أدب فتوى الدفاع المقدسة
القراءة العسكرية لفتوى الدفاع المقدسة للمرجعية في تحقيق النصر على الإرهاب العالمي
2018/05/03
خلال سياقات العمليات العسكرية، عندما تفقد القوات المدافعة المباداة نتيجة هجوم مباغت يؤدي الى انهيار مفاجئ في الموضع الدفاعي فان القيادة بالمستويات العليا تعمل فورا على ان تكون لديها خطط جاهزة لإيقاف زخم المهاجم اولا واستعادة المباداة ومن ثم الشروع يشن هجوم مقابل لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها القوات الهاجمة. حيث تحتفظ القوات في كافة المستويات التعبوية العملياتية و السوقية بقوات الاحتياط يتم زجها في هكذا مواقف لمعالجتها.
ان هذه العمليات ونجاحها يتطلب استنزاف جهد وموارد بشرية وإعداد وممارسات ووقت قبل البدء بالشروع بالهجوم المقابل.
دق الانهيار السريع والمفاجئ لقوات الجيش العراقي إبان نكسة الموصل في حزيران ٢٠١٤ ناقوس انهيار العراق في احداث متسارعة لم يشهده العراق بعد ٢٠٠٣، كان ذلك يمثل نذيرا بانهيار شامل في العراق سياسيا و عسكريا بعد ان تواردت الأخبار بان تنظيم داعش الإرهابي بدا بالتقرب على العاصمة بغداد (مركز الثقل و الهدف الاستراتيجي الاول) اضافة الى تهديد التنظيم باحتلال كربلاء و النجف المركزين الإسلاميين الأكثر أهمية للشيعة في العالم لاحتوائهما على المراقد المقدسة لأئمة الاسلام عموما والشيعة على وجه الخصوص.
كان كل شي ينذر بما هو اسوء. ان واحد من اسوء المواقف التي تمر على القيادات العسكرية بمستوى السوق هو فقدان القيادة و السيطرة على القوات في مناطق العمليات وعندها تنهار معنويات القطعات والقادة والضباط والمراتب ويصبح الانهيار أشبه بتساقط قطع الدومينو. وهذا بالفعل ما حدث في حزيران عام ٢٠١٤. حيث تركت القطعات اسلحتها بدون مبرر وبدون حتى التعرض لهجمات من قبل العدو كما حدث في الحويجة وباقي مناطق كركوك وديالى وصلاح الدين كان انكسارا كبيرا بلمعنويات و شعورا مرا بالهزيمة.
لم يكن للقيادة العامة للقوات المسلحة القدرة بالتعاطي مع هذه الأحداث التي لم تتوقعها بالأساس ففقدت المباداة والقيادة والسيطرة وحتى الاحتياط السوقي المتيسر لم يكن بالامكان الزج به وإيقاف زخم هجمات داعش لسعة وكبر حجم الجبهات والمناطق التي سقطت بيد التنظيم حيث امتدت الى تكريت والحويجة ومناطق غرب الرمادي والرمادي فيما بعد ومناطق شرق ديالى وصولا الى امرلي.
ضمن سياق العمليات العسكرية وفي هكذا ظروف فان ايقاف زخم هجوم العدو يعتمد على قوات العدو نفسه في إيقاف امتداد هجماته ضمن الخطة العامة له ففي كل الأحوال هو لا يريد ان يمتد الى ما هو ابعد من قدرات إدامة قواته وتوسيع طرق إمداداته.
لم يكن سهلا على القيادة العامة للقوات المسلحة استعادة زمام المبادرة، فلقد كانت مقيدة في ضوء محدودية الموارد والنقص الكبير في القوات نتيجة انهيار أربعة فرق وعدم المجازفة في زج الاحتياط السوقي او القدرة على المناورة في تحرير قطعات وتحريكها من قاطع الى قاطع مع العرض ان قوات الجيش تم استنزاف قسم منها في معارك في قاطع الفلوجة التي سقطت بيد التنظيم في بداية عام ٢٠١٤. كل ذلك حدث خلال ثلاثة ايام من ٩ – ١٢ حزيران عام ٢٠١٤.
في يوم الجمعة ١٣ حزيران ٢٠١٤ وخلال خطبة صلاة الجمعة في كربلاء أعلنت المرجعية العليا في النجف الأشرف ممثلة بمرجعية آية الله السيد علي السيستاني (دام ظله) فتوى الدفاع الكفائي وكانها وضعت تقدير موقف متكامل للوضع السياسي والأمني من خلال قرأءة كل الحقائق والعوامل المؤثرة وناقشتها مع وضع التوقعات المستقبلية وأكملتها بدراسة الخيارات المتاحة لتضع القرار الملائم الذي يرجع الأمور الى نصابها.
في السياقات العسكرية نطلق على هذا السياق (تقدير موقف المعركة) و فيه مستويات تعتمد على مستوى العملية والمكان وحجمه الذي تجري فيه العملية بالاضافة الى تأثير القرار المتخذ على كافة العمليات الجارية وامكانية حسم المعركة مع العدو في كافة الجبهات والقواطع.
