أدب فتوى الدفاع المقدسة
بنيتي اليك وصيتي
2024/10/20
طفلتي الحبيبة ...
ليتك تعلمين كم دعوت الله حتى رزقت بك فكنت امنيتي من قبل خمسة عشر عاما بعد ان ولد اخوك ....
فملأت حياتي بهجة وسروراً..
فبولادتك شع نور أمنيتي الثانية وهي نيل الشهادة، كان أمرا صعبا بالنسبة لي ان أتركك وارحل....
فسامحيني يا غاليتي.. كانت تلك فرصتي الوحيدة..
فارقتك رغم شوقي الذي طالته السنين لرؤيتك....
والآن وايامي على وشك الانتهاء...
اكتب اليك كلماتي الاخيرة..
اوصيك ياغاليتي ان تتخذي من الزهراء الا قدوة ومن حياة الحوراء سلام الله عليها عبرة.... كوني كما تريد عن الملا، وأكملي من بعدي المسير فان كان ربي قد احتسبني مجاهدا في سبيله فكوني أنت أيضا مجاهدة في دارك... علمي أولادك مبادئ الثورة الحسينية حتى يشبوا أبطالاً مجاهدين لينصروا إمامنا صاحب العصر والزمان .
أشبال حسينيون....
ثلاثة أولاد بعمر الزهور... أكبرهم صاحب الأربعة عشر ربيعاً ولعله الأوفر حظاً من إخوته الآخرين لقضائه فترة أطول مع أبيه استلهم من فيض اخلاقه وشجاعته، حتى أمسى شجاعا مثله، قادته حميته الى ان يترجى عمه طالباً منه الاذن بالالتحاق بصفوف المجاهدين ليحل محل أبيه في ساحات الوغى. أما أخوه الأوسط... فله ذكرى من نوع آخر....
فبات يحدثنا وبريق البهجة يتلألأ في عينيه، والابتسامة ملء شفتيه قائلاً: «سأكون مثلك يا ابي
فعندما أكبر وأصبح أباً..
سأجمع أطفالي واقصص عليهم القصص...
كما كنت تفعل معنا وستكون حكايتي الأولى لهم بطولة جدهم الشهيد عباس جعفر)... لأنك كنت تصطحبنا دوماً معك لتتشرف بزيارة مراقد الائمة الاطهار ... فسأفعل الشيء نفسه مع أطفالي...

أتذكر يا والدي كيف كنت تعامل جدتي؟! سأعامل امي مثلك تماماً ... لا انسى عندما كنت تجلس بتواضع بين يديها ... تُقبلها وتقول ... رضاك يا أمي.. فرضا الله من رضا الوالدين.
نصائحك.. توجيهاتك.. أخلاقك... شجاعتك... ولاؤك لأهل البيت ...
حسن تعاملك معنا... كل ذلك وأكثر سأرويه لأبنائي واعلمهم اياه.
أعدك يا والدي بأني سأنفذ وصيتك حينها أوصيتني ان أكون رادوداً حسينياً.... أقرأ ما تكتبه لي امي من قصائد.. وسأدرب نفسي على تعلم الأذان... كي أدعو الناس للقاء ربهم في صلواتهم... وسأقرأ لروحك سورة الفاتحة بعد كل أذان.
أخبرني عمي الذي كان يرافقك رحلتك الجهادية أنك كنت تؤذن هناك ان حان وقت الصلاة. هل سمعتني يا والدي... يوم وقفت وسط جمع غفير من الرجال في مأتم رحيلك... حينها
أنشدتهم
شعراً يتحدث عن منزلة الشهيد لتكون هذه انطلاقتي الاولى في طريق تحقيق حلمك بأن يكون ابنك.. قارئاً حسينياً... فهنيئاً لك الشهادة يا والدي العزيز ولي كل الفخر والاعتزاز بهذا الوسام
الذي تركته لي بأن اكون ابناً للشهيد.
