أدب فتوى الدفاع المقدسة
الشّهيدُ السّعيدُ محمّد هاشم عبد الرّسول
2023/10/04

(الموتُ أولى مِن الحياةِ)، عبارةٌ يأخذُنا مدلُولها إلى شخصٍ فضَّل الموتَ على الحياة، وعدَّ السّعادةَ الأبديَّةَ في الموت، والبَرَمَ في الحياةِ مع الظالمينَ، حينما وَجَدَ الجور والظُّلم يسودُ الأمَّة مُتَّجهاً بها إلى الشّقاء والهلاك، فضحّى بنفسه كي تحيا الأمّة، ألآ وهو الإمامُ الحُسين(عليه السلام)، الذي قال: (إنّي لا أرى الموتَ إلَّا سعادةً، والحياةَ مع الظالمين إلَّا برماً) ، وغدَتْ هذه العبارةُ بذرةً، ثمَّ نمتْ وكبُرتْ، فكانتْ شجرةً خالدةً نمى في أغصانها أبطالٌ نهجُوا نهجَ إمامهم(عليه السلام)، ومِن هؤلاء الأبطال الشَّهيد (محمّد هاشم عبد الرسول) مِن قضاء الفاو، الذي يُنقل عن والدِه كلامٌ قاله الشَّهيد وهو جالسٌ على سُلَّم المنزل: (الموت أولى من الحياة)، وذلكَ بَعد أنْ صدرتْ فتوى المرجعيَّة الدينيَّة العُليا بوجوب الجهاد الكفائيّ دفاعاً عن العراق ومُقدّساته.
الشّهيدُ محمّد مِن سكنة قضاء الفاو، وهو مِن مواليد (1412هـ -1992م)، وقد أكمل دراسته الابتدائيّة في البصرة، والمتوسّطة في قضاء الفاو، ثُمَّ تركَ الدّراسة وعمل كاسباً.
وعلى الرّغم من أنَّه متزوِّجٌ نجدُهُ ما أنْ سمع فتوى الجهاد حتّى جاء مستأذِناً والدَه للذهاب إلى ساحات الجهاد، فعكس بذلك لنا صورةً جميلةً عن مدى طاعتِه والتزامِه ببرِّ والديه، وعدم الخروج عن أمرهما، فما كان لوالده أنْ يمنعه عن شرف الدّنيا والآخرة، الذي يعود له ولعائلتِه، ولم يصل إلى هذه المرتبة بسهولةٍ؛ لأنَّنا عندما نطَّلع على حياته نرى أنّ له ارتباطاً وثيقاً بأهل البيت(عليهم السلام )، وخصوصاً بسيِّد الشهداء(عليه السلام )، إذْ إنَّ الشَّهيد كان ممّن يخدمُ الإمام الحُسين (عليه السلام) ويدأبُ على زيارته مشياً على الأقدام عدَّة مرَّات.
شارك الشَّهيد في الجهاد منذ بدءِ صدورِ الفتوى، فالتحق في منطقة بلَد، وشارك في تحريرها، وعُرف بالشّجاعة والبسالة، فقد روى زملاؤه في القتال أنَّه كان شجاعاً مِقداماً في سوح الوغى لا يهاب الموت، وله صولاتٌ وجولاتٌ؛ لذا أُعطي الشَّهيد رتبةَ ملازمٍ وأهدوه مسدَّساً، ولشجاعتِه المعهودة تمَّ اختيارُه في وحدته من ضمن الأبطال الذين يُشاركونَ في تحرير منطقة آمرلي المحاصرة من قبل الدواعش التكفيريّين، وكانَ ذلك بعدما نزل إلى أهله ليودِّعهم، وكأنَّه كان يعلم أنَّه يَمضي إلى جنَّات الخلد، بعدها بدأتْ هذه العمليّة، إلَّا إنَّ أخبارَه قد انقطعتْ عنهم لمدَّة شهرين، بعدها تبيّن أنَّ ولدَهم قد نالَ وسامَ الشهادة بتاريخ (6-10-2014).
شُيِّع جثمان الشَّهيد في موكبٍ مهيبٍ تعلوه (الشّموع)، تشبيهاً (بزفَّة) القاسم(عليه السلام)، وقد نُقل أنَّه لم يُرَ تشييعاً في البصرة بهذا القَدر الكبير من المشيِّعين.
ونقل بعضُ زملائه في القتالِ أنّ محمّداً أُصيبَ وأرادوا إخلاءهُ، إلا إنّه آثَر الإقدام، وقال لهم: (أُتركُوني فأنَا أريدُ أنْ أنالَ الشّهادة)، ثمَّ قامتْ سريّتُه بنقل وصيَّته إلى أهلِه، إذْ إنّه أوصى بأهله وزوجته في وصيّةٍ شفهيّةٍ، وهذا يعكس لنا صورةً أخرى عن مدى التزامه بأحكامِ الشريعةِ الإسلاميَّةِ، فإنّه يُستحبُّ للمسلمِ كتابة وصيّته.
ومن الجدير بالذكر أنّ إدارة إحدى المدارس في الفاو عمدتْ إلى تسمية مدرستهم باسم الشَّهيد محمّد هاشم عبد الرّسول، احتفاءً به وبتضحياتِهِ، فهنيئاً له هذه المرتبة الشّريفة وهذا الفَضْلُ العظيمُ.

محمّد شهاب