أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ مهدي مجيد أحمد التميميّ
2023/09/13

المهديُّ اسمٌ وعقيدةٌ عشقَها أهلُ الإيمانِ وغيرهم؛ لأنّه يمثّل عنوانَ المصلحِ الذي يعُمُّ السّلامُ ويسودُ العدلُ في عهدِه، ويُقضى على الظُّلم بوجوده، فهو يمثّلُ أطروحةً إلهيّةً من ربِّ السّماء، يقولُ اللهُ (عز وجل) (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) .
هذا الوعدُ الإلهيُّ ينتظره كلُّ المظلومينَ في العالم، وتتوقُ أنفسهم للنظر إلى المصلحِ وهو يقلعُ جذورَ المفسدينَ والظالمينَ ويقضي عليهم؛ لذا تجدُ كثيراً من المؤمنينَ، بل وغيرهم، مَنْ يُطلقُ هذا الاسمَ الشريفَ على أبنائه؛ تيمُّناً باسم الموعود، لعلَّه يكونُ من أهل الصّلاحِ والإصلاحِ، ويأملُ مَن يُطلِق هذا الاسم أنْ يكونَ حاملُه مشمولاً بالرّحمةِ الإلهيّةِ ببركة شخصِ ذلك المصلح ، خصوصاً أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين اسمه الشريف وبين نشرِ السّلامِ وأخذِ الحقِّ من الظالم للمظلوم، فهو وارثُ الأنبياءِ، وصاحبُ الخِصالِ الكريمةِ ، وهو سليلُ الدوحةِ الهاشميّة التي امتازت بالفضائل وإنصاف المظلومينَ.
ومِن أولئك الذين تبرّكوا بهذا الاسمِ الشّريفِ الشّهيدُ السّعيدُ (مهدي مجيد أحمد التميميّ)، الذي سمّاه أبوه الشيخ مجيد التميميّ - وهو أحد مقاتلي الحشد الشعبيّ- بهذا الاسم تيمّناً وتبرّكاً باالإمام لمهديّ الموعود(عجل الله فرجة الشريف).
والشّهيدُ مهدي من مواليد (1410هـ -1990م)، البصرة، السّيمر، شارع المقاولين، يعملُ كاسباً بأجرٍ يوميٍّ في تشذيب الأشجار والشتلات لحساب بلديّة البصرة.
نشأ الشّهيدُ في أسرةٍ تسمّى (الجبران)، وهي من الأُسَر البصريّة العريقة المعروفة بملازمتها للعلماء الأعلام، إذْ إنّ منطقةَ سكناهم مليئةٌ بالمساجدِ والحسينيّاتِ، ومن بين تلك الأُسَر التي ترعرع الشّهيد بجوارها وفي مسجدِها (الأسرةُ الشُّبّريّة)، بينما كانَ والدُه قد نشأ في رحابِ (أُسرةِ آل السُّويج)، ومِنْ هنا انعكست توجيهاتُ أعلامِ هاتينِ الأُسرتينِ على شخصيّة الوالد والولد، بل كلّ أفراد الأُسرة ، لهذا كانت تربية الشّهيد مهدي عقائديّة وولائيّة للعترة الطاهرة، فله علاقةٌ بالسيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وولدها سيّد الشهداء(عليه السلام)، فكان يُقيمُ عزاءَ مصاب أمِّ أبيها (عليه السلام) مع أفراد محلّته في هيأة أنصار الزهراء(عليها السلام)، وكان آخرُ عملٍ أنجزه قبل شهادته بأيّام نصبَ سرادق العزاء لمأتم المظلومة بعد أبيها، إذْ ارتقى نخلةً ليضعَ مصابيحَ الإضاءةِ، فسقطَ إلى الأرض، وفزع إليه أحدُ أصدقائه، وقال: نحن نريدك لهذا العمل في كلِّ عام، فقال مهديّ:
