أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشهيد السعيد علي سلمان التميميّ
2023/09/27

تَتَحكّمُ في سلوكِيّاتِ الإنسانِ وتصرّفاتهِ وأخلاقِه ثَلاثُ قوى هي (العقلُ والشّهوةُ والغضبُ)، وهي تبقى مُصاحبةً له حتَّى لحظاته الأخيرة، بل تؤثّر إيجاباً أو سلباً على حياته الأخرويّة، ويستحكم التزاحم بين هذه القوى في نفس ابنِ آدم؛ كونها قوى ترغبُ فيها نفسُه وتحتاجُها، وفي النهاية لابدَّ مِن انتصار واحدةٍ منها على البقيّة عن طريق إخضاعِ النفسِ الإنسانيّة لهذه القوَّة القاهرة دون سواها، لتحصيل غايتها ومناها، حتَّى لو كان على حساب القوّتين الأُخريين، فإذا غلبتْ شهوةُ إشباع البطن على العقل، حرَّكتْه لتناول طعامٍ يعلمُ تأثيره سلباً على فكره، وعندها يكونُ شرُّه في بطنِه، وقد ورد عن مولى الموحّدينَ(عليهم السلام): «مَن زادَ شبعُه كظّتْهُ البِطنَة، ومَن كظّتْه البِطنة حجبتْهُ عنِ الفِطنَة» ، وكذلك هو الحال في القوّة الغضبيّة التي ما أنْ تميلُ عن الاعتدال إلى طرف الزيادة فتُسمَّى تهوّراً، أو أن تميلَ إلى النقصان فتسمَّى جُبناً، فكلُّ شيءٍ يخرج عن حدِّه ينتقل إلى ضدِّه، وكمال تلك القوى وحسنها وصلاحها يكمن في خضوعها للعقل الموافق لحكم الشرع، وعندها يُوصف صاحب التعقّل المتّبع حكمةَ المشرِّع جلَّ شأنُه بالكياسة والفِطنة المؤدّية للحكمة، التي هي إصابةُ الحقِّ بالعِلم، وهي هِبةٌ مِن الله سبحانه،
قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) ، وبها يخصُّ خِيرة عبادِه، فتُمكِّنهم من فعل الخيرات، والعمل بالتكليف، وتحمّل المسؤوليّة في حِفظِ نظامِ الحياة، والدّفاع عن مبادئ الدّين الحنيف، وقد يُقدِمُ هؤلاء المتعقّلين على التضحية بالمال والنفس مِن أجلِ امتثال أمر الشارع المُقدَّس، فيسعدون بطاعتِه ويحظَون برضوانه في دار خُلدِه بنيلهم الشّهادة التي تفتحُ لهم آفاق الحياة الأبديّة السّعيدة، ومِن أولئك السُّعداء الشَّهيد (علي سلمان التميميّ) الذي نَالَ وِسامَ الشّهادةِ بتأريخ(ِ2/9/2014م) في آمرلي.
وُلِدَ الشّهيد في منطقةِ التنّومة - قَضاء شطّ العرب، وهومن مواليد(1413هـ -1993م)، ثمّ انتقل سَكنهم إلى قضاء أبي الخصيب – العوجة، وفيها نَشَأَ وتَرعرعَ وأكملَ دِراستهُ الابتدائيّة حتَّى وَصَلَ في دراستهِ إلى الصّفِ الثّالثِ المتوسّط، فتَرَكَ الدّراسةَ بسبب الوضع المادّي، فضلاً عن سوءِ حالِ صحَّة والدهِ، الذي كان يحتاج إلى رعايته، إذْ كان يُعاني من مرضٍ في حنجرته أدّى إلى فقدانه النُّطقِ، لكنَّهُ يَسمعُ ويكتبُ عِندما يُريدُ الإجابةَ عن أيّ سؤالٍ، وقد سعى هذا الوالد المُبتلى في حياته بابتلاءاتٍ شتَّى لأن يُنشِّئ أولادَه على ولاء العترة الطاهرة، إذْ كان يصطحبُ وِلدَه في كُلِّ أسبوع إلى مسجد الهُدى ليتلقّوا عقائدهم وفقههم على أيدي العلماء، من هنا حفظ الشَّهيد الدرس جيّداً وسار على نهج الولاء، إذْ كان له ارتباطٌ وثيقٌ بالإمام الحُسينِ)عليه السلام)، فكانَ يَذهبُ سيراً على الأقدامِ إلى زيارةِ سيِّد الشّهداء)عليه السلام)في زيارةِ الأربعين، ويبقى بعدَ وصولهِ إلى كربلاء يَخدمُ في مَضيفِ أبي الفضل العبّاس)عليه السلام)، وفي بعضِ مواكبِ الخدمةِ الحسينيَّةِ.
عَمِلَ الشّهيدُ في بدايةِ حياته سائقَ أجرةٍ ولكنَّه التحق بعد مدَّةٍ بشركةٍ أمنيّةٍ، ما ساعدهُ على تحصيل خبرةٍ عسكريّةٍ من خلالِ المُمارسةِ على أنواعِ الأسلحةِ الخفيفةِ والمتوسّطة، ومنها القنَّاصُ، وغيره.
وعِندَ سَماعهِ فتوى الجّهاد الكفائيّ لم تَسع الأرضُ فَرحتَهِ لتلبيةِ نداءِ المرجعيَّةِ الرّشيدة والالتحاقِ بهذا الواجبِ المُقدَّس، فتوجّهَ الى أكثرِ من مركزٍ لتسجيلِ اسمه ليتمكّن من التوجّهِ إلى ساحات القتالِ مع إخوانهِ الذين يُدافعونَ عن أرضِ المُقدّساتِ، والتحق بالحشد الشعبيّ بتأريخ الثالث عشر من شهرِ رمضان المبارك، ولهُ مُشاركاتٌ مُشرِّفةٌ في ديالى والعْظِيم وآمرلي، وعند توجّه القطعات لتحرير مدينة آمرلي قطع إجازته والتحق برفاقه الأبطال عند سماعه بتوجّههم لتحريرها، وقد كان المسؤول عنه رافضاً التحاقَه بهم؛ كون هذه الأيّام مِن إجازته، لكنَّه أقسم على مسؤوله بالزَّهراء)عليها السلام) بأنْ يسمحَ له بالمشاركة في تحرير المدينة وخوض النِّزال ضدَّ الدّواعش الكفرة، وفي بادئ الأمر تمَّ رفض طلبه بالالتحاق، لكن وبعد يومٍ مَرِضَ أحدُ المقاتلينَ فوقع الاختيار على الشَّهيد علي سلمان التميميّ بديلاً عنه، فالتحق بصفوف الحشد الشعبيّ.
كان استشهادُه(رحمه الله) بتأريخِ(2/9/2014م)، على يدِ قنَّاصٍ لعينٍ، وذلك بعد أنْ رأى أحدَ رفاقه مصاباً، فحاولَ حملَهُ وإبعادَهُ عن الخطرِ، ولكن من دونِ جَدوى، فَقد حالتْ بينهُ وبين رفيقِهُ رصاصةٌ أنهتْ حياته لتُبشّرَهُ بالالتحاقِ بركبِ الشُّهداءِ مع أصحاب الإمامِ الحُسين(عليه السلام).
وبعد وصولِ جُثمانهِ الطّاهرِ(رحمه الله) كان لهُ تشييعٌ مهيبٌ أشبهُ بزفَّةِ عُرسٍ لِما تَبعهُ من الأهازيجِ ونثر الورودِ والتّهاني لِذوي الشّهيد، فَختمَ الشّهيدُ حياتَه بابتسامةٍ رُسمتْ على شفتيهِ؛ لتُعطيَ لِمن يَراها أملاً، وتزيده إيماناً، وتُعرّفه ما للشَّهيد من منزلةٍ عظيمةٍ عند اللهِ(عز وجل).
رحم اللهُ شهداءَنا الأبرار، وجعلنا مِن السّائرينَ على خُطاهم.



حسين عبد الوهّاب