الشهيد أحمد العبودي: رحلة العود الأخير إلى ميادين الشرف
2024/11/09
الاسم: الشهيد احمد محمد رزاق العبودي(ابو رقية)
المواليد: 1989
محل الولادة: النجف /المشخاب
تاريخ الاستشهاد: 2015/7/5
مكان الاستشهاد: الصقلاوية
الشهيد السعيد من محافظة النجف الأشرف قضاء المشخاب مدينة الشهيد السيد جعفر بحر العلوم+ مدينة الشهداء، ومنبع التضحيات، متزوج، ويسكن مع أهله في بيتٍ واحد، وله طفلة وحيدة اسمها (رقية).
طيب القلب سمح الوجه حسيني الهوى تجده في اوقات الصلاة عاكفاً في المسجد القريب من منزله، واصلاً لرحمه وجيرانهُ يتفقد الصغير قبل الكبير.
خريج كلية الإدارة والاقتصاد جامعة الكوفة قسم إدارة الأعمال بدرجة امتياز عام 2012م ونظراً لعدم وجود تعيين، اضطرّ للعمل كاسباً في إحدى الاسواق الشعبية ليعيل عائلته على أمل الحصول على وظيفة في إختصاصه.
وبعد جهد جهيد، حصل على عقد عمل في مديرية ماء ومجاري النجف لم تسع فرحتهُ الدنيا بأسرها لحصوله على هذا العقد، كان ذلك سنة 2013م فعمل بجد ومثابرة أحبه أقرانه ومسؤوليه حيث كان طاقة لا تملّ ولا تكل رغم بعد المسافة بين محل عمله وسكنه.
وبعد مضي سنة على عمله الجديد، صدرت فتوى المرجعية في الجهاد الكفائي فترك عمله رغم حُبّه له، وتوجه للجهاد دفاعاً عن بلده ومقدساته منخرطاً في صفوف كتائب حزب الله.
شارك الشهيد (أبو رقية) في العديد من المعارك منها في (العظيم ,بروانة, مكيشيفة والنباعي والكرمة) واستمر جهاده لمدة ستة أشهر حتى صدر أمر تعينه الذي كان يترقبه كثيراً ويحلم به ليعيش حياة مستقرة, وليصبح من الموظفين الدائمين في مديرية زراعة النجف باشر في عمله الجديد وسط فرحة الاهل والاقارب, ولكن لم تكن علامات الفرح تظهر على وجهه الذي عهدناه مستبشراً, بل كان على عكس ذلك فقلبه وفكره في الجهاد والمجاهدين, واستمر على هذا الحال في حالة حزن تأخذه حسرات طويله على تركه الجهاد لمدة أربعة أشهر, حيث كان يعيش في صراع داخلي مع نفسه وسط ضجيج الدنيا وملذاتها, حتى قرر أخيراً العود الى الجهاد في سبيل الله وذلك في الشهر السادس من السنة نفسها ليختار هذه المرة العمل في استخبارات الحشد الشعبي ويتحدث الحاج احمد العبيدي(ابو ياسر) عن هذه الفترة من حياة الشهيد التي لم تدم طويلاً بالقول:
(كان إصراره على الذهاب للخطوط الأمامية ملفتاً ومثيراً للاستغراب، قلت له: ألم تقل إنك قاتلت في العظيم وآمرلي وجرف الصخر وبلد وصلاح الدين؟ فما الذي جاء بك مرة أخرى للحشد وقد صدر أمر تعيينك في وزارة الزراعة؟)
قال: (لم أترك الجهاد رغبة عنه، بل عدت إلى بلدتي لأسجل مباشرتي في شعبة زراعة المشخاب، وها أنا أرجع لسوح الجهاد، لن أترك هذا الطريق قط).
فمكث في أحد مقراتنا الخدمية في الخطوط الخلفية أربعة أيام أحبه خلالها كل من تعرّف عليه، لكنه كان يصر على ترك هذه الخطوط المتأخرة وكأن روحه تحلق في مكان تعشقه، إنها الجبهة في خطوطها الأمامية.
وما أن توفرت الحاجة في مقر أمامي من مقراتنا لمجاهد يجيد عملاً إدارياً تخصصياً، حتى بعثت إليه ليتوجه إلى حيث يريد، فما مرت سوى ثلاثة أيام إلّا وأخبرني مسؤوله المباشر أن (أبا رقية) يتوسل إليه ليل نهار ليكون ضمن القوات التي تستعد لإقتحام منطقة شمال الصقلاوية، وقد توسط لديه ثلاث مرات وجاءه ببديل يؤدي عنه عمله.
كان يتصل بي بين يوم وآخر يسأل عن كتاب تفريغه من عمله الإداري، فأخبره في كل مرة: إن الإخوة يتابعون ذلك، وسأعلمك حال صدوره لتوصله إلى دائرتك.