(لي الشرف، لعلّ الزهراء(عليها السلام) تقبلني خادماً، لكنّ هذا آخر عهدي بهذه الخدمة، فأنا لا أعود مرّةً أُخرَى)، وفعلاً نالَ مبتغاه، وأُهدي للزهراء(عليها السلام) ، وقدْ خَدَمَ الإمام الحُسينَ(عليه السلام) مدّة ثمانِي سنواتٍ، إذْ كان يسير مشياً قبل زيارة الأربعين، ثمّ يقوم بخدمة زوّار كربلاء، حيث وُجِّه من مسؤولي العتبة الحسينيّة للخدمة بين الحرمينِ في حِفظ أمنِ الزائرينَ وتسهيلِ حركتهم، ولما أصدرت المرجعيّةُ العُليا فتواها الجهاديّة سارع الأب مع ابن أخيه محمود -الذي تربّى في حِجْره- للالتحاق بالمجاهدين، ثمّ التحق بهم مهدي، وكانت مشاركتُهم في تكريت في منطقة العوينات ومكيشيفة والزلّاية، وكانت علاقة الشّهيد بوالده تفوقُ الحدَّ، فقدْ كان ينامُ على صدرِهِ ولا يفارقه، ويسعى لإدخال السّرور على قلبِ والدِه ولا يعصي له أمراً، وقد امتاز بدَمَاثَةِ الخُلُق وأريحيّة السّلوك، فكانَ مستبشراً بوجه مَن يلقاه، يُلاطفُ أخوته المقاتلينَ، ويُدخل على قلوبهم السّرور، ومن بينهم المقاتل الحاج صباح هلال صكبان السّليطيّ، الذي ذكَرَ الشهيدَ وترحّمَ عليه، وبكى لمواقفِهِ معه، وقد ذكر أنَّ الشّهيدَ كان يشاركُهُ في الأهازيج التي كان يُشجِّع أبناءه المجاهدينَ بها.
وقد دخل الشّهيد عدّةَ دوراتٍ قتاليّةٍ على الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة أكسبته خبرةً أهّلته ليشاركَ في القتال مع ابنِ عمِّه محمود في جبال حِمرين، إذْ تعرّضت قطعات المجاهدين لهجوم الدّواعش، فطلب المدَد، فبادَر القادةُ إلى نقل بعض القوّاتِ لنصرةِ أخوتهم في تلال حِمرين، وكان مهدي ومحمود مِن ضمنهم، فودّعوا أباهم وذهبوا إلى ردِّ كيد التكفيريّين لنحورهم، وفعلاً نالا هذا الشّرف، وشاء اللهُ أن يختارَ مهدي لجواره، إذْ انفجرتْ عليه عبوةٌ حمَلَهُ عَصْفُها إلى أعلى علِّيّين بجوار الأبرار الصّالحينَ، وكان أخوه محمود بقربه، فرأهُ صريعاً على الأرض، ولكنّه آثرَ مجاهداً جريحاً بقربه فأخلاه، ثمَّ عاد إلى أخيه ليُخليَه فحُوصِر مِن قنّاصة الأعداء، ولكنّه لم يتراجع، وهبَّ أحدُ الأبطال لمساندتِهِ بسيارة (همَر) فأخلاه، وكان يأملُ الشهادةَ، فخاطبه أحدُ السّادةِ: (لعلّك مُدَّخرٌ لتُكمل مسيرة الشّهيد مهدي، وتُرزق نصرةَ المهديِّ (عليه السلام) قائم آلِ محمّدٍ (صلي لله عليه وسلم).
ولما وصلَ الخبر إلى والد الشّهيد توجّه إلى الإمامين العَسكرِيّينِ(عليهم السلام)، وكان قريباً مِن الضّريح فخاطب أمّهما السيّدة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام): (يا سيّدتي، هذا هديّتُك مهدي قد جاءك فداءً لولدك الحُسين(عليه السلام)، ثمّ طلب منها أنْ تشفعَ له عند ربِّه ليربطَ على قلبِه، ففقْدُ الولدِ عزيزٌ، فبُرِّدَ على قلبِهِ، وحُمِلَ الشّهيدُ إلى البصرة، وقد شُيِّع تشييعاً مهيباً في كربلاء، وزُفَّ مِن أُسرتِهِ وأهل منطقتِهِ زفّةً لم يُشهَدْ لها نظير، ونُثِر على جثمانه الورد واليَاس، وكان تأريخ شهادته(10/ 3/ 2015م)، فرحمةُ اللهِ عليه، وحشره اللهُ مع أنصارِ المهديّ الموعود في قيامِه، ورزقنا صلةً به وبإمام زمانِنا، جنوداً أوفياء بين يديه.

شبّرالسُّويج