رفيقتي في مسيرتي الجهادية....
ام حسن (زوجة الشهيد عباس جعفر) تلك المرأة المؤمنة الصبورة لا يسعنا الا أن نقول أنها منهل للصبر والشجاعة، فمنها استمد أطفالها، قوتهم، رافقت الشهيد في اسعد أيامه وأقساها حتى باتت تعرف ما يجول بخاطره بمجرد النظر إلى عينيه، حاولنا مراراً وتكراراً ان نرى الدموع في عينيها، إلا ان محاولاتنا باءت بالفشل، فهي صامدة كالجبل، حدثتنا عن زوجها الشهيد بنبرة ترهب العدو...
ما ان يسمعها حتى يعرف السبب وراء الانتصارات التي حققها خصمه... فاستهلت حديثها بالقول... (ابو حسن) ذلك الإنسان الملتزم دينيا والشهم أخلاقيا حلق كالطير ما ان سمع نداء المرجعية
بالتطوع الجهادي... فالتحق بصفوف الابطال الغيارى للتدريب على حمل السلاح.... كان الزمان... شهر رمضان... وحرارة الصيف قاربت الستين من الدرجات... وكأنها كالنار التي توقد تحت الماء ليغلي... هكذا كانت حرارة شهر تموز للصائمين في معسكرات التدريب أججت في نفوسهم الحماس والعزيمة لتحقيق النصر المؤزر..
أمضى سنين عمره قائما ليله وما برح ان يدعو لنفسه في صلاة الليل ان يكون من الشهداء وحاشا الله ان يرد دعوة مؤمن دعاه.. ولكن أجلها الى حين شارك هو واثنان من إخوته في العديد من المعارك التي انتهت باسترجاع الأراضي المسلوبة... كان يروي لنا جزءاً مما يدور هناك فيصف الدواعش الجبناء كأنهم (خفاش الليل) يختبئ نهاراً ويظهر ليلاً ... أعمى الله بصيرتهم فارتدوا على أدبارهم خاسرين ... كانوا لهم كالذئاب لا تعطي الفريستها فرصة للهروب، لذا كانت اغلب المواجهات ليلا وسط الظلام الحالك والبرد القارص شتاء لم يتوان أبطالنا عن أداء واجبهم فحررت بسواعدهم الأبية الكثير من المناطق. كان الشهيد رحمه الله قبل الخروج من داره ليلتحق بركب المجاهدين يتهيا ويغتسل غسل الشهادة ويودعنا جميعا ويذكرنا بما أوصانا من وصايا ما زال عبق ذكراها يفوح في كل يوم نعيشه.
قبل خروجه في المرة الاخيرة روى لي مناماً كان قد رآه.... رأى بأني معه في الجهاد وجاء ليخبرني انه يجب ان يتركني لوحدي ويرحل قائلاً لي: ان الوقت قد حان لنفترق فلا تخافي من وحشة الطريق لوحدك وتذكري دوماً (من كان مع الله كان الله معه).... وكعادتي استقبلت كلامه بابتسامة وكلمات تشد من عزمه وتثبت من جاشه.... وفي قرارة نفسي فسرت رؤياه بدور الأم الجهادي في تربية أطفالها الأيتام فكانت وصيته الوحيدة
لي أن اهتم بأطفاله وبيته واجعل من داره مركزا لطلب العلوم الإسلامية... زوجي العزيز نم قرير العين.. مطمئن الفؤاد.. فأطفالك أمانة في عنقي وسأسعى جاهدة ليكون
دارك كما تريد مكاناً لتعليم القرآن الكريم والعلوم الاسلامية....
ذكريات كثيرة وكثيرة تركها الشهيد البطل عباس لا يمل الانسان من سماعها وقراءتها لكونها تنمي الروح الجهادية في نفسه.. فهنيئا لك لما تركته من خلف صالح استمسكوا بما رسمته لهم من نهج محمدي
أصيل..