حين صدر الكتاب اتصلت به يوم 2 تموز، فطلب من مسؤوله رخصة ليوم واحد، حضر خلاله إلى المقر وأخذ كتابه ثم عاد إلى مكانه المحبّب في اليوم التالي. مرّ يوم آخر، وبينما كنتُ متوجهاً إلى ناظم التقسيم برفقتي شابين من مجاهدينا رنّ هاتفي النقال، أنه مسؤول المحور: ألو حاج هل تسمعني؟ أحد شبابنا مفـ…. ألو…. أقول لك أحد…. بنا…. صحت في سماعة هاتفي: صوتك يتقطع، إن كنت تسمعني جيداً فأرجو أن تتحرك من مكانك كي يتضح لي صوتك… عن أيهم تتحدث؟
قال لي (والصوت قد اتضح قليلاً): أحد شبابنا فقد أثناء العملية يوم أمس، وأظنه استشهد.
يا الله أيهم يكون؟ فكلهم أعزة عليَّ كأبنائي، سألته: استشهد؟ أيهم أخبرني أرجوك.
قال: الشاب الذي بعثته معي مؤخراً.
قلت له: أنت تقصد أحمد العبودي بالتأكيد، لا حول ولا قوة إلّا بالله، لقد ظفر بما أراد، لقد قرأت الشهادة بين عينيه منذ أول يوم رأيته فيه.
ذهبت إلى رفيقه الذي كان يستقل معه الناقلة أثناء الهجوم لأعرف التفاصيل.
قال: قدمنا يوم أمس في منطقة مليئة بأفراد العدو المتحصنين بالدور المتناثرة في الأراضي الزراعية المحيطة، وقد اعتمدنا في التغطية على دبابة تقف على مسافة منا تعالج مصادر النيران، كنت أنا وأحمد نستقل ناقلة نوع (باجر)، فيما تتقدمنا عدد من الهمرات، ولكن فجأة انفتحت علينا نيران متوسطة بكثافة، ثم انطلق صاروخ (آر بي جي) نحو مدرعتنا ولم أشعر بعدها بشيء، فقدت الوعي للحظات، ولما أفقت وجدت العربة يملؤها دخان أسود والنيران تحيط بنا من كل جانب الناقلة، لم أر شيئاً ولم أستطع فعل شيء سوى أنني نزلت مسرعاً وركضت باتجاه قواتنا عدة مئات من الأمتار والنيران تلاحقني ولم أنتبه لرجلي التي أصابها جرح، حين وصلت قواتنا سألتهم: ماذا حصل؟ قالوا: يبدو أننا وقعنا في كمين للعدو لكننا أخلينا الجميع.
قلت لهم: وأين أبو رقية إذن؟ قالوا: لا شك أنه بين القوات الآن، فالجميع مرهقون وتفرقوا ليستريحوا، لا تقلق بشأنه، ستعثر عليه.
لم يعلموا ببقاء أحمد في الناقلة التي بقيت في أرض المعركة، لقد أصبح الوضع في غاية الخطورة، ولا يمكن المجازفة بأحد، فيما المدرعة تقف لوحدها معطوبة على مسافة أكثر من كيلومترين من قواتنا.
لم يهدأ لنا بال، إذ لم نحصل على خبر قطعي بشهادته، وطفقنا نبحث عنه بين القوات وفي المستشفيات الميدانية، لعلّه نجا كصاحبه. في اليوم التالي اتصل بي مسؤول أحمد وقال لي: ثمة خبر يؤكد استشهاده! قلت له: وكيف؟ قال: اتصل أهل أحمد بصديق لهم لديه علاقات بالمجاهدين في قاطعنا، وأخبروه أن شخصاً من داعش قد اتصل بهم من خلال هاتف أحمد النقٌال وأنبأهم باستشهاد ولدهم وأنه مات بعد أن قطعت يده ورجله، وعاود هذا الداعشي الاتصال بهم مرات ومرات يكرر القول ذاته في كل اتصال.
أخذت رقم هاتف والد الشهيد واتصلت به بعد تردد: ألو… أبو أحمد أنا فلان، كان أحمد يقاتل ضمن قواتنا، فقد التحق بنا منذ أسبوع. وقصصت عليه قصة الحادث بالتفصيل.
ردّ عليَّ على الفور: (حاج نحن نفتخر أن الله شرّفنا بشهادة ولدنا، لكني كنت أود معرفة الجهة التي يعمل معها، وحيث أني تعرفت عليك الآن، فكأني عثرت على ولدي أحمد، نصركم الله وأعزكم).
هذا وكان الشهيد يحمل معه هاتفين أحدهما عادي والاخر ذكي، وكان الدواعش يتصلون من هاتفه الذكي. وبعد مدة اتصل شخص من هاتفه العادي، وكان يتكلم بأسلوب آخر وأكد شهادة احمد على يد الدواعش وأنّه شاهده بعينه، وقال إن الدواعش ألقو بجسده في (بزل البو فياض).
وبعد تحرير الفلوجة ذهب الاخوة في الاستخبارات الى المنطقة وبحثوا عنه ولكن لم يعثروا على جسده الشريف، لقد ترك أحمد رقية التي رزق بها بعد ما مرّ على زواجه أكثر من ست سنوات، وها هو يفارقها، ولما تكمل عامها الأول.
لقد رغب أبو رقية بالشهادة وسعى لها سعيها، حتى نالها، فارتقى مقاماً يغبطه عليه كل من عرفه.