أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ صفاءُ الدّين أمين يعقوب ناجي البطّاط
2023/09/16


النجاحُ والتقدّمُ حقٌّ طبيعيٌّ لجميعِ البشر، بل هُو غايةُ كُلِّ إنسانٍ سَويٍّ يَطمحُ
أن يصلَ إلى الرقـيّ والكمال الذي يُوفّرُ له الحياةَ الآمنةَ والهنيئةَ، لكنَّ التقدّم والنجاح لا يأتي بمُجرَّد الرغبة والأُمنية، وإنّما تُشيَّدُ المُنجزاتُ وتُبنى الحضارات وتُصنع الرجالُ والأبطالُ بتحمّلِ المسؤوليّةِ والهِمم العاليةِ، وعدم الاتكال أو الاعتماد على الآخرين، والاكتفاء بالتفاخر والتغنّي بإنجازات الآباء والأمجاد السابقة، فالرّجال الأقوياء لا ينتظرونَ من الآخرينَ أنْ يُمهِّدوا لهم السبيلَ، بل هُم الذين يُمهِّدوا السّبيل لغيرهم، وهُم الذين يُقدّمون الغالي والنفيس في سبيل أن تَزدهرَ الحياة وتنعَم الأجيال القادمة بالحياة الآمنة السّعيدة.
و في قِبال هؤلاء الخيّرينَ أصحابِ الهِمم هُناك بعضُ الظُّلاميّينَ ممّن يُحاول إخفاء المعالم التي تدُلُّ على أمجاد الأمم تحت مُسمّياتٍ ما أنزل الله بها مِن سلطان، ويسعَون في تخريب البلاد، ويُسيؤون للعباد، ويُدمِّرون الحياة بكلِّ ما فيها من نِعمٍ إلهيَّةٍ، بنشر الفساد والقتل والتهجير وتهديم بُيوت اللهِ من مساجد وحسينيَّات، وخلق فِتنةٍ طائفيَّةٍ بين المُسلمين، يبتغونَ بها تشويه حقيقة الإسلام وتصويره بأبشع الصُّور، إذْ يَذبح الأخ أخاه ويقتلُ الابنُ أباه، ويختلقون عادات وتقاليد وطقوس، يخفونها ببرقع القداسة؛ لتقييد حُريّة التفكير.
ونحن إذْ نعيش هذه الفترة الزمنيّة التي خرج فيها قرنُ الشَّيطان المُتمثّل بخوارج العصر (الدواعش)، الذين يحملون كُلَّ صِفات الرذيلة والفساد والإفساد، برزَ إليهم رجالٌ حملوا الأرواح على الأكفّ؛ ليحفظوا أصالةَ الدّين، ويُسطِّروا أمجاداً للإسلام، ويُعيدوا رُوح التضحية والفِداءِ في الأمَّة، فقدَّموا شُهداءَ أبطالاً أبراراً صاروا فخراً وعزّاً لأهلِهم وللأجيال، وكان منِهم الشَّهيدُ السَّعيدُ البطلُ (صفاءُ الدّين أمين يعقوب ناجي البطّاط).
ولد السَّيد صَفاء الدّين في سنة(1983م) في مُحافظة البصرة، قضاء أُمّ قصر، وتَدرّج في التعليم في مدارسها، فحصل على شهادة الثانوية، ثُمَّ عَمل في القطَّاع الخاصّ، إذْ إنَّه لم يكن مُوظّفاً في الدولة أو الشركات المحلِّيّة، وكان مُتزوِّجاً ولديه من الأبناء اثنان وبنتٌ واحدةٌ.
نشأ السَّيدُ صفاء في أحد البيوت البصريَّة الطيِّبة التي عُرفتْ بالخير والعطاء، وكان لنشأته وتربيته انعكاسٌ في خُلقه الرفيع وسَماحتِه مع أهله وأصدقائه، وكان من صفاته أنَّه كريمٌ وصادقٌ وبشوشٌ مع جميع أفراد أُسرته وأصدقائه وأقربائه.
إنَّ مِن جُملةِ ما يرثُه الناشئ في البيوت البصريَّة الموالية لأهل بيت النبوَّة (عليهم السلام) هُو الحُبُّ والتَمسُّك بِحبل الله المتين، امتثالاً لما جاء في الحديث الشّريف عن النبيِّ محمّدٍ (صلى الله عليه واله وسلم) «إنّي تاركٌ فيكم الثّقلينِ كِتابَ اللهِ وعِترتي أهلَ بيتي، وإنَّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ما إنْ تَمسَّكتُم بهما لنْ تضلّوا بعدي»، فكان الشَّهيدُ من المُتمسّكين بأهل
البيت، ومِن خُدَّام الإمام أبي عبد الله الحُسين (عليه السلام)، فقد كان يتوجّهُ في كُلِّ سنةٍ إلى كربلاء لِخدمة زُوَّار الإمام الحُسين (عليه السلام)،
لقد وقف السيِّد صفاءُ الدّين مع إخوته المُجاهدين من الحشد الشعبيّ الأبطال وقفةً واحدةً كالبُنيان المرصوص مُمتثلينَ فتوى الجِهاد المُقدَّس التي أطلقها الإمام المُجاهد السَّيّد السيستانيّ دام ظِلُّه الشَّريف وأطال اللهُ بقاءه للإسلام والمُسلمين، فكان تأريخ التحاقه بالحشد الشعبيّ في شهر آب من سنة (2014م)، وقد أخبر والده عند سماعه فتوى المرجعيَّة العُليا بِنيّته للذهاب والمُشاركة في قِتال الزُّمرة القَذرة من الدواعش، ولم يُعارض الأبُ ذلك، تلبيةً لنداء المرجعيَّة، إذْ قال السَّيِّدُ السِّيستانيُّ حفظه اللهُ «على الأب أن يُشجِّع ابنَه، وعلى الأمّ أن تُشجِّع ابنَها، وعلى الزّوجة أن تُشجِّع زوجَها».
شارك الشّهيد صفاء في عِدَّةِ عَمليّات، وفي مناطق مختلفة، منها مُحافظة ديالى والرمادي، ومحافظة بغداد في منطقة بنات الإمام الحسن (عليه السلام).
وقد تعرّض الشّهيدُ لإصابةٍ في قَدمه بتأريخ (2/10/2014م)، وكان مُتلهِّفاً للعودة إلى القِتال، وعلى الرّغم من إصابتِهِ فقد كان يتواصلُ مع عددٍ من المؤسّسات الدينيَّة والسِّياسيَّة، وفور تماثله للشفاء عاد إلى صُفوفِ المُقاتلين مِن الحشد الشَّعبيّ.
كان الشَّهيدُ قد أوصى والدَه قبل آخر التحاقٍ له أنْ يَدفنه في مقبرةِ الشهداءِ، وقد نال شَرفَ الشهادة في (23/11/2014م) ضِمنَ الحَشد الشعبيّ في ناحية السعديّة، مُحافظة ديالى، وشُيِّع في مُحافظة البصرة في قضاء أمّ قصر تشييعاً كبيراً حضره كثيرٌ من أبناء البصرة، ومن مختلف المُحافظات بتأريخ(25/11/2014م).
إنَّ الموقف الحالي والراهن يختزنُ في طيَّاته أعداداً كبيرةً وكثيرةً مِن العوامل والحِسابات والرؤى المُستقبليَّة والتاريخيَّة، وعوامل ماديَّة ومعنويَّة، فمن هُنا نكتشف ثقل المسؤوليَّة المُلقاة على كُلّ فردٍ مِنَّا للاستعداد، وهذا يحتاجُ إلى الشَّجاعة الكبيرة والهِممُ العالية لمواجهة ذلك الكمِّ الهائل من المؤثِّرات والمؤامرات المحسوبة والمدروسة أو غير المُتوقّعة، فيجب أن لا يخترقَ الألمُ صدورَنا، أو يأخذ مكاناً في قلوبنا، وإن استُشهِد الآلاف مِنّا، فيجبُ أنْ يكونَ شهداؤنا مصدرَ فخرٍ وعزٍّ وكرامةٍ لنا ولجميع الأُمّة الإسلاميّة، ويكفينا فخراً أنَّنا سائرون على طريق الإمام الحُسين (عليه السلام)،.، فرحم اللهُ أمواتنا وشُهداءنا الأبطال، وأسكنهم فسَيحَ جنَّاته، إنَّه قريبٌ مجيبٌ.


ميثم علاء الدّين