أدب فتوى الدفاع المقدسة
عباس الحافي ...!!
2018/12/10
كانت النباعي مدينة ميتة كل شيء فيها مهجور ومخيف حيث معامل الحصى والعجلات المتروكة وأعمدة واسلاك الكهرباء المتساقطة في كل مكان في الدروب الترابية التي تتفرع من عدة زوايا وكان الجو معتدلا متربا  عندما جلست الى جانب شاب صغير من ميسان لم يخط شاربه بعد والبندقية تبدو  كبيرة بيده على مكان اشبه بالتل الترابي لطريق يتصل بمناطق الدواعش تم قطعه بالتراب ..
كان التراب يغطي ملامحه وملابسه وكان يلبس نعالآ بقدميه..
حاولت ان امازحه او افتح حديثآ معه فقال لي بلهجة جنوبية (خوية ترة مالي خلكك كفيلك العباس وما اريد احجي خاف الك نية تسولف وياي اني من العمارة من الميمونه عمري ١٧سنة والبندقية مال جدي والنعال مال خالي وحذاء ما عندي والجواريب مال ولد نزل لأهله وعايفهن يمي بعد عندك شي ).
فقلت له ..لهالدرجة انت ضايج مني..
فقال لي وهو يجلس على الارض لا والله ما ضايج بس اني مريض والحمزة ابو احزامين والكلام مو زين عليه وبردان كلش من رجليه واني بالاساس عندي روماتزم ..!!
امسكت قدمه  واردت ان اقيسها بيدي لعلها تأتي على قياسه فأعطيه حذائي ..
فقال لي(( ..وروح ابوي ما اخذها لو تصير مدرعه مو حذاء من كل عقلك اخذ حذائك والدنيا بردت بعد اشوي الفها بوصلة وتدفه ..))
فشلت كل محاولاتي في اقناعه فقال لي وهو يبحث في الارض عن كطف سكارة..خويه اني طبعي طبع دراويش لا حسبالك طفل وما خاط شاربي ومن اجيت لهناه ترة بعقل مو بعاطفه .. 
بالميمونة عندي كاروبة اشتغل بيها انقل حلال وزرع ومعيش روحي واهلي ومن صارت حرب داعش حلمت جماعة ماخذين بنات السلف وحاطينهن بالكاروبة يفترون بيهن ويصيحون للبيع ببلاش ..
فزيت سولفت الحلم لجدي صفك بيده وامي كالت كاروبتك بيها عطل وثاني يوم نفس الحلم وابوي المرحوم اجاني بالطيف وكالي بويه عباس روح للجبهة ترة اخواتك وبنات عمك وبنات السلف ينباعن صدك ...
كعدت الصبح سولفت الحلم انطاني جدي البندقية وامي انطتني اوزار ابوي هالتشوفني محزم بيه وهاي صارلي شهرين ما شايفهم ...
تيبست الكلمات في فمي واحسست بعطش شديد رغم برودة الجو المتصاعدة كلما اقتربنا من غروب الشمس ..من هذا الصبي الذي ترك اهله وكاروبته ونسي مرضه وجاء للساتر في ارض موحشة ..
اخرج عباس من جيبه كيسآ صغيرآ من التمر ووضعه امامي وجلسنا نأكل منه سوية ثم قال لي انت ما كتلي شسمك خويه منين ..فقلت له اسمي احمدلعيبي من بغداد..
فقال لي انت تكتب مو شفت بيدك دفتر فقلت له نعم ..
فقال لي خل اكمل سالفتي لعد خاف تريد يوم تكتب عني ..اني بالرابع ادبي واحب بنية من طوايفنا بس ابوها شيخ وما انطوها لان اني مريض وظليت احبها وبيوم التحقت صح عندي تلفونها بس ابوها حلفني ما اخابرها واكطع علاقتي بيها فوديت امي عليها تكلها تبريني الذمة ..تدري شكاليه لأمي ..كايلتلها كولي لعباس بيناتنا العباس حلمت بيه عريس وماخذ وحدة تخبل ..وداير وجهه عني وكوليله خويه مبري الذمة..
لا اعلم في هذا اللحظات لماذا بكى عباس رغم انه كان يتكلم ويضحك ويأكل التمر ..!!
بكى بحرقة شديدة ثم قال لي خوية البنية ماتت اتكهربت وماتت وحتى ما حضرت فاتحتها صار عدنا هجوم هنا قوي بسيارات مفخخة وما رحت ..
سلمت على عباس وودعته وبعد اربعة اشهر حضرت احتفالا في النباعي لتأبين الشهداء وكنت انا عريف الحفل وبين الشهداء ال ٢٣ كانت صورة عباس وهو يبتسم وبيده بندقيته ووزار ابيه ..
ولكنه كان في الصورة حافي القدمين...!!

احمد لعيبي / كتابات في الميزان