الشّهيدُ السّعيدُ فؤاد محيسن عبد أحمد الفتلاويّ
2023/09/23
(وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ )
التّضحيةُ قانونُ الحياةِ، والمتأمّلُ في مساراتِ الحياةِ المختلفة يجدُها متحقِّقةً فيها، ولازماً مِن لوازمها، فنحنُ لا نستطيعُ أن نفعلَ أيَّ شيءٍ، أو نحصلَ على أيِّ شيءٍ من دون أن ندفعَ ثمناً له.
فالأرواحُ الطيّبةُ والأنفُسُ الزكيّةُ، والقلوبُ الطاهرةُ المفعمةُ بالحبِّ الإلهيِّ، والعِشقِ الربّانيّ، لا ترى سوى اللهِ وأهل البيت)عليهم السلام) في كلِّ كيانها، فهجرت لذّاتها وزخارفَ دنياها، وضحّت براحتها ونعيمها، في حين يتمادى إبليسُ عليه اللَّعنة ليلتحفَ أفئدةً ونفوساً تخبّطت في آثامها، وآثرت دنياها على آخرتها، ليصوغَ أُناساً عَدِموا إنسانيَّتهم، وتمادَوا في طُغيانهم، فسلكُوا سُبُلاً حذّرَ اللهُ منها، فمِن عهدِ قابيل وعاداً وثمود، إلى هند وغربانها، ومعاوية وطواغيته ... وإلى يزيد وشَمِر وهو يجثو على نور الله، إلى الدوانيقيّ وهارون والمتوكل... وهلمَّ جرّاً.
وقدْ سارَ اليوم على منوالهم أحفادُهم وأذنابُهم مِن الدّواعش، فما تغيّر فعلُ الأمس، فها هي ذواتُهم المتهرّئة تتلذّذ بالاعتداءِ على المقدّسات، وسفكِ دماءِ الأبرياء، التي يهتزُّ لها عرشُ الله، في محاولةٍ لشَقِّ صفِّ هذه الأمّة، وإطفاءِ نورِ اللهِ في أرضِهِ، فأُدحِضت مقاصدُهم بإيمانِ المؤمنينَ، ورصِّ صفوفِهم، بفضلِ موقفِ المرجعيّة العظيم بفتوى الجهادِ الكفائيّ، فعايَنَ الأعداءُ الخذلانَ وهم خاسئونَ.
ومِن تلكَ الأرواحِ المؤمنةِ التي لبّت نداء المرجعيّة، وفدت وطنها ودينها بروحها الشّهيد السّعيد (فؤاد محيسن عبد أحمد الفتلاويّ).
وُلِدَ الشّهيد فؤاد في منطقة الشّرِش التابعة للقُرنة في سنة (1965م)، وأكمل دراسته الابتدائيّة في مدرستي المثنّى ثمّ الكوفة، وأكملَ المتوسّطة والإعداديّة في مدرسة الفرزدق في منطقة الشّرش ، وتمَّ قبولُه في الجامعة، ولكنّ ظروفَه المادِّيّة أعاقتهُ عن متابعة الدراسةِ فيها، فأكمل دراستَه في المعهد الفنيّ، وحصل على شهادة الدّبلوم، التي أهّلتْهُ لأَنْ يكونَ موظَّفاً في معملِ الورق.
كانَ الشّهيدُ(رحمة الله ) مُضيَّقاً عليه من النظام البائد؛ بسبب عدمِ انتمائه لحزب البعث الظالم، فقد كان من أشدِّ المعارضين للنظام المقبور، إذْ اشتركَ في الانتفاضةِ الشعبانيّة عام (1991م)، وكان مِن أوائل المندفعينَ للجهاد في صفوفِها.
وكان الشّهيد مِن محبّي أهلِ البيت (عليهم السلام)، ومن المواظبينَ على زيارتهم، لاسيّما زيارة سيِّد الشّهداء (عليه السلام))، فبعدَ سقوط النظام العفلقيّ قام الشّهيد مع مجموعةٍ مِن زملائه بتأسيس موكبٍ للخدمةِ الحسينيّةِ على طريق الخطِّ السّريع، وسمَّوا ذلك الموكب باسم موكب رقيّة (عليها السلام)، وكان الشّهيدُ يستضيفُ الزوّارَ في بيتِه، ثمّ يخرجُ من البصرة إلى كربلاء سيراً على الأقدام، ملبّياً نداءَ «لبّيك يا حسين».
وعندما رأى جراحات الوطن تنزفُ، ونداء المرجعيّة يصدحُ بالحقّ، استجاب ذلك النّداء، فكان من أوائل المتطوّعين، ومن أوائل المستشهَدينَ في الحشد الشعبيّ، فهو أوّلُ شهيدٍ من منطقة الشّرِش، وفي أوّل التحاقٍ له نال شرفَ الشّهادة، وكان ذلك بتأريخ (19/7/2014م) في قاطع سامرّاء، وكانت شهادتُهُ بطوليّةً، إذْ كان يعملُ على انتشال جثثِ المجاهدينَ في ساحة القتال، ولدى عبوره السّاتر الترابيّ أُطلِق عليه النّار من التكفيريّين الدّواعش، ممّا تسبّب باستشهاده.
وقد حظيَ الشّهيد بتشييعٍ رمزيٍّ مهيبٍ شارك فيه عددٌ كبيرٌ من أهالي المنطقة؛ وذلك لأنّ جثمانه (رحمه الله) لم يُحصَل عليه.
لقد اتّسمَ الشّهيدُ بحسنِ أخلاقه، وطيب سيرته، وحبّه مساعدةَ الآخرين، وفضلاً عن تلك الفضائل فقد كانت له ثمّةَ كرامة، تتمثَّل في رؤيا ذكرتها ابنةُ الشّهيد، تقول: إنّها رأت في عالم الرؤيا كأنّ القمرَ قد نزل من السّماء، وعندما اقترب منّي تحوّل إلى الإمام الحُسين (عليه السلام)، فمسكني مِن يدي، وقال: هل تريدينَ أن أدلَّكِ على قبرِ والدِك؟ فأخذني إلى مكانٍ جميلٍ، وقام بفتح باب ذلك المكان، وقال لي: هذا بيتُ السيّد السيستانيّ (أطال الله في عمره)، وهو قبرُ والدِك نفسُه ، أمّا الكرامةُ الثانية، فتتمثّلُ بتزامنِ استشهاده مع استشهاد مولى الموحّدين أمير المؤمنين، فقد استُشهد فؤاد في اللّيلةِ الحاديةِ والعشرينَ من شهر رمضان المبارك، فما أعظمها مِن كرامةٍ.
مِن هنا يظهرُ عِظَمُ شأنِ المجاهدِ، وقد قال رسولُ الله)صلى الله عليه السلام): «إنّ رباطَ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ مِن عبادةِ الرّجلِ في أهلِهِ سنةً، ثلاثمائةً وستّينَ يوماً، كلُّ يومٍ ألفُ سنةٍ» .
فهنيئاً لك أبا أكرم يومَ ولدتَ، ويومَ استُشهدت، ويوم تُبعَثُ حيّاً مع الحُسين(عله السلام) وأصحاب الحُسين(عليهم السلام، رزقنا اللهُ شفاعتَهم في الآخرة.
أم أحمد النجّار