أدب فتوى الدفاع المقدسة
ما وراء فتوى الدفاع المقدسة
2020/03/03
سلسلة المقالات المشاركة في مسابقة أفضل مقال
المقامة ضمن فعاليّات مهرجان فتوى الدفاع المقدّسة الثقافيّ الرابع
تحت شعار: (أنتم فخرنا ومن نباهي بهم سائر الأمم)
(ما وراء فتوى الدفاع المقدسة)
من الشائع أن صدور (فتوى الدفاع المُقدسة) أنما جاءت لردع خطر عصابات داعش، حينما هدّدت وحدة الشعب العراقي ومُقدساته, ولكن الأمر ليس كذلك على ما يبدو عند المرجعية العليا وعند مُتتبعي مواقفها على أقل تقدير، فبعد أكثر مِن عام على صدور (الفتوى) وتحديدا ً في 20/8/2015م كانت المرجعية العليا قد صرّحت بأن (الفساد وسوء استخدام السلطة) من قبل مَن تصدّوا للحكم, كانا السبب الحقيقي (الكامن) وراء اضطرارها لإطلاق (الفتوى).
ففي جواب لها عن أحد أسئلة وكالة الصحافة الفرنسية في 20/8/2015م قالت: (من المؤكد أنّه لولا استشراء الفساد في مختلف مؤسسات الدولة ولاسيّما المؤسسة الأمنية, ولولا سوء استخدام السلطة ممن كان بيدهم الأمر لما تمكّن تنظيم داعش الإرهابي من السيطرة على قسمٍ كبيرٍ من الأراضي العراقية, ولما كانت هناك حاجة الى دعوة المرجعية العليا للعراقيين الى الالتحاق بالقوّات المسلّحة للدفاع عن الأرض..).
نفهم من النص: أن الفساد بشقيه (المالي والإداري) وسوء استخدام السلطة المتمثل (بعدم تطبيق القوانين وتسيس القضاء وتهديد وحدة البلد) هما سبب تمكين (داعش) الإرهابي من السيطرة على الأراضي العراقية, وسبب إصدار الفتوى المقدسة ضده. بمعنى: أن داعش هو الابن الشرعي الذي نما وترعرع من رحم تزاوج (الفساد) مع (سوء استخدام السلطة من قبل المتصدّين للحكم).
وكانت المرجعية العليا قد حذرت الطبقة السياسية من هذه (الثنائية) الخطيرة منذ انطلاق العملية السياسية مع أول انتخابات حرة مباشرة عام 2005م وللآن. ولكن جريهم اللاهث وراء السلطة والنفوذ والمال حال دون أخذهم بإرشاداتها, أو الالتفات بتغليب المصلحة الوطنية على الحزبية والقومية والطائفية, فتكررت مطالباتها حتى (بُح صوتها) وأشاحت بوجهها عنهم جميعاً (وسدت أبوابها بوجههم) ووصفتهم بـ(عدم النضوج) بكل النواحي، هذا أولاً.
وثانياً_ إن هذه (المتلازمة) السرطانية والمتكونة من (الفساد، وسوء استخدام السلطة) تشير إلى البيئة (المحلية) التي انطلق منها مشروع (داعش) وسرعان ما التقى هذا المشروع الوحشي بالأجندات الخارجية (الإقليمية) و(الدولية)، (مع ملاحظة غياب المشروع الوطني عند جميع القوى السياسية وسماح الأخيرة للدول الأخرى بالتدخل بشؤون العراق الداخلية) حتى برز (بعبع داعش) وظهر قرنه في يوم 10/6/2014م. كيف يُمكن أن يكون لداعش بيئة محلية (عراقية) نشأ فيها وترعرع والتقى بالأجندة الإقليمية والدولية؟.
أولاً_ بالنسبة للبيئة العراقية: كان حدث اعتقال أفراد من فوج حماية (وزير) المالية الأسبق في تاريخ 20/12/2012م بمُذكرات قبض (قضائية) بتهم تتعلق بالإرهاب والتفجير, شكل المنعطف الخطير لما بعده من أحداث وأزمات حتى برز (داعش). ففي يوم 28/12/2012م وعبر منبر جمعة كربلاء انبرت المرجعية العليا مستشعرة الخطر المُداهم, ووصفت الظرف (الحدث) آنذاك بـ(الظرف الحسّاس) ودعت إلى العمل بحزمة مبادئ بهدف تطويق الأزمة ومنع تفاقمها لما هو أسوأ على العراق مستقبلاً وهي:
أ_ الدعوة الى تطبيق الضوابط والقوانين وتفعيل أحكام القضاء.
ب_ الدعوة الى عدم تسييس القضاء والانتباه من التداعيات السياسية لذلك (في إشارة واضحة بأن الاعتقال كان بدوافع سياسية).
ج_ ضرورة عمل جميع الأطراف للحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي الموحد.
د_ حل أي أزمة بالحوار والتفاهم وعدم ترك الأزمات تتفاقم.
- وتوالت بعدها الأحداث وكبرت ككرة الثلج المتدحرجة نتيجة عناد جميع أطراف الأزمة وانغماسهم بطموحاتهم السياسية والطائفية الضيقة فكان:
- في30/11/2012م المرجعية العليا تقرن بقاء الوضع الأمني المتدهور واستمراره ببقاء الفاسدين في الدولة.
- وفي 4/1/ 2013م المرجعية العليا تنبه بأن الأزمة هي أزمة (سياسية بحتة وليست طائفية).
- في 18/1/2013م المرجعية العليا تشير الى أن ازدياد وتنوع مناطق العمليات الإرهابية (يُؤسِس) الى (شيء ما) وينطوي على (مؤامرة) بإمكانها أن تجرّ البلاد الى ما لا يُحمد عقباه.
- في 8/2/2013م المرجعية العليا تطلق شعار (السُنّة أنفُسنا).
- في 22/2/2013 م المرجعية العليا ولأول مرة تُطلق تسمية (العصابات التكفيرية) على الذين يقومون بالأعمال الإرهابية والتفجيرات.
- في 1/3/2013م المرجعية العليا توجّه سؤالا الى مَن بيده القرار: (الى أين تُريدون بالعراق أن يتجه؟).
- في22/3/2013م المرجعية العليا تؤكد بأنّ الشعب العراقي الذي عُرف بالصبر والتحمل سوف (لا يبقى ساكتاً الى الأبد).
- في 26 /4/ 2013م المرجعية العليا تُحمل مجلس النوّاب مسؤولية مسلسل سفك الدم اليومي.
- في21/6/2013م المرجعية العليا تشير الى وجود من يعتاش على خلق الأزمات ويستمرئ الدم العراقي.
- في 28/6/2013م المرجعية العليا تنبّه الأمّة إلى أن (الصراع السياسي المسلح هو صراع على السلطة والنفوذ) لا غير.
- في 3/1/2014م المرجعية العليا تُعلن بأن مهمة ردع الإرهاب والإرهابيين في العراق أصبحت مهمّة وطنية.
- في 6/ 6/2014م المرجعية العليا تشكر القوات الأمنية لتصديها وإحباطها هجوم الإرهابيين على مدينة سامراء والتطاول على مرقدي العسكريين C وطردهم وقتل الكثير منهم.
- وفي 10/ 6/2014م المرجعية العليا تُصدر بياناً مهمّاً يتعلق بالانهيار الأمني والحكومي (الذي حذرت منه) نتيجة سقوط محافظة الموصل وما جاورها بيد داعش. وتؤكد على دعمها وإسنادها لأبنائها في القوات المسلحة وتحثهم على الصبر والثبات في مواجهة المعتدين.
- وفي يوم 13/6/2014م المرجعية العليا تنهض بالمسؤولية العظمى الشرعية والوطنيّة والتاريخيّة (كما وعدت) وتصدر فتوى الدفاع المقدسة لقتال داعش.
ثانياً_ كانت خطبة جمعة كربلاء في 29/5/2015م واضحة في الإشارة الى البعد الإقليمي والدولي الداعم لداعش في العراق وغيره. فقد ذكرت: (أنّ تمدّد عصابات داعش وأمثالها في مناطق معينة من العراق وما يجاورها من بعض الدول، مع توفّر دلائل واضحة على تقديم التسهيلات والإسناد مالياً ولوجستيا لهذه العصابات من جهاتٍ وأطراف إقليمية ـ وربّما ـ دولية يُعطي مؤشّرات خطيرة..).
ومن هذا المنطلق تُشعرنا المرجعية العليا دائماً الى خطورة تلك المتلازمة بين (الفساد ـ والفاسدين) في الدولة العراقية, وما ينتج عنها من تداعيات خطيرة, تهدد وحدة وسيادة العراق ونسيجه الاجتماعي وسلمه الأهلي ومقدساته، لذلك حرصت على الدعوة بالتحرك الجدّي والفعّال لمواجهة تلك المتلازمة أو الثنائية السرطانية. وعدّت تلك المواجهة، وكما جاء في خطبة النصر في 15/12/2017م (من أولويات المرحلة المقبلة) لما بعد داعش.
واعتبرت (أن المعركة ضد الفساد لا تقلّ ضراوة عن معركة الإرهاب) بل (إن لم تكن أشد وأقسى) وبنفس الوقت بشّرت المرجعية العليا الأمّة بالنصر عليها كما بشرت بالنصر على إرهاب داعش بنص الفتوى وقالت: (إن العراقيون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الإرهاب قادرون ـ بعون الله ـ على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها..).
الكاتب نجاح بيعي