أدب فتوى الدفاع المقدسة
أمّ الشهيد
2020/05/31
علي حسين الخباز

ما السبب الذي جعلني أتصورها امرأة عصبية المزاج، وتوقعت أن أراها مغبرة الثياب، منفوشة الشعر، باكية، لاطمة، ولا أحد فينا سيلوم ثورتها او يستطيع تهدئتها، لهذا صرت أبكي عمتي المسكينة، كان ابنها حيدر (رحمه الله) يمازحها فيناديها: (أم الشهيد)، كانت تزعل، حتى صارت نادرة تعرف بين الناس بـ(أم الشهيد)، والجميع يعرف انها لا تمتلك سوى وحيدها حيدر.
لا أحد يعرف كيف وافقت على ان يلتحق وحيدها المدلل في صفوف الحشد الشعبي، والأغرب من ذلك انها ترى انتماء ابنها للحشد الشعبي هو يوم بركة، وكانت تفتخر بهذا الانتماء، وتعتبره رفعة راس:ـ ابني كبر بعيني، حين قرر أن يستجيب لنداء المرجعية الكريمة، ويذهب للدفاع عن شرف العراقيات، لكنها مع هذا تزعل حين يناديها احدهم بـ(أم الشهيد)، وترد فوراً:ـ اسم الله على ولدي وعلى ولد الناس جميعهم، ابني ذهب للحرب ليأتيني بالنصر، عمتي التي كانت تنفر من كلمة أم الشهيد هي نفسها التي تستمع وبحماس الى قصص المعارك التي يسرد أحداثها ابنها حيدر:ـ بطل حيدر، إياك وهزيمة الروح، فإنها أشد وبالاً من الهزيمة..!
سألتها ذات لقاء:ـ عمة، لم تزعلين حين يقال لك (أم الشهيد)..؟ فتجيب عمتي:ـ تلك منزلة لا أستحقها، فابني ولله الحمد يتنفس الدنيا، ويعيش، وان شاء الله سأزوجه قريباً وأرى أولاده يكبرون أمام عيني، مسكينة عمتي كيف حالها، وهي تستقبل اليوم جنازة وحيدها حيدر، أكيد رأت الكون لحظتها بحجم تابوت، قال أحد المشيعين من أعمامي ونحن في الطريق:ـ الله يساعد قلبها..! أجابه الحاج سليم وهو رجل حكمة:ـ لا تخشَ عليها شيئاً، فالله سبحانه تعالى يلهم قلوب الأمهات صبرا، ساعد الله قلب مولاتنا أم البنين (عليها السلام)، لكن تبقى المسألة أن الأم لا تصدق موت ابنها حتى لو ترى جنازته بعينها، وأنا واحد من الناس أتذكر حيدراً ذلك الصغير المدلل، وأتعجب حين اعرف انه كان يرفع السلاح كرجل، وينال وسام الشهادة، وأنا متأكد انه قاتل بشجاعة عالية.
أعرف أباه، ويكفيه انه ابن شهيد، ويعني انه استطعم الجرح، وحين وصلت السيارة عرجت من مجلس الفاتحة لرؤية عمتي ومواساتها، وإذا بها تخرج إليّ متهندمة بثوب حزنها، قوية مرفوعة الرأس، تقبلني وتقول: البقاء في حياتك عمة، كان حيدر شجاعاً، ورحل الى جنته شجاعاً.
قلت مع نفسي: ما الذي غيّر عمتي لهذه الدرجة؟ من الذي منحها كل هذه الشجاعة والصبر وكأنها عرفت ما يدور برأسي، فقالت:ـ عمة، أنا أم كفلت ابنها، وعاهدت الله ان تدفع عنه مشقة اليتم والذلة والحاجة والعوز، فكان ابني رفعة الراس حيدر، لكن كيف تريدني أن أحميه من الله تعالى الذي اختاره شهيد عز، فتلك إرادة الله لا حول ولا قوة لنا إلا بعظمته.
وأخيرا قالت لي:ـ أنا عمتك يا علي، لا تخف عليّ الحزن، أنا أم الشهيد البطل حيدر مهدي، كنت أخشى أن يقولوها مازحين، لكن بعد اليوم سأسمعها وأنا فخورة بهذا العز الذي وهبني الفخر والحياة.