفاظه على وحدة العراق و بفتواه العظيمة دحر اعتى عدو للانسانية. و اذا كان للعالم اجمع ان ينسب النصر على الاٍرهاب العالمي لاهله فلابد ان يذكر و يطرز باحرف من نور هذه الفتوى حيث كنّا و لازلنا ندعو ان تكون مواجهة التطرّف الذي يستند الى ايديولوجيا إسلامية متطرفة من خلال المرجعيات و المدراس و مراكز الفكر الدينية و ليس من خلال تجييش الجيوش الغربية التي قد تستغلها التنظيمات الإرهابية في تعبئة الجمهور و ايقاد حماسهم كعذر على انها مواجهة بين المسلمين و الصليبين و بهذا نفقد اهم عامل في تحييد الاٍرهاب العالمي.
ان قيادة مرجعية السيد السيستاني المواجهة ضد التطرّف الذي يمثله داعش هي رائدة ضمن هذه المفاهيم و على العالم الاسلامي اتباعه و تعميمه ليشمل نبذ كل التطرّف في الاسلام و تقديم صورة الاسلام المعتدل الذي لا ينخرط في النزاعات السياسية بين الشرق و الغرب حول مصالح و تقاسم مناطق النفوذ.
ان العالم مدعو للاعتراف بجهود الحوزة العلمية في النجف في دورها الريادي لمواجهة الاٍرهاب العالمي.
كما اننا نتطلع الى مرجعية النجف المتمثّلة بمرجعية أية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله ان يكون حاميا لوحدة العراق و ان يعمل على الدعوة الى نزع سلاح المجاميع المسلحة التي اشتركت بشرف في دحر داعش و قدمت التضحيات الجسام المشهودة أو دمجها مع القوات المسلحة و عدم تسيسها او ادلجتها كي تكون ظهيرا حاميا لمصالح العراق العليا و أمنه و أمن شعبه.
ان واحدا من اهم اسباب ظهور داعش هو الاستقطاب الطائفي السني الشيعي و محاولة داعش إظهار نفسها بأنها الحامي للسكان السنة ضد الشيعة. ان نزع فتيل ذلك يتم من خلال عدم السماح بتشكيل تشكيلات مسلحة خاصة بطائفة ما و يتم ادلجتها لغايات و أهداف سياسية في منطقة ملتهبة كالعراق.
كما نتطلع ان يدعو المرجع الاعلى العشائر الى نزع سلاحها و و الانخراط في بناء دولة المؤسسات و القانون ليكون مستقبل العراق و ابناءه امنا.

العميد الركن والخبير العسكري المغترب في واشنطن اسماعيل السوداني