أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ زينُ العابدينَ عبد علي حُسين الإمارة
2023/09/14
يُصنَّفُ الإنسانُ بلحاظِ حياتِه الدُّنيويَّة ومواقفِهِ منها على ثلاثةِ أصنافٍ:
الصِّنفُ الأوّلُ: الذي تكونُ الدُّنيا مبلغَ هَمِّهِ ، وهذا الصِّنفُ هُو الغالبُ من النَّاسِ، فهو السَّوادُ الأعظمُ، وليس لهذا الصِّنفِ حَظٌّ مِن الآخرةِ ، وهُم الذين باعُوا آخرتهم بدُنياهم، أو الذين باعُوا دنياهم وآخرتهم بدُنيا غيرِهم، و هؤلاء أتعسُ الناسِ، أو الذين استمتعوا بدنياهم وسرقُوا دُنيا غَيرِهم، كالظلمةِ وأعوانِهم – الذين باعوا لهم أنفسَهم- فليس لهؤلاءِ حَظٌّ مِن الآخرةِ؛ لأنّهم فرَّطوا بدُنياهم التي هي مزرعةُ الآخرة ، وزهدوا بآخرتِهم التي هي مآلُهم، ومن أبرزِ نماذجِ هؤلاءِ قَتَلَةُ الإمام الحُسين(عليه السلام)، فقد أخزاهم اللهُ في الآخرة ، وأذلَّهم في الدُّنيا، فلم يَجنُوا سوى الذُلِّ والمهانةِ والعارِ والخِزي ، فهُم في أسفلِ دَركٍ مِن الجَحيمِ ، وعليهم لعنةُ اللّاعنينَ إلى يومِ الدّينِ.
الصِّنفُ الثاني: وهم مَن تَراه مِن بني آدم مُتمسِّكاً بالآخرةِ مادامتْ لا تتعارض مع الدُّنيا، حتى الحقير من حُطامها، لكن إذا عَظُمَ خَطرُ الدُّنيا وخَطْبُها قَدَّمها على الآخرة، وانغمس في مَلذَّاتها، وغَفلَ عن حِسابِهِ ومَعادهِ.
الصِّنفُ الأخير: وهم الذين جعلوا الدُّنيا مَزرعةً للآخرةِ، وطريقَ مَصيرٍ إلى ذلك المقرِّ ، ليحصدُوا في الآخرة ما قدّموه في الدّنيا، كما قال تعالى:(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّات النَّعِيم) ، فالذين سعدوا في الدّنيا وفازوا في الآخرة إنما حَصَلوا على مُبتغاهم بتقوى اللهِ والتقرّبِ إليه باتّباعِ هَدْي مُحمّدٍ وآله الطاهرين صلَّى الله عليهم أجمعين، والعملِ بالتنزيلِ والاستعدادِ ليومِ الرحيل، وقد جَسَّدَ رِجالٌ صدقوا في العَهدِ والوعدِ هذا المِنهاج في سَيرهم وسُلوكهم نحوَ الكمال، باتّباعهم المنبعَ الصّافي في زَمنِ رسولِ الله (صلى الله عليه وله وسلم)، وإلى يومنا هذا، باتّباع العُلماءِ الأعلام، إذْ إنَّهم حُماةُ الشَّريعة والمُقدَّسات، وقد تَعرَّضَ أهلُ الشِّقاقِ-اليوم- لِهدمِ مَعالمِ الدِّينِ، فسَفكوا الدّماءَ، وأباحوا الأعراض، فتصدَّى لهم رِجالٌ اختاروا الموتَ بعزَّةٍ وكرامةٍ على العيشِ بِذلَّةٍ، مُتّبعينَ الفُقهاءِ العُظماء في مُواجهةِ الأرذالِ والأوباش، وقد سَطَّروا مَلاحمَ بطوليّةً رائعةً، وقدَّموا قرابينَ وشُهداء أبراراً، كان من بينهم
الشّهيدُ السَّعيدُ (زينُ العابدين عبد علي حُسين الإمارة).
الشَّهيدُ زينُ العابدين الإمارة من مواليد عام (1407هـ -1987م)، ولد في محافظة البصرة، وفي قضاء خور الزبير، الهنديّة تحديداً، حصَّل الابتدائيّة في مدرسة إبراهيم الخليل، وأكمل المُتوسّطة في ثانوية الرِّفعة، ثُمَّ عَمِلَ كاتباً في مِيناءِ خُور الزُّبير.
كان الشّهيدُ شابّاً طموحاً نشِطاً يُمارسُ بعضَ الألعابِ الرياضيَّةِ، فكانَ يلعبُ في نادي خُور الزُّبير الرياضيّ، وكانت له صِلةٌ حميمةٌ بجميع أهل المحلّة التي يسكنُ فيها، فقد كان يَحترمُ كبيرهم، ويعطفُ على صغيرِهم، ويُعينُ ضعيفهم؛ لهذا كان فَقْدُه مُؤثِّراً فيهم، فما أنْ سمِعَ أهلُ المَحلَّةِ بنيلهِ شرفَ اللُّحوقِ بالسُّعداءِ، حتَّى خَرجَ الجميعُ إلى استقبالِ جُثمانِهِ الطاهر، باكينَ ناثرينَ الورود عليه، مُودِّعيه بالحَسرةِ والحُرقةِ على فِراقهِ، مع الغِبطةٍ له؛ لفوزهِ بِرضوان اللهِ الأكبرِ، وقد ذَكَرَ أخوه سَجَّاد أنَّ علاقته بالشَّهيدِ كانتْ تَفوقُ العلاقةَ النسَبِيَّةَ، فهُو يُمثِّلُ صَديقَه المُقرَّب، فقد كان يصحبه معه للزيارةِ بعد خِدمتِهم في مَوكب أُمِّ البنين(عليها السلام)، الذي كان أحدَ مُؤسّسيه مع ابن عمِّه الشَّهيد فادي، وكان مُتعلّقاً بالإمام الحُسينِ (عليها السلام)، ، لا يتركُ الزِّيارةَ، ومِن شِدَّةِ تَعلّقه بسَيِّد الشهداءِأنَّه كَتبَ ورقةً في ليلة خُروجِه إلى الجِهاد أودعها عند شقيقته، وفيها عبارة: «لبَّيك يا حُسين، للموت لنْ نَنسى الـحُسينَ»، وهو مُصمِّمٌ على الشّهادةِ، إذْ قال لوالدته: أُريدُ الذهابَ إلى مكانٍ بعيدٍ، ويقصدُ جِوارَ مُحمَّدٍ وآله الطاهرين(صلى الله عليه واله) في أعلى عِلّيّينَ، وفِعلاً حَصلَ على ما كان يأمله، إذْ كان مِن أوائل شُّهداءِ الحشدِ الشعبيّ من البصرةِ، وأوّلَ شهيدٍ في خُور الزبير يتقلّدُ هذا الشرفَ العظيمَ، وكانتْ شهادتُه بتأريخ
(19/7/ 2014م) في الرمادي، منطقة الصقلاويّة، في أوّلِ مُشاركةٍ له، إذْ غَدَرَ بِه قنَّاصٌ.
حُملَ الشَّهيدُ إلى أهلِهِ، فشُيّع بينهم تشيعاً مَهيباً لم يشهدْ القَضاءُ مِثلَه؛ لأنّه أوَّلُ شَهيدٍ يُرزق هذا المقام بعد الفتوى التاريخيةِ لأعلام الدِّين العظامِ، فهنيئاً له مُرافقة الأبرار وجِوار المُختار وآله الأطهار صلواتُ الله عليهم أجمعينَ.

شبّر السُّويج