كانت الفتوى بمثابة قرار لتقدير موقف استراتيجي حيث كانت نتائجها مؤثرة على المستوى السوقي و قلبت معادلة الأحداث واعادت كفة التوازن في صالح القوات العراقية التي تحاول جاهدةً الاستفادة من كل الموارد المتيسرة من وحدات و تشكيلات ورفع معنوياتها.
لقد كان فحوى فتوى الدفاع المقدسة دعوة كل من يسمح له الظرف من الرجال الانخراط في القوات الأمنية للدفاع عن العراق ضد هذه المجاميع الإرهابية.
لعبت هذه الفتوى دورا كبيرا في سد النقص الحاصل في القوات و حولت الانهيار الحاصل و الذي كان وشيكا الى زخم وطاقة لإيقاف زخم الهجمات و أربكت مخططات الأعداء و كانت دفعة لمعنويات القوات العراقية و الشعب العراقي الذي كان يتوقع الاسوء قبل ذلك.
لقد اختصرت الفتوى وقتا وجهدا وموارد للقيادة العسكرية في استعادة المباداة من تنظيم داعش و تحويل صفحات القتال الى الهجوم المقابل و استعادة المناطق التي سيطر علیها عسكريا.
ان الفتوى حققت ما تعجز عنه قدرات جيوش عالمية بكافة عددها و عدتها لإيقاف تنظيم ارهابي خارج عن السيطرة.
أستطيع القول و من خلال دراستي المتواضعة في العلوم العسكرية و خبرتي في العمليات العسكرية ان الفتوى فاقت في وقت صدورها تصورات و توقعات الكثير من المخططين و المحللين العسكريين الذين كانوا يضعون خططا عسكرية تمتد لعشر سنوات للقضاء على هذا التنظيم المسخ.
في المنطوق السياسي و في المواقف السياسية هناك مصطلح يطلقه المختصين عندما يكون هناك ظرف أو موقف سياسي متأزم ويستخدم احد اللاعبين اداة أو قدرات مؤثرة من أدوات السياسية لتغيير الموقف السياسي ليكون في صالح هذا الطرف هو (The Game Changer) أو مغير قواعد اللعبة.
نعم كانت فتوى الدفاع المقدسة اداة مؤثرة من أدوات تغيير قواعد اللعبة السياسية و العسكرية في المواجهة ضد داعش ومن خلالها بدأت نهاية داعش واستمرت لثلاث سنوات و اكثر ليعلن يوم أمس انتصار العراق و من خلاله انتصارا للعالم على اشرس عدو في تاريخ العراق.
سيحفظ التاريخ لمرجعية السيد السيستاني حفاظه على وحدة العراق وبفتواه العظيمة دحر اعتى عدو للانسانية. واذا كان للعالم اجمع ان ينسب النصر على الاٍرهاب العالمي لاهله فلابد ان يذكر ويطرز باحرف من نور هذه الفتوى حيث كنّا ولازلنا ندعو ان تكون مواجهة التطرّف الذي يستند الى ايديولوجيا إسلامية متطرفة من خلال المرجعيات والمدراس ومراكز الفكر الدينية وليس من خلال تجييش الجيوش الغربية التي قد تستغلها التنظيمات الإرهابية في تعبئة الجمهور وايقاد حماسهم كعذر على انها مواجهة بين المسلمين و الصليبين وبهذا نفقد اهم عامل في تحييد الاٍرهاب العالمي.
ان قيادة مرجعية السيد السيستاني المواجهة ضد التطرّف الذي يمثله داعش هي رائدة ضمن هذه المفاهيم وعلى العالم الاسلامي اتباعه وتعميمه ليشمل نبذ كل التطرّف في الاسلام وتقديم صورة الاسلام المعتدل الذي لا ينخرط في النزاعات السياسية بين الشرق و الغرب حول مصالح و تقاسم مناطق النفوذ.
ان العالم مدعو للاعتراف بجهود الحوزة العلمية في النجف في دورها الريادي لمواجهة الاٍرهاب العالمي.
كما اننا نتطلع الى مرجعية النجف المتمثّلة بمرجعية أية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله ان يكون حاميا لوحدة العراق وان يعمل على الدعوة الى نزع سلاح المجاميع المسلحة التي اشتركت بشرف في دحر داعش وقدمت التضحيات الجسام المشهودة أو دمجها مع القوات المسلحة وعدم تسيسها او ادلجتها كي تكون ظهيرا حاميا لمصالح العراق العليا وأمنه وأمن شعبه.
ان واحدا من اهم اسباب ظهور داعش هو الاستقطاب الطائفي السني الشيعي و محاولة داعش إظهار نفسها بأنها الحامي للسكان السنة ضد الشيعة. ان نزع فتيل ذلك يتم من خلال عدم السماح بتشكيل تشكيلات مسلحة خاصة بطائفة ما ويتم ادلجتها لغايات و أهداف سياسية في منطقة ملتهبة كالعراق.
كما نتطلع ان يدعو المرجع الاعلى العشائر الى نزع سلاحها و الانخراط في بناء دولة المؤسسات و القانون ليكون مستقبل العراق و ابناءه امنا.

العميد الركن والخبير العسكري اسماعيل السوداني