أدب فتوى الدفاع المقدسة
قِصة شهيد رَفضَ الزواجَ من الجَنةِ
2024/06/22
لو كنت شابا في ريعان شبابك وفي قمة قوتك ، ولديك كل متطلبات الزواج ، وتأتي اليك عروس كالجنة لا يوصف جمالها ، ولا يعد مالها ، ولا يبلى حسنها ، وتزيدك إيمانا بما تؤمن ، فهل ترفض مثل هكذا عروض ؟
بالتأكيد لا مجال للرفض إطلاقا !
لكن يا ترى من هذا الذي يمكن ان يرفض زوجة وعروسة كالجنة بسهوله ؟ بينما سعى لها الرجال جميعا ، ويسعون جاهدين وكادحين الليل مع النهار في سبيل إرضائها ، أو ان يجعلون عينها ترمقهم بطرفة حنينة دافئة ..!
نعم أيها السادة في الـعــراق فقط تجد مثل هكذا رجال خارقين القلوب والعقول ، تركض لهم الجنان وتشتاق لهم وهم لا يأبهون لها على الإطلاق ، لان غايتهم أسمى وأعلى من الجنان العاليات المزينات ، غايتهم كبيرة وعظيمة ،هي : (ورضوان من الله أكبر) ، ولكن ليس كل رجل يصل الى هذه المرحلة وهذه الطاقة العالية والهمة الجبارة بسهولة ، بل ان الرجال يقضون جل أعمارهم في تحقيق هذا الهدف الأسمى والغاية الكبرى ، ولكن ما رأيكم في شاب لم يبلغ من العمر واحد عشرون عاما ، يحقق كل هذه الصفات ويقطع كل هذا الطريق الطويل بأقل من سنتين ؟!
نعم لا تستغربوا فقد كان عمره عشرون عاما فقط عند استشهاده ، فهو من مواليد (7/9/1997 للميلاد) ! .
ووصل لما يطمح له الكبار من العلماء ، والكثير من الأولياء ، وصل الى درجة ، من الإيمان بأن الجنة هي وسيلة للوصول الى رضوان الله الأكبر وليست هي الهدف ، نعم ، إنه الشهيد الشاب :( ضـياء حـسـيـن علــي )، الذي ولد وتربي بين أنفاس سيد الشهداء ، وارتوى من عليل ماء العلقمي ، وتعود الصعود والشموخ من التل الزينبي ، إنه من مدينة كربلاء المقدسة (100 كم جنوب بغداد) .
لقد كان طالبا في المدرسة وبالتحديد في الصف السادس الاعدادي ، كان على عتبة مستقبله الذي كان يحلم به ، كان واقفا بكل فرح وهو ينتظر الخروج من هذه المرحلة والانتقال لمرحلة الجامعة ، التي ترسم حياته المستقبلية ، لكن وفي إحدى الأيام سمع نداءا عجيبا وغريبا ، وبالتحديد في يوم الخامس عشر من شهر شعبان المعظم من عام 1436 للهجرة النبوية المباركة ، سمع نداء الدين ، نداء الإستغاثة ، نداء فتوى الدفاع المقدسة ، التي نادى بها قائده السيد السيستاني (دام ظله) ، فهاجت أنفاسه شوقا لرضا الرحمن، وطار قلبه فرحا كطير سليمان ، فشمر عن ساعديه والتحق بركب المجاهدين الذين كانوا كالسيل الجارف بوقتها ، عندما لبوا نداء مرجعهم الأعلى ، وشارك في المعارك كلها التي تواجد فيها ، وكانت همته أكبر من عمره بكثير ، فيتعجب منه العدو والصديق ، فالعدو يتمنى قتله ، والصديق يغبطه لما لديه من إيمان كالجبال الرواسي ، لا هزه عاصفة ولا ريح صرصر ! يخوض فيهم خوض الأبطال ، لا تأخذه فيهم رحمة ولا رقة ، ويكون أكثر حنانا على إخوته المجاهدين وعياله ويفتح ذراعه كما الطير تفتح جناحها لصغارها .
وفي ذات ليلة من ليالي القتال وهو جالس مع اربعة من أصحابه على ساحة صد العدو في قاطع تكريت ، كانت ليلة حالكة ، البرد فيها شديد ، والأمطار تتساقط ، والضوء فيها خافت جدا ، وإذا بالهجوم يتعرض لهم من قبل داعش وعددهم بالعشرات ، فحصل الهجوم من دون سابق إنذار كما هي عادة أهل الغدر والمكر ، فأستقبلهم ضياء بشعور ممزوج بلذة قتال هؤلاء مع خوفه أن يستشهد دون أن يأخذ مراده من قتالهم ، أشتد القتال وحمى الوطيس وانكشفت الغبرة إلا وقد بقي مع ضياء شخص واحد جريح ، قيل له أهرب يا ضياء وانج بنفسك ، ودعني أنا فنجاتي مستحيلة ، وخذ لنا بثأرنا فيما بعد ، رفض بشدة التخلي عن صديقه ، و تملك قلبه نوع من الحرقة والحزن ! كيف أذهب وانا اتيت من أجلهم ! من أجل التخلص منهم وقتالهم ، لا لن اهرب ، إما ننتصر وأرجعك الى أهلك أو استشهد هنا بجنبك وسلاحي في صدورهم .
ولكن الضباع بطبعها تستغل الأسود الجريحة والوحيدة ، فداروا عليه من الجهات ، فصارت الجبهة كتلة من النار ، أحتوشوه من كل جانب ومكان ، كلها على ضياء الشاب صاحب (20 عاما) ، وهو يزيح بهم عن صديقه الجريح بكل ما يستطيع ولم يدخل لقلبه ذرة خوف ، بينما هو كذلك وإذا بأنفاس ضياء تستريح تدريجا ، وصوته يضعف رويدا رويدا ، وقوته تضعف بأستمرار ، ضياء مالذي حصل ؟ ماذا جرى لبركانك الثائر ؟ كان جوابه ضعيفا جدا ، إنها النهاية التي أحلم بها يا صديقي ! إني ارى الجنة أمامي والطير صافات بعيني ، إنها ساعت الرحيل أيها الصديق ، وإخبر أهل عني السلام ، لا سيما زوجتي التي لم اتزوجها بعد .
دخل الجنة ضياء بكل فخر واعتزاز ، وفتحت الجنة أبوابها له ، وكان لا همه الوحيد رضا الرحمن ، فعرضت عليه الجنة بما لا عين رأت ولا إذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وكان الجواب منه بحياء ، ان زوجتي موجودة ولن اتزوج من غيرها ، سأنتظرها هنا حتى يأذن الله .

أيها الشهيد الصغير بعمرك ، الكبير بفضلك وجهادك، ما نقول فيها إلا كما قال أمير المؤمنين عندما جاءه خبر استشهاد محمد بن أبي بكر ، حيث قال عليه السلام وهو يعزيه : (أمّا إنّ حزننا عليه على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافاً) .

باقر جميل