صدمة
2024/12/02
كيف لم أنتبه أن قلبه مغلق بخطوات رحيل أخيه الأكبر؟ وهو متطلع له، قد شق طريقه منذ اللحظة الذائبة في تمحيص الايمان قولا وفعلا، فبعد ليالي سنة ونصف وبعد مدة هيئت له أن يحسم قراره بثبات وقوة مستبشرا بالنهوض من رقاده لنذر النفس لذلك السر المتهلهل بين طيات ملامح أخيه ....
هبت ريح أولى لتقتلع عزيمته وتبث القلق فيما سيخلفه بعده...
تجمع حوله الأقارب والجيران منصدمين، ليس بحجم صدمتي، يفرشون مائدة الحديث عن صغر سنه وشبابه الذي بدأ لتوه ينضح بالأمل والحب والاحلام ومجازفته بترك أطفاله.
أرهف السمع لهم ضاحكا في قرارة نفسه فحتى كلمات والدته المملحة بمرارة العيش قلقة ومتوترة الاعصاب واكتفاؤه بفراق أخيه لم يثنيه للمضي نحو ساحة الكرامة خط برهتها تأريخ تجنيده بين صفوف فوج القاسم الذي ثبت جذوره كعنصر أساس وركيز للواء علي الأكبر... بعد تدريبه عين في القسم الهندسي للحشد الشعبي انه الشهيد السعيد عبد الحسن مظلوم)
كانت أول حبوة للجري نحو الشهادة في تكريت عيناه تعوم في ملاحقة أرواح متلذذة مع كل صرخة باسم استبشرت به الرسالة المحمدية، زمجرة المدفع وصعق الرصاص على الأعداء واهازيج الفرح بالنصر والتحرير مع رفاقه علقه أكثر بساحة القتال....
صرت مطمئنة بعودته كل مرة وزادني سعادة فذاك عبد الحسن البارحة لا يشبه اليوم مع انه لا تزال هناك غصة اختنق بها عندما باح برغبته اللحوحة لنيل الشهادة.
سقى أمنية بفيض خلواته مع أنيس المستوحشين...
لطالما دعاني للتعجب والحيرة من مدة اقباله على صلاته وتهجده بصوت رخيم لتلاوة القرآن.
أنقب في ملامح وجهه عن ذلك السر الذي احتواه حتى أصبح هادئا بعد أن كان ذا طبع عصبي...
أطالعه لتهب نسمة باردة ودافئة من غبطة تأمله... أحيانا أمازحه:
عبد الحسن سآخذ السجادة ابق أنت في مكانك.
يبتسم ببراءة طفل لتوه يتبرعم فيرد:
الشهادة يا زوجتي أتمناها».
ابتلع ريقي لأنصهر في دمعة منكوبة
- ونحن ؟ لا تقل ثانية
يلجمني بعتابه اللطيف المواسي:
يجب أن تفرحي وتشجعيني سأكون فخرا لكم، ألا يكفي هذا؟».
شهر تلو آخر نمت بذرة طيبة في قلبه نمت اكثر بعد استشهاد صديقه في جبال مكحول.. حمله بين يديه... شيعه وعند المغرب عاد الينا تلقته لهفة والدته لتتأكد من عدم اصابته بجرح وأناوبها في لهفتي
لمداواة جرح فراقه بينما يفتح ذراعيه لولديه ضاحكا لغروب الشمس قائلا:
يا أمي، يا روحي اليوم استشهد صديقي...يا الله كم تمنيت لو كنت مكانه»!
صباح انتقاله الى جزيرة الخالدية بعد انتهاء الصلوات والتراتيل من قبل الشيخ مقصد في اثناء صيانته إحدى الشاحنات انفجرت عليه تدافع الجميع من بينهم اخوه عبد الحسين نحوه.. قفز مبتسما نافضا ملابسه كأن شيئاً لم يحدث قائلا:-
سأعد اليوم لكم الفطور
تعالت أصوات المقاتلين تتواضع لمبادرته وتبادله رباطة جأش لا يرعبها الموت.. بعد دقائق فرشت سفرة متواضعة خلف الساتر، تناولوا الافطار بأعين مراقبة وصول الدعم بعد أن حوصروا بالمنطقة بعتاد لا يكفي.
تطلع لما حوله ومسح المنطقة ليبدأ الهدوء بشحن ذخيرته لحسم القتال فقال منتفضا:
اخواني هل سنبقى محاصرين هكذا؟ لم لا نتقدم خلف تلك الدبابة؟».
قرأ الشيخ مقصد ما كان يرمي اليه عبد الحسن فبقاؤهم وانتظارهم قد يكلف الكثير ولربما يباغتونهم فجأة، تحرك المجاهدون وفق اوامر قائد الفوج فزعت مرتزقة داعش لتدارك مواقعهم وصد نيران الرصاص الغاضب في يوم ٢٠١٥/٧/٣١... في فوضى المعركة تناثرت الدماء على أخيه وهو يقاتل حتى ظن أنه قد جرح وما يزال في مؤازرة التقدم منهكا .... بعد ساعات انجلت المعركة عن
خسائر فادحة تكبدها العدو وبينما تتفقد عينا قائد الفوج مجاهديه الابطال سأل عبد الحسين:
«أين عبد الحسن؟».