أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ ناصر عُودة الدرّاجيّ
2023/09/18

إنَّ الدّينَ الذي ارتضاه اللهُ لعبادهِ الإسلامُ، ومَن جاء لربِّه يومَ حشره بغير دين الحقّ فلن يُقبلَ منه، وقد ذَكر القُرآنُ الكريمُ هذا الأمر، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا).
وإنَّ رضا الحكيم وإتمام نعمتِهِ على عباده باختيار خليفتِهِ الأعظم(علية السلام)، ومن بعده أوصياؤه(عليهم السلام) يكشف عن أنّ مُخالفةَ الشَّريعة مُرديةٌ في المَهالك، ومِن هُنا نجدُ أنّ خليل اللهِ النبيّ إبراهيم -عليه وعلى نبيّنا وآله الصّلاةُ والسَّلامُ- يُوصي بَنِيهِ بالإسلام)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ( ، وهكذا أوصى الأنبياء ونبيّنا الكريم(صلى الله عليه واله وسلم)، ولمَّا كانتْ الوصيّةُ تمام رضا الحكيم جلَّ شأنُه وتمام نعمتِهِ كَتبَ على عبادِهِ الوصيّةَ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) .
لهذا يَجبُ على المُسلم أنْ يَعهدَ بوصيَّتِهِ، وإلَّا فَهُو غيرُ عاقلٍ، وهي عهديَّةٌ، بأنْ يعهدَ بمعتقدِهِ، وما عليه مِن الدَّيْن، ومَن يتولَّى بدنَه، وغيرها من الأمور، وقد أوصى النبيُّ (صلى الله عليه واله وسلم) وأمر بها، «خِلافاً لمَنْ أنكَرَ وصيَّته»، إذْ قال (صلى الله عليه واله وسلم) «مَن لم يُحسنْ وصيَّته عند الموت كَانَ نَقْصَاً في مروَّتِهِ وعَقْلِهِ».
هذه وصيّةٌ مِن وصايا رسول ربِّ العِزَّة، وقد أمرنا أن نَتعلّم كيف نُوصي، ونُعلِّمها مَن يكون بعدنا؛ ذلك لكوننا مِن أمّتِهِ، وأتباع أئمّةِ الهدى مِن بعده، وسنوردُ في طيّات الكتاب القادمة أُنموذجاً من وصايا رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) ليتعلَّمها المؤمنونَ والمجاهدونَ حتَّى تكونَ لهم عَهداً منشوراً يوم يلقَونَ ربَّهم، وتكونَ وصيَّتُهم نِبراساً لإخوانهم الذين يلحقونَ بهم، ومِن بين شُهداء حشدنا المُبارك الذين تركوا وصايا عطرة الشّهيدُ (ناصر عُودة الدرّاجيّ) .
ولد الشَّهيد ناصر في عام (1388هـ - 1968م) في ميسان، في منطقة قلعة سِكر، وهو متزوِّجٌ وله ثمانيةُ أولادٍ، يسكنُ مدينةَ البصرة في قضاء سفوان.
درسَ الشَّهيدُ في مدرسة الحيدريَّة الابتدائيَّة، ثُمَّ أكمل المتوسِّطة في قلعة سِكر، ثُمَّ انتقل مع أُسرته إلى البصرة، وتحديداً في قضاء سفوان، وعمل كاسباً يقوتُ عائلته من عرق جبينه، وامتاز بخصائص لطيفة منها محبَّتُه للآخرين وسعيُه في قضاء حوائجهم، فهو كبيرُ إخوتِه وخادمُ حمولتِه، ومنها علاقتُه بقِراءة الكُتب الدينيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة، وهذا ما سنلمسه عندما نقرأ وصيَّته المُرفقة بعد توثيقِ الشَّهيدِ هذا، ومنها ولاؤه لأهل البيت(عليهم السلام)، إذْ كان شديدَ الوصلة بهم، فكانَ يقصدُ زيارتَهم سيراً على الأقدام في وفياتهم، فقد سار مع موكبٍ من البصرة إلى طوس في إيران محلِّ مشهدِ مولانا
الإمام عليّ بن موسى الرِّضا (عليه السلام)، وكانوا يقطعون المسافة في ستَّةٍ وثلاثينَ يوماً، وقدْ سار أكثر من أربع سنينَ استجابةً لدعوة مولانا غريب طوس، إذْ ضمِن على الله الجنّة لمَنْ زارَه في غربته، لهذا يُسمَّى بالضّامن، وهكذا كانَ يزورُ سيِّد الشُّهداء (عليه السلام) والإمامينِ الكاظمينِ الجوادينِ (عليهم السلام) في بغداد، والإمامينِ الهاديينِ العسكريّينِ (عليهم السلام)، وكانَ كثيرَ التوسّل بهم ليُرزق الشَّهادة.
التحقَ الشَّهيدُ مع أحد أخوته منذ بداية نخوة الحرائر بشيمة الشُّرفاء أصحاب النجابة، واستنجاد الوطن برجاله الأبرار، فأثْبتَ للعالم عِزَّةَ حُماةِ العراق وإباءَهم، وقدْ سُجِّلتْ له مواقفُ مُشرِّفةٌ جعلتْ من إخوانه يستصغرونَ أنفسهم أمام طلبه الشَّهادة، وعند سُؤالهم إيّاه عن عُبوره السَّاتر بهذه الشّجاعة والسُّرعة أجاب مُعتذراً «أنتُم أكفَاء كرماء، لكنّي وودتُ أنْ أنالَ إحدى الحُسنيين، وإنَّ رغبتي بالثانية، فلطالما استشفعتُ بسيدَيَّ العسكريّين (عليهم السلام)عند الله؛ علَّني أُرزق الشَّهادة»، وفعلاً نال مُناه أثناء تنقّله بين مكيشيفة والعوينات والجلّاية، فقَدْ كان عملُه نقلَ البريد؛ ممّا جعله هدفا للقنَّاصة، وبتأريخ (30/11/2014م) أصابته رصاصةُ غدرٍ من قنّاصٍ داعشيٍّ لَعِينٍ مُتربِّصٍ به، فعرجتْ رُوحه من ساعتها، ولمَّا وَصَلَ خبرُ شهادتِه إلى أخيه شَكرَ اللهَ على كرامة الشَّهادة التي حُبيَ بها أخوهُ الأكبرُ، وأخذته غيرةُ المُقاتل في سُوح الوغى، فشدَّ ومعه أصحابُ النخوة، وجاءوا بغادره (قنَّاص الدواعش) وهم يهتفون (أبو اسعيد ثأرك ها لجبنا)، وكان اللّقيطُ صينيَّ الجِنسيّة.
وقدْ أوصى الشّهيد بقراءة وصيّته، والعمل بها، وقد أوردناها كما هي؛ تحقيقاً لرغبته لتكون فائدتُها أعمَّ، وليَقتبس منها المؤمنونَ عَزماً وقوّةً، في التمسُّك بعقيدةِ الحقِّ.
هنيئاً للشّهيدِ فوزه بحُسنى لقاء ربِّه وسادته الذين سعى لزيارتهم سيراً، فسعوا شُفعاء عند بارئه لتحقيق رغبته، فنال قُربَهم وجوارَهم بلطفِ خالقِهِ وكرمِهِ.
شُبّر السُّويج