الشّهيدُ السّعيدُ خضير عبّاس خشّان
2023/09/26
ما أشبَهَ اللّيلةَ بالبارحة، حيث تعرّضت العترةُ الطاهرةُ لأفدحِ مظاهرِ الإيذاء وانتهاك الحُرمات، دون وازعٍ مِن دينٍ أو أخلاقٍ، فتكالَب أعداءُ الرّسالة على هذه الثُّلّةِ التي كانت بيوتاتهم مهبطاً للرّسالة الإلهيّة، حتى لقد كان لزغَبِ جناحَي جبرائيل وقعٌ في جنباتها.
واستمرَّ مسلسلُ مناصبةِ العَداء للرّسول محمّدٍ(صلى الله عليه واله وسلم ) وعترتِه الطاهرةِ منذ أنْ وقف إمامُ الموحّدينَ وقائدُ الغرِّ المحجّلينَ ويعسوبُ الدّين، بوجه الطُّغيان، يلقِّنُ الجبابرة درساً بعد آخر، مستمدّاً العزم مِن إمامِ الأنبياءِ والرُّسل محمّدٍ(صلى الله عليه واله وسلم ) ، هذه الوقفةُ هي التي أفرزتْ معسكرينِ يسيرانِ في خطّينِ متوازيينِ على مرِّ العُصورِ والأزمان، خطّ الإيمان كلّه وخطّ الكفر كلّه.
فما زال أحفادُ أبي جهل، وأبي سفيان، ومعاوية، والدّعي ابن الدّعي يزيد، يناصبونَ العَداء لأحفادِ الرسول وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ومَن سار على نهجِهم، واتّخذَ سبيلَهم الذي هو سبيلُ الله.
يقفُ الاستكبارُ العالميُّ اليومَ ليُعيدَ إنتاجَ مدرسة الكفر والطغيان، متمثِّلةً بمجرمي (داعش)، أحفاد أولئك المجرمينَ الأوائل، الذينَ لم يألوا جهداً في محاربة الله ورسوله، فهم يستمدُّون أمرَهم مِن أئمّة الكفر وفتاوى الضّلال، فأرادوا بذلك النّيل مِن هذا الوطن وأعمدته ورموزه، متمثّلاً بمقام أهل البيت(عليهم السلام)وأتباعهم، ممّن يُحيُونَ أمرهم، ويعرِّفونَ العالمَ أجمعَ بمظلومِيَّتهم، التي كان ومايزال أعداؤهم يحاولونَ طمسَها من دونِ جدوى.
لقد تصدّى أبناءُ هذا الوطن لتلك الهجمة الشّرِسة مُلبِّينَ نداءَ المرجعيّةِ في دعوتها للجهاد الكفائيّ، فكانَ الشّهيد (خضير عبّاس خشّان الإمارة) واحداً مِن هذه الكوكبةِ التي شَرَت نفسَها ابتغاء مرضاة الله، ودفاعاً عن العقيدةِ والوطنِ.
الشّهيد خضير عبّاس هو من أبناء قضاء القرنة، من مواليد(1379هـ -1959م)، متزوِّجٌ وله ولدانِ وأربعُ بناتٍ، شاعرٌ كرّس شعرَه في خدمةِ عقيدةِ أهلِ البيت(عليهم السلام) الرّاسخة في جَنانه، كان لروحِه الرياضيّة المتميِّزة أثرٌ في تتويجه رئيساً لنادٍ رياضيٍّ في قضاء المدَيْنَة، عمِل جاهداً في إقامةِ قاعةٍ رياضيّةٍ، وقد أثمرتْ جهودُه الحثيثةُ مع شركةٍ أجنبيّةٍ في تحقّق هذا الحلم.
هذه الطّموحاتُ وتلك التطلّعات والجهود الجبّارة كانت لا ترقى إلى طموحاتِه في نيلِ الشّهادة وتلبية داعي الجهاد.
ومثلما كان الشّهيد خضير(رحمه الله) يتّصفُ بروحِ التّعاون، فيتسابقُ في تقديم الخدمات لأبناء قضائِه (المدَيْنَة)، بدا في ساحاتِ الجهاد خادماً لإخوانِه المجاهدينَ، يقدِّمُ لهم كلَّ ما تجودُ به نفسُه مِن ماءٍ وطعامٍ، أو إرسالِ المساعدات الأُخَر.
لم يكتفِ الشّهيدُ بمشاركتِه في الجهادِ المقدّس، بل أشركَ أولادَه معه، فكان يتقدّمُهم في المعارك، ويزيدُ في عزيمتِهم بتحدّيهم في التّسابق في سوحِ الوغى، وملاطفتِهم في أصعبِ اللَّحظاتِ، وعند رفيفِ قلوبِهم على أبيهم، إذْ شاركَ في تحرير منطقة العويسات وقضاء بَلَد، واشتركَ في تحريرِ منطقةِ الرحاليّة التابعة للرّمادي، قُرب منطقة عين التمر، فكانَ قدوةً لهؤلاءِ الأبناءِ، يسطِّرُ أمامَهم أروعَ ملاحمِ البطولةِ والجهادِ، إلى أنْ جاءَ يوم(4/3/2015م) ليقعَ شهيداً في سوح الجهاد أثناء تأديتِهِ واجبَه في خِدمةِ إخوانِهِ المجاهدينَ، إذْ استقلَّ سيّارتَه التي كان يجلبُ بها
(الدّيزل) إلى مقرِّهم، فاصطدمتْ بشاحنةٍ كبيرةٍ على الطريق العام.
غادَرَنَا الشّهيدُ جسداً، لكنَّ روحَه الطّاهرة بقيت خالدةً ترفرفُ في سماءِ الشّهادةِ والخلود، وقد تركَ عائلةً كان يُوصي بها أصدقاءه ومحبِّيه؛ لأنَّ أولادَه ظلُّوا مرابطينَ في ساحات الجهاد، وبقيت العائلةُ من دونِ مُعيل.
شُيِّعَ الشّهيد خضير عبّاس خشّان الإمارة بموكبٍ مهيبٍ يليقُ بمنزلتِهِ شهيداً ومجاهداً، فقد عبّرت النّاسُ عن عظيمِ ألَمِها وكبير حُزنها على فقدِهم الأخَ والإنسانَ الذي غمَر بلدتَهُ وأهلَهُ بكلِّ أشكالِ العَطاءِ والتضحيةِ.
رحمَكَ اللهُ أيُّها الشّهيدُ السّعيدُ، وجَعَلَ مثواكَ جنانَ الخُلدِ، وستبقى الأمّةُ فخورةً بكَ وبأمثالِكَ.
محمّد قاسم نعمة