أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشهيد السيد منتظر محمّد هاشم البطّاط
2023/05/25
للجهادِ والمجاهد منزلةٌ و فضلٌ عظيمٌ، فعندما يطّلعُ الإنسانُ على ما ورد مِن الأخبارِ والآثار عنهما ينبهرُ مِن عظيم الثّوابِ وجزيلِ الأجر يوم الحساب، فقد وصفَ رسولُ الله(صلى الله علية واله) هذه المنزلة العظيمة عندما سُئِلَ عن فضْلِ الجهاد، فقالَ(صلى الله علية واله) في كلامٍ طويلٍ:
(إنَّ الغزاة إذا همُّوا بالغزو كتبَ اللهُ لهم براءةً مِن النّار، فإذا تجهّزوا لغزوهم باهى اللهُ تعالى بهم الملائكة، فإذا ودَّعهم أهلوهم بكت عليهم الحِيطان والبيوت، ويخرجونَ مِن ذنوبهم كما تخرج الحيّةُ مِن سَلْخِهَا) .
فيالَها مِن منزلةٍ ومقامٍ عظيمٍ يغبطهم عليه الأوّلونَ والآخرونَ، ويا لهُ مِن فوزٍ وسعادةٍ لا يعرِفُ طعمَها إلا مَن عاشها وعشِقَها وعرفها حقَّ معرفتِها؛ فلِذَا تسابق عُشّاقها إليها مؤثِرينَ لها على كلَّ ما في الدّنيا وزهرتها، غير مبالينَ بالموت، مُدْركينَ أنّها الحياةُ السّعيدةُ، متذكِّرين في ذلك قول إمامهم وسيّدِهم سيّدِ الشّهداء(علية السلام): (لا أرى الموتَ إلا سعادةً، والحياةَ معَ الظالمينَ إلّا بَرَماً) ، وتحت هذا الشّعار لبّى المؤمنونَ نداءَ الجهاد الذي أصدرتْهُ المرجعيّة العُليا، أدامها اللهُ تعالى، واضعين أرواحهم بين أكفِّهم، راجين بذلك رضا الله، ومجاورة رسوله وأهل بيته الميامين صلواتُ اللهِ عليهم أجمعينَ، ومِن بين أولئك الأبطال، الشّهيدُ السّعيدُ
(منتظر محمّد هاشم البطّاط)، الذي ودَّع أهلَه وعيالَه، وأعرضَ عن الدُّنيا وملذّاتها.
وُلد الشّهيد في سنة (1989) في حيِّ الزهراء، التابع لمركز مدينة البصرة، وهو متزوّجٌ، وله طفلان.
أمّا تحصيلُه الدراسيُّ فقد ترك الدّراسة عند المتوسّطة، وعمل مع والدِهِ في شركة سياحةٍ وسفرٍ كانت لوالده.
تربّى الشّهيد على مبادئ أهل البيت(عليهم السلام)، فهو مِن أسرةٍ هاشميّةٍ لها ارتباطٌ وثيقٌ بمحافل أهل التقوى والورع، ومِن هنا انعكستْ الخِصال الكريمة والعقائد القويمة على شخصِهِ، فكانَ ملازماً لوالده منذُ صغره، يتردّد معه على الجوامع والحسينيّات، فانغرستْ مبادئ الإسلام وأخلاقه على نفسِه وروحِه، وبانتْ ثمارها على الرّغم من قِصَر مدّة حياتِهِ، لكنّه استطاع بفضل تربيته الحسينيّة أن يؤسِّس المشاريع الخيريّة والدينيّة التي تُنبئ عن وعيه وثقافته الدينيّة، فقد أسَّس الشّهيد بيتاً رمزيّاً للزهراء(عليها السلام) وسمّاه (بيتُ الأحزان)، وكان هذا العملُ فريداً من نوعِه في البصرة، ويُقام في جنبات هذا البيت مهرجاناً في ذكرى شهادةِ الزهراء(عليها السلام).
كان الشّهيد كثيرَ المساعدة للفقراء – وخصوصاً - في فترة الحِصار زمن النظام المقبور، فقد كان يعمل بالسِّرّ مع والدِهِ في إعطاء المحتاجينَ بعض المساعدات المادّيّة، واستمرّ هذا النهج حتى بعد سقوط النظام، فأسّس هيأة الزهراء الخيريّة التي تعنى بدفع المساعدات المادّيّة والعينيّة لكلِّ المحتاجين؛ إذْ يشترك الشّهيد مع مجموعةٍ من المؤمنينَ في جمع المساعدات العينيّة مِن مالهم الخاصّ وإنفاقها على المحتاجينَ والمعوزينَ.
وكان الشّهيد مِن الداعمينَ للمواكب الخدميّة، ومنها: موكب الزهراء، وموكب بني منصور، وغيرهما، وجدير بالذكر أنّ الشّهيد السّعيد كانتْ له أمنيةٌ ـ ذكرها في لقاءٍ توثيقيٍّ خاصٍّ معه من قبل كادر مركز تراث البصرة في بيت الزهراء الرمزيّ، قبل شهادته وهي، (أن يبدّلَ بيوت الصّفيح إلى بيوتٍ تليقُ بسكنى عيالاتِ آل محمّد
-شيعة آل محمّدصلى الله علية واله)- مِن اليتامى والفقراء.
ولمّا سمع الشّهيد السّعيد بفتوى الجهاد الكفائيّ هبَّ مبادراً مِن حينها ،حتى حُكِي أنّه لم يخبر والده عن نيّته بالذهاب إلى الجِهاد؛ لتخوّفه مِن رفضِهِ له، ولكنّه في يومٍ من الأيّام أخبر والده أنّه لا يفكِّر في مالٍ ولا جاهٍ، ولا يُريد مِن هذه الدّنيا الفانية غير رضا الله، ولأنّه يعرفُ أنّ رضا الله مِن رضا الوالدينِ، فكان لابدَّ له من إخبارهما، ففي البداية رفض ذهابه، ولكنّه لما عرف أنَّ ولده استجاب فتوى الجهاد، سرعان ما وافق، ورضي بقضاءِ اللهِ وقدرِه.
تدرَّبَ الشّهيد في لواء عليٍّ الأكبر التابع للعتبة الحسينيّة المقدّسة في فوج المختار الثقفيّ، وبعد انتهاء فترة التدريب تمّ توزيعهم على أطراف مدينة كربلاء، ومن ثمَّ إلى جرف النصر، وشارك الشّهيد في عدّة معارك، آخرها معركة بلد التي نال فيها شرف الشّهادة في أثناء مداهمة أحد أوكار الدّواعش، حيث كان ذلك الوكر مفخَّخاً فانفجر عليهم، ما أودى بحياته بتاريخ (2014/12/30)م.
استقبل أهلُه وذووه خبرَ استشهادِه المؤلم، ولكنّ معرفتهم بمرتبة الشّهيد العالية جعلتهم يتقبّلونَ نبأَ استشهاده بالحمد والثناء لله تعالى على فوزه بهذه المنزلة السّامية.
شُيِّع جثمانُه الطاهر في كربلاء المقدّسة، وشارك في تشييعه الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ ومنتسبو العتبة الحسينيّة المقدّسة، وشخصيّاتٌ دينيّةٌ معروفةٌ، وأُقيم له فيها مراسم العزاء، وكان الشّهيدُ قدْ أوصى أصدقاءه إذا ما نال شرف الشّهادة أن يكون تشييعُه عزاءً للإمام الحُسين (عليه السلام)، و مِن ثَمَّ كان له تشييعٌ مهيبٌ آخر في البصرة من أهله وأصدقائه و أهالي منطقته، حضره وجهاء المحافظة وأعيانها، وساروا به إلى مثواه الأخير.
فسلامٌ عليه يومَ همَّ بالجهاد، وسلامٌ عليه يوم غزى في سبيلِ اللهِ، وسلامٌ عليه يومَ ودّع أهله وطفليه، وسلامٌ عليه يوم بكتْ عليه الحِيطانُ والبيوتُ، وسلامٌ عليه يومَ قُطِّعتْ أشلاؤهُ وقضى شهيداً سعيداً.


عامر الزّاير