شهادة مع مرتبة الشرف
2024/10/13
رجل غيور لا مثيل له بهذه الكلمات وصف لنا الأهل والجيران والأصدقاء الشهيد صباح عبد الكاظم، أما نحن فقد وقفت كلماتنا مشلولة عاجزة عن التعبير أمام هيلمان هذا الصرح البطولي والأخلاقي، وترددت حروفنا مخافة أن لا تعطي الشهيد حقه واستحقاقه، بأي كلمة نصف رجلاً طيباً، غيوراً على أرضه وعرضه مثقفاً وواعياً، اعتبر دراسته طريقاً آخر يزرع به بذور الخير، فقد كان يطمح أن يتخرج محامياً لنصرة الضعيف ومساعدة المحتاج، لذا التحق بكلية القانون جامعة أهل البيت، وبعد أن أكمل السنة الدراسية الأخيرة، لم يمهله القدر حتى يستلم شهادة تخرجه؛ لأنه أسرع ملبياً نداء الواجب والوطن لشعوره بحجم الخطر وثقل المسؤولية، فأخذ على عاتقه مهمة تثقيف الشباب بمعنى الجهاد وأهمية الفتوى وأيضاً تدريبهم على حمل السلاح وذلك بالتنسيق مع مجلس محافظة كربلاء، استمر صباح بتدريب الشباب وتحشيدهم للجهاد في ملعب كربلاء، إلى أن تقلد الصفوف الأمامية المحامية عن البلد، قائلا لزوجته التي عارضته خائفة: «لا نفع من محاولاتك إيقافي، سأذهب حتماً، لأعود بعدها إما مكفناً بعلم الوطن الغالي، أو سالماً مكللا بوسام النصر»...
خياران لا ثالث لهما، فنحن لم تُخلق لنذل أو نهان، هكذا تعلمت من سيدي ومولاي الحسين ، ثم أكمل: أو تذكرين الحلم الذي رأيته في منامي منذ سنين ولم نجد له تفسيراً، حينها رأيت رجلا ذا هيبة ووقار يجمع الناس ويختار منهم أنصاره ليحملهم معه بسفينته، وكنت أنا من بين الذين اختارهم ذلك الرجل، وبعد أن اختارنا سلم لكل منا راية وبدلة عسكرية، قبل صعودنا إلى السفينة، لم أفهم حلمي آنذاك، أما الآن فأصبحت أعرف تفسيره، لذا ادعي لنا بالتوفيق والسداد، وفعلا بدأ صباح رحلته الجهادية، متوجهاً الى منطقة التاجي في بغداد، مستصحباً معه (۱۳۰) شاباً تحت قيادته ليكونوا (لواء الصالحين).
وهناك رمى الخوف وراء ظهره، وراح يغامر من أجل الحق والعقيدة، لا يخاف في الله لومة لائم، يضع الخطط ويطهر البيوت التي نجستها أقدام الدخلاء، ففي احدى العمليات وجدوا عبوة على الطريق تعرقل مسيرهم ومنعهم من القضاء على العدو، عندها أمر جنوده بالابتعاد الى الخلف خوفاً عليهم، وتقدم وحده لتفكيكها لم يكن تصرفه هذا نتيجة تدريب مسبق، لكن الشجاعة والواجب هما من يحركانه وبتوالي العمليات العسكرية سجل بطولة تلو الأخرى، تقدم وغامر وضحى حتى نال الشهادة التي يرنو إليها، أما شهادة التخرج فقد كانت شبيهة به استثنائية كما كان حيث قامت جامعته التي احتضنته طالباً متفوقاً خلوقاً، بتسمية دفعة كلية القانون باسمه تكريماً لمثواه، وسلمت لزوجته شهادته مكللة بوسام التفوق، لينال أخيراً شهادتين بمرتبة الشرف.
زوجة الشهيد بدأت تواسي نفسها قائلة: «كان صباح .. يشارك في ركضة طويريج ويعود للمنزل وهو لا يستطيع الكلام لثلاثة أيام أو يزيد عن ذلك، وعندما أسأله عن السبب، يجيبني بقوله عندما أصرخ لبيك يا حسين، أرى إمامي الحسين ينظر الي فأعود وأصرخ عالياً ليسمع نصرتي له، خيم الصمت عليها لوهلة ثم اردفت.. وأنا بدوري لست أفضل من السيدة زينب التي قدمت جواد المنية لأخيها لذا علي أن أتحلى بالصبر وابنته الوحيدة (نور) تجلس صامتةً في زاوية الغرفة، تحن لدفء وجه والدها الشهيد، فتذهب اليه بين الفينة والفينة تحتضن قبره وتشم ثراه.
أما نحن فلا ندري... يا ترى هل وفقنا في سرد جزء بسيط من حياته المشرفة أم سيلومنا عندما نلتقي معه في عالم آخر، ونحن نقف صفاً واحداً جنوداً مجندة لنصرة الحق مع إمامنا الحجة المنتظر.
رحم الله من يقرأ سورة الفاتحة المباركة.....