أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ الشّيخُ جبّار صدّام عبّود التّميميّ
2023/05/15
الشّهيدُ السّعيدُ الشّيخُ جبّار صدّام عبّود التّميميّ

إنّ الشهادةَ وسامٌ عظيمٌ لا ينالها إلّا مَن اختارَه اللهُ ليجعلَه شهيداً وشاهداً، وشافعاً ومشفَّعاً، فإنّه لا يرقى إلى هذا المقام السّامي إلّا مَن صدَقَ في التّجارةِ مع اللهِ تعالى، فيكون جزاؤه السّعادةَ في الدّارين، وعلوَّ الدّرجات في الآخرة، وجوارَ محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، والذّكرَ المحمودَ في الدّنيا، قال تعالى:وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ؛ لأنّ الشهيدَ بَذَلَ أغلى وأعزّ شيءٍ عنده، وهو النّفْس، (والجودُ بالنّفسِ أقصى غايةِ الجُودِ)، مضحّياً بها قرباناً للهِ تعالى، وإعلاءً لكلمتِهِ، واستجابةً لدعوتِه بالجهاد، كما جاء في قوله تعالى: إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، ولمّا كانتْ الهجمةُ الشّرسةُ على بلاد الرافدين، وموطن أولياءِ اللهِ وشيعتهم، انبرى ثلّةٌ طيّبةٌ طاهرةٌ للدّفاعِ عن بيضةِ الإسلام ومقدّساته، استجابةً لنداءِ الحقّ الذي أعلنه المرجعُ الأعلى سماحةُ آية الله العظمى السيّد السيستاني - أدام الله ظلّه الوارف- وبقيّة المراجع العظام، ومن أجل أنْ يخلُدَ شأنُ هؤلاء الشّهداء السّعداء في التاريخ، ويعلُو ذكرُهم في الذّاكرينَ؛ ليُقتَبسَ مِن سيرتهم العَطِرة، وبطولاتهم المشرّفة، وصولاتهم الجريئة، سطّرنا صفحاتٍ بما جادَ به القَلَم؛ لتكونَ مناراً وشُعلةً للأجيال؛ ليسيرُوا على خُطاهم، ويحذوا حذوَهم في جهاد أعداءِ الله، كما سار أولئك الأبرارُ على منهاج الحقِّ، واتّبعوا الصّراطَ القويمَ لآل البيتِ الطاهرين ، في الدّفاع عن الدّين والنّفس والعِرض والأرض، فإنّ المرء يُقتَل عن مالِه ودِينه وعِرضه، ومَن لا تحرِّكه هذه فهو لا يمُتُّ إلى الإنسانيّة وصفاتِ أهلِها مِن الغِيرة والشّهامة والرّجولة بصلةٍ، خصوصاً إذا كان الغريمُ لا يتورّع عن هتكِ العِرضِ واستباحةِ المحرّمات وتشويه العقيدةِ وصورةِ الإسلامِ الأصيلِ، كهؤلاءِ الضّالّينَ كلاب أهل النار خوارج العصر (الدّواعش) ووارثيهم.
ومِن أُولئكَ المخلصينَ الذينَ حباهُم اللهُ بالشّهادة في هذه السّبيل
الشيخ (جبّار صدّام عبّود التميميّ)، الذي رفعه الله من قبلُ بنورِ العِلْمِ، وزاده شرفاً على شرفه، فأكرمه بالعِلمِ والشّهادة، فقد كان طالبَ علمٍ متنوِّرٍ بنور علوم آلِ محمّدٍ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليهم أجمعينَ، نَهَلَ مِن نَمِيرِ كُنوزِ عليٍّ، عيبةِ علمِ رسولِ اللهِ، وبابِ مدينتِهِ، ومن جوارِ وادي السّلام ملاذِ أرواح المؤمنينَ، وأنبياءِ اللهِ المصطفَينَ المكرّمينَ، فترعرعتْ العقيدةُ الحقّةُ بين جنباتِه، وسرَتْ في روحه مجرى الدّمِ من العروق، فتكامَلتْ روحُه الزاكية، وتسامَتْ نفسُه بأخلاق صاحب الخُلُق العظيم، عن طريق التتلمذ على أيدي ورثةِ الأنبياءِ وحملةِ رسالةِ الأصفياءِ مِن العلماء، فسَعَد بالخُلُق الكريم، الذي وسِعَ جميع مَن تعلّق به وعايشه، وبالخصوصِ أهلُه وأقرباؤه وجيرانُه وأصدقاؤه، بل القاصي والدّاني، إلا أعداء الله، فهو شديدٌ في ذاتِ الله، مجرَّبٌ في لهواتِ الحروب، غيورٌ على الدّين، أسدٌ باسلٌ في صولاته على الدّواعش نسلِ الأدعياء، وقدْ زانته الفطرةُ الصافيةُ لأهل الرّيف، فهو فلّاحٌ مِن أهل أبي الخصيب، أرضِ الطِّيب، من قرية مهيجران، يزرعُ الأرضَ بيده المحبوبة لرسول الله، ليقوتَ عيالَه وأولادَه الأربعة، مِن كَدِّ يمينِهِ وعرقِ جبينِهِ، فهو أبٌ لوَلَدٍ وثلاثِ بناتٍ من زوجتينِ مؤمنتينِ صالحتينِ، أسكنهما في بيتٍ بأرضٍ يَفْلَحُ فيها، فلم يكن يملك شبراً منها؛ لزهده بحطام الدّنيا، فقد كان متوكّلاً على الباري الرزّاق، يُنفق ما زاد عن نفقةِ عياله على الضّعفاء من المؤمنينَ، كما يزكّي علمَه لأيتام العلم، يحنو عليهم ويجيبُ عن أسئلتهم، ويسعى في قضاء حوائج المحتاجينَ، ويرعى الشباب واليافعين كأنّهم أولادُه، ويقوّي عقيدتَهم بولائهم للعترة الطاهرة، وبفضل الله تعالى وبسببِ توجيهات هذا المربّي الأمين على العقيدة والدّين نالَ البعضُ منهم وسامَ الشهادة.
وُلد الشهيد في البصرة عام(1396# -1976م)، تلقّى علومَه الأكاديميّة في البصرة القديمة، والتحَقَ بالحوزةِ قبل سقوط الطاغية عام 2003م، ودرسَ فيها الفِقه والعقائد والأخلاق، وكان يتردّد بين النجف والبصرة ليرعى عيالَه، عانى كثيراً من قَسوة البعثيّين وظلمهم، ممّا اضطرّه للانتقال إلى منطقة أبي الجوزيّ، ومنها إلى الروميّة، وأخيراً استقرّ في منطقة مهيجران.
قضى شطراً مِن عمره يبلّغُ رسالة الدّين، و يؤمُّ الجماعة في حسينيّة مهيجران، ويجيبُ عن مسائل المؤمنينَ بعد أن يستحصلَ الأجوبةَ من العلماء الربانيّينَ، ويقضي حوائج المؤمنينَ، ويُعلِّم أحكام القرآن في مسجد أبي الخصيب، ولمّا صدر نداءُ الجهاد كان أوّلَ المبادرينَ إلى التطوّع ضمن صفوف المقاتلينَ، يحثُّ المؤمنين على الدّفاع عن أرض المقدّسات بعد أن شكّل مع بعض المؤمنينَ (لواء العلقميّ)، أحد ألوية فرقة العبّاس القتاليّة، وقاتل ضمن صفوفِها حتى سقطَ مضرّجاً بدم الشّهادة، وارتحل إلى الملكوت الأعلى، بعروج روحه إلى جنان الخلود في
(2014/10/26)م في جرف النّصر، شهيداً منافحاً عن العقيدة، ذابّاً عن العِرض والوطن، فسلامٌ عليه في الخالدينَ.

شبّرالسويج