أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ قَاسم إبراهيم عبدالله التميميّ
2023/09/11

«بُني كيفَ تَرى المَوتَ؟ قال: عَم أبا عبدِالله، فيكَ أحلَى مِن الشَّهدِ»
سُؤالٌ يَطرحه أبو الأحرار سيِّدُ شَباب أهل الجَنّة(علية السلام) على فتىً يافعٍٍ لم يبلغ الحُلم مِن أشبالِ الدّوحةِ الهاشميّةِ - وهو العَالمُ بِردِّ ابن أخيه وجوابه- لكنَّه يُريد للتأريخ أن يُسجِّل جواباً تَكونُ فيه رسالةٌ عقديَّةٌ لكلِّ فِتيان الإسلام المُحمَّديّ العلويّ الحَسنيّ الحُسينيّ الأصيل، إذْ إنَّ الطفَّ واقعٌ تطبيقيٌّ لرسالةِ الإصلاحِ الحُسينيّ، فجاءَ الجوابُ مِن شِبل مُحمّدٍ وعليٍّ القاسمِ بنِ الحسنِ سِبطِ رسولِ اللهِ عليهم أفضلُ الصّلاةِ والسّلامِ، ووجهُهُ يتلألأ كأنّه فِلقةُ قَمرٍ، مُستبشراً مُستأنساً بالموت دُونَ إمام الحقِّ: (فِيكَ أحلى مِن الشَّهد) ودِفاعاً عن مُقدَّسات الإسلام وبناتِ الوحي والرِّسالةِ، فأعطى دَرساً للأجيالِ، وثبَّتَ عقيدةً ساميةً في عدمِ الخوفِ من الموتِ، وأنَّ سعادة المَرءِ في الموت إذا كان في ساحاتِ الجهادِ ضِدَّ أعداءِ اللهِ وأعداءِ آلِ مُحمَّدٍ(صلى الله علية وسلم)، وطَبّقَ هذه الرسالة عملاً يومَ عاشوراء، وهو لا يكترثُ بكثرة الجُموعِ التي جاءتْ لِهدم الدينِ وحربِ آلِ مُحمَّدٍ(صلى الله علية وسلم) ، وهُـم مع ذلك يرجونَ شفاعته، لا أنالهم اللهُ شفاعته، ووجبتْ عليهم لعناتُه.
ومِن هُنا صار القاسمُ قُدوةً يتأسّى به الأحرارُ في دِفاعهم عن العقيدة والدين، وباسمه يتبرَّكُ أهلُ الإيمانِ بتسميةِ أبنائهم على اسمهِ الشريفِ، ومِن هؤلاء الذين تبرّكوا بهذه التسمية سَمِيُّ شبلِ الإمام الحَسنِ(علية السلام) الشّهيد السّعيد (قاسم إبراهيم عبدالله التميميّ)، وهو من مواليد البصرة، قضاء أبي الخصيب، قرية مهيجران، عام
(1413هـ - 1993م)، فقد وُلِدَ يومَ شهادة القاسم بن الحسنِ(عليه السلام)، وسُمِّيَ على اسمه، وكان يُلقّبُ بالعرّيس بين رفاقه، وقد ضُرِّج بدمه كعرِّيس كربلاء، فقد كانتْ شهادتُه يوم الثامن من العشرة الثانية، وهُو اليوم المخصوص بالقاسم( عليه السلام).
فبعد أنْ هبَّ للجهادِ مع إخوتِه الأصغرِ منه مُلبِّياً نِداءَ الحقِّ، ومعهم جَدُّهُ لأمِّه، حاولَ أبوه ثَنيه عن عَزمهِ، إبقاءً عليه لوالدته فهو بِكرُها، فزوّجه لذلك، ولكنَّه لم يَصبر دُون الجهاد فهو على موعدٍ مع عُرس الشّهادة، فأخبر والدَه بموعده، وأنَّه سيستشهد عمَّا قريبٍ لا مَحالة، ولا يستطيع أحدٌ تَغيير قََدَرِه، وقد تَرك الشَّهيدُ قاسمُ زَوجه بعد اثني عشر يوماً من زواجهما، وأصرَّ على والده بأنْ يأذنَ له بالجهاد، وحدَّثَ والدَه بأمرٍٍ جرى عليه معه، إذْ ذكّره بإخباره مسبقاً بأنَّه سيسقط وتُكسر يَدُه عند صعوده السيَّارةَ قاصداً الذهاب للجهادِ من دُونِ إذنه، وفعلاً وقَعَ ما أَخبرَ بِه الوالدُ، وتأخَّر لذلك عن الذهاب مع أخوته وجدّه إلى ساحة الجهاد، فاستسلمَ الوالدُ لرغبة الشَّهيد، وأَذِنَ له بالجِهادِ لِتكرارِ الإخبارِ مِنهُ عند نزول أخوته وجدِّه من الجبهة، وأنَّه سينال الشّهادةَ.
وقد أيد ذالك أخوه يحيى ـ الذي كان أصغر منه سِنَّاً ـ فقدْ شارك في معارك كثيرة، وكان منها نُزوله مِن الطائرةِ في آمرلي ومُحاصرتُه مع أهلِها، حتَّى فُكَّ عنها الحِصارُ، وقد سلَّمه الله، وأيَّد هذا كلَّه جدُّه لأمّه المُقاتل في فِرقة العبّاس القتاليّة، الحاج سالم عبد الكريم عويد التميميّ، الذي كان قريباً منه وله علاقةٌ حميمةٌ به، فقد سمع منه مراراً أنَّه سَينالُ الشهادةَ، وأضاف جدُّ الشّهيد أنَّه لَمس بِخبرتهِ وتجربتهِ أنَّ ولدَه قاسماً سيكون شهيداً لا محالة؛ وذلك لاتّصافه بصفاتٍ لا تكون إلا لمن يَختارُه الله لِينالَ رحمتَه الكُبرى، ويُقلِّدَه وِسَامَه العَظيمِ، فهو رحبُ الصّدر، بارٌّ، وصولٌ، خدومٌ، يُسارع في الخيرات وقضاء الحوائج؛ لذلك كان محبوباً بين أقرانه، يَحترمه ويُحبُّه الكبيرُ والصغيرُ، وهومن خُدَّام سيّد الشُّهداء (علية السلام)، فقد شارك في موكبِ طُلَّابِ المدارسِ مُنذُ كان في المتوسطة حتّى وصوله السادس الإعدادي، وسارَ مَشياً لسيّد الشُّهداء ثلاث سنواتٍ، وخَدم في مَوكب القَريةِ، وكان شُجاعاً، مِقداماً، ذُو فِطنةٍ، فاز على رفاقه بالقنص، وكان يُصيبُ الأهداف الدقيقة عند رميه وإطلاقه، فاختير من قادته العسكريّين ضِمن مجموعة القنَّاصة، (السِّلاح المضاد للدواعش)، ومِن ثَمَّ تَخصّص بسلاح (المئة وستّة) للسببِ نفسه.
وقد لاحظ جدُّه وأبوه على قَسماتِ وجههِ علامات الشَّهادة، فأذِنا له أنْ يذهب مع أخيه يحيى ليكونا سويّة، وما أن حَصَلَ قاسم على الإذن سَارعَ بالالتحاق بِسَاحات الوغى، وبادرَ إلى كِتابة وصيَّتهِ، فأوصى أبويه بتقوى الله وذِكرهِ والصبرِ على المُصابِ، وطَلبَ منهما ومِن غيرهما أن يُبرئوه الذِّمّة، وهذا يُنبئ عن علمه بشهادته، وقد أشار إلى ذلك عندما طلب مِن أُمِّهِ أن تُسامحه على ما سَيُسبِّبه لها من الأذى، ووصيَّته بِزوجِه ـ طيِّبة القلبِ ـ التي لم يُعاشرها سوى اثني عشر يوماً، بأن لا تُترك وحدها.
ولمَّا أراد الذهاب ودّعَ أباه، فقال الأب: أنا أعلم أنّك لا تَرجع، ولكن لا تنسانا، فوعده خيراً، وبقي مُرابطاً في سُوحِ الجِهادِ مُدَّة خمسةٍ وثلاثين يوماً، فله موعدٌ لابدَّ أن يبلغه، وأرسل إلى والده عسلاً، فقد كان والدُه مريضاً، وأرسل مع أخوته قميصه إلى والدته ليصبِّرها ويُسلّي قلبها، فسأله أخوه لماذا لا تذهب في إجازةٍ معنا، قال سآتي بعد أيّام، وبالفعل جاء لكنّه كان مَحمولاً، وقد قُلِّدَ وسامَ الشّهادة.
وكان الشّهيد قد أخبرَ رِفاقَ الجِهاد الأطايب قُبيل شهادته بساعةِ لقائه وسعادته وفوزه، بل أخبر عمّن يُجرح معه، ومَن يَحمل جنازته إلى أهله، وشهادة حامل نعشه، فسُئِل عن ذلك، فأجاب: إنّي رأيتُ سيّدةً أخذتْ بيدي المكسورة ومسحتْ عليها، وقالتْ: إنّك ستكونُ مع ولدي، وفلانٌ سيُجرح، وفلانٌ سيُستشهد، و...، وقد حصل شكٌّ وتعجّبٌ عند أحد المُجاهدينَ، فنزل معه لمَّا أرسلَ عليه قائدُ سَريّته عندما احتيج إليه؛ لتخصّصه بنوعٍ من السِّلاح (المئة وستّة)، وكان قد منعه سابقاً من الحُضور في المُقدّمة لكونه حديث عهدٍ بالزواج، وقد تأخَّرَ ذلك المُجاهدُ ليتحقّق من صحّةِ إخبار قاسم، وهو يُصوِّره، وإذا بقاسمٍ يقعُ شهيداً إثر انفجار عبوةٍ زَرعها الأوغاد الدواعش غدراً في طريق الأحرار، بتأريخ (12/11/2014م)، فأيقَنَ هذا المُجاهد أنَّ هؤلاء الشُّهداءَ أفضلُ الشباب؛ لأنَّهم أتباع آل محمّد وخُدَّامهم، وقد اختارهم الله لجواره؛ لإخلاصهم ووفائهم بالعهد، ودِفاعهم عن مُقدَّسات الدّين والأرض والعرض، ولم يُنشر هذا الفلم الوثائقيُّ مُراعاةً لأمّه وزوجته وذويه، فسلامٌ على (عرّيس) الشّهادة
قاسم إبراهيم يَوم ولد ويَوم استُشهد ويوم يُبعثُ حيَّاً، آملينَ من الله أن يَشملنا برحمته بشفاعة هذا الشّهيد، وشفاعة أخوته شُهداء الحقّ وحُماة الدّين، وأن يُلهم والديه وزوجته وإخوته وذويه الصّبر والسُّلوان، وأن يتغمَّد الشُّهداء بالرحمة الواسعة.
شبّر السُّويج