أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشهيد السعيد(عبد الله إبراهيم (أبو عدنان الحُسينيّ)
2023/06/03
على مرّ التاريخ هناك رجالٌ تركُوا مواقفَ بطوليّةً وسطّروا ملاحم خَلَدُوا مِن خلالها، وبقي ذكرُهم يتجدّدُ جيلاً بعد جيل، فكانُوا رموزاً للتضحيةِ والفداء، كشفت مواقفُهم عن جوهر معدنِهم فتعلّمنا منهم معنى الحياة عندما صمدُوا بوجه قوى الشرِّ والظّلام، وتحمّلُوا الشّدائدَ والأزمات، رجالٌ تخرّجوا من مدرسة الحياة، مدرسة الرّسالة المحمّديّة الأصيلة، مدرسة عليٍّ والحُسين(علية السلام)، بعد أنْ نهلُوا منها الشّجاعة والكرم والصّبر والإيمان، وكلَّ جميل، فغدا الواحدُ منهم يعادل مائة، أو قد تراه يوازي ألفاً، وقدْ يزِنُ شعباً كاملاً، وقد يُحيي البعضُ منهم أمّةً بأسرها، ومِن هؤلاء الرِّجال أصحابُ المواقف في واقعة كربلاء الأليمة، تلك الواقعة التي شملتْ الرّضيع، والذي لم يبلُغ الحُلُم، والشّاب، والرّجل، والمرأة، والشّيخ الكبير، كالصّحابيِّ الجليلِ « أنس بن الحارث الكاهليّ»، الذي كان شيخاً كبيراً طاعناً في السّنِّ، استأذَنَ الإمامَ الحُسين(علية السلام)، أن يُجاهدَ بين يديه فأذِن له الإمامُ(علية السلام)، ، فشدَّ وسطه بعمامته نظراً إلى تقوّس ظهرِه، ورفَعَ حاجبيه بالعصابة، وبهذه الهيأة أبكى الإمام الحُسين(علية السلام)، ، فأرخى(علية السلام)، عينيه بالدّموع وشكرَ للشّيخ موقفَه هذا، والتحق أنس بركب الخلود والشّهادة مع أصحاب الإمام(علية السلام)، ، فحفِظَ له التاريخ ذلك الموقف المشرّف، وسطّر اسمَه بأحرفٍ من نورٍ في سجلِّ الخالدينَ، فهنيئاً له ولأصحابه تلك المواقف الرجوليّة المشرّفة.
وتمضي الأيّام، وتبقى المواقفُ بعودة الجاهليّة الأولى بثوبٍ جديدٍ، ويتعرّض الإسلام لخطر خوارج العصر، دواعش اليوم من الظلاميّين، فتنبري المرجعيّة الرّشيدة المتمثّلة بسماحة المرجع الأعلى السيّد عليّ السيستانيّ أدام الله ظلّه الوارف بإعلان فتوى الجهاد الكفائيّ للدّفاع عن الإسلام ومقدّساته، وأرض العراق وشعبه وعرضه من خطر الظُّلّام وهجماتهم، فظهرت كوامنُ الرّجال ومواقفُهم في الأزمات والشدائد، تلك المواقف التي أسفَرَت عن حقائق نفوسهم الأبيّة ومعدنهم الأصيل، وبَرَزَ رجالُ المواقف.
ومِن هؤلاء ممّن ذكّرنا بشيخ شهداء كربلاء - الصحابيّ أنس الكاهليّ- الشّهيدُ السّعيدُ السيّدُ (عبدالله إبراهيم، أبو عدنان الحسينيّ)، الذي تخطّى الثمانين من عُمره، شيخ شهداء الحشد الشعبيّ من أهالي شطّ العرب، ذلك الرّجل الذي قضى تاريخاً حافلاً بالجهادِ والمقاومة، وقاسى أيّام الهجرة والغُربة والابتعاد عن الأهل والوطن لسنينَ عديدة، وبعد أنْ عاد إلى الوطن تابَعَ طريقَه الجهاديّ، وعلى الرّغم من كِبَر سنِّه لبّى نداء المرجعيّةِ العُليا، والتحق بخطوط التماس مع الأعداء، يقاتلُ ويشحَذُ هممَ الأبطال مِن الشّباب، من خلال أهازيجه المعروفة التي تحفِّز المقاتلينَ وتحثُّهم على الدّفاع عن الأرضِ والعِرض ولقاءِ الحبيبِ.
عرفنا الموت لأجل الدِّين حرّيّة .
الحرب زفّة عرس عدنه.. وإله دبجات جوبيّة.
المدفع خل يدك دمّام وتغنّي الرّباعيّة .
نغرم لو دكّ دمّامه الماو إحنة اهله.
وأيضاً:
ذولة احنة ربّات الماو وأهل الهور .
لا نلبس حرير ولا نشيّد اقصُور .
نتوسّد البردي وناكل الشّاجور.
إمشي ويانه يمطلك الدّنية.
ومن أهازيجه بحقّ المرجعيّة:
صوت المرجعيّة بالنّجف مِن صاح .
حيّ على الجهاد الكل تشيل اسلاح .
جيش وداخليّة وعامل وفلّاح .
الكل يزحف للملعب حتى البعده بكاروكَه.
فكان لأهازيجه الوقعُ الكبيرُ في نفوس المجاهدينَ، وفي رفع معنويّاتهم القتاليّة.
فهنيئاً لأبي عدنان لحوقه بابنيه الشّهيدينِ، وهنيئاً له وهو يختمُ أيّام حياتِهِ الأخيرة بوسامِ الشّهادةِ التي لا ينالها إلّا ذو حظٍّ عظيمٍ.
غاب الشّهيدُ أبو عدنان عن سوح الجهاد جسداً بتاريخ( 12/7/م2014)في منطقة بيجي، وبقي روحاً وقدوةً لأبنائه وأحفادِه يستلهمونَ منه الدّروسَ والعِبَر.

ياسين يوسف اليوسف