أدب فتوى الدفاع المقدسة
عين الرضا
2024/10/09
مصطفى علي فليح العبودي، شاب في مقتبل العمر، من مواليد ١٩٩١م، ظلف النفس طيب الأرومة بار بوالديه، حسن الخلق مع أصحابه وجيرانه. هكذا وصفه كل من عرفه.
ما إن حطت أقدامنا في محل سكناه بكربلاء المقدسة حتى استوقفنا جار له يخبرنا بعفوية صادقة أن البطل مصطفى ساعده بمبلغ مالي حين شعر بأنه يمرّ بضائقة مالية، ثم توجهت نحونا امرأة مسنة تتدارك خطاها الهرمة كي تصل إلينا وترفع صوتها كي نسمعها وسط زحام محبيه، لتسرد لنا كيف أنه ذات يوم أخذها الى الطبيب ودفع عنها ثمن المعاينة والعلاج، ثم وصل إحسانه إلى جارتهم الصغيرة فبدأت هي الأخرى تتحدث ببراءة مع الصدق المخنوق حزناً: «عمو مصطفى كان يعبرني الشارع عند ذهابي الى المدرسة كل صباح.
صرنا نسمع حكاية تلو الأخرى حتى دخلنا منزله حيث والده ووالدته اللذان بدا على أحداقها شوق قاتل إليه، كانا ينتظرانه بفارغ الصبر.
كانا متلهفين لسؤالنا عنه كي يستعيدا شريط الذكريات الذي أصبح عزاءهم الوحيد وما إن نطقنا بكلمة حتى أحضرت والدته صوره، تقبلها ودموعها تنهمر على خديها تصاحبها كلمات الحنين: لم أرَ بحياتي من يشبه ولدي مصطفى أبداً، ثم أطرقت تسألنا وكأننا نعرفه كمعرفتها به: بربكم هل رأيتم شخصاً له مثل هاتين العينين وهذا الوجه الصبوح كولدي؟
اعتدلت في جلستها واقتربت أكثر وهي تمسك الصور وتشدها إلى صدرها بحذر: ولدي مصطفى كل شيء فيه مُدعاة للفخر، فقد كان مؤمناً مواظباً على صلاته هادئ الطباع قنوعاً ومحباً للخير كنت دوماً أنظر إليه بعين الرضا فلم أغضب منه يوماً لأنه لم يعطني سبباً لذلك، فلم ينهرني ولم يؤذني قط، هو ولدي وصديقي وأنيس روحي، كان خادماً مخلصاً للإمام الحسين، وحتى بعد موته ما زلت أشعر بالرضا والفخر لكن فراقه يقتلني لذا لا أطلب من الله سبحانه وتعالى إلا الصبر لأنني لن أنساه. أراحت شفتيها بالصمت ثم استأنفت حديثها وكأنها تذكرت معلومة مهمة: أتذكر في آخر إجازة له وبينما كان منشغلا بحزم أمتعته وهو يمازحني كعادته نظرت اليه وشعرت كأن ضلوعي أطبقت على قلبي تعصره، ذلك إحساس الأم بوجع الفقد كان شعوراً قوياً زارني قبل أوانه لأنهيأ واستعد، إلا أنني رجوته ألا يذهب هذه المرة لأنني خائفة جداً وأشعر أني لن أراه مجدداً.
أجابني مبتسماً وهو يقبل وجنتي: لا تحزني يا أمي بل افرحي فأنا راحل الى الإمام الحسين، وتذكري دوماً مولاتنا زينب الا كيف ودعت اخوتها وأحباءها بصبر وثبات.
ودعته كما أوصاني، رحل دون رجعة وها أنا أجلس من بعده أطلب الصبر من مولاتي العقيلة لأتحمل ألم فقد ولدي مصطفى البطل الذي أبى أن يموت حتف أنفه بل التحق بصفوف المقاتلين وحفر قبره بيده، كان يروم منزلة أعلى وأجل ملتحقاً بلواء علي الأكبر في جبال مكحول ليسجل اسمه في سجل شهدائه الأبرار تحت حوادث يوم السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني عام ٢٠١٥